حقيقة وأبعاد جنيف 2
إبراهيم العلبي
مسار للتقارير والدراسات
برزت وبشكل لافت الدعوة إلى عقد مؤتمر "جنيف 2" الذي من المفترض أن يجمع المعارضة السورية بممثلين عن النظام السوري بحضور القوى الدولية الفاعلة والمتوقع عقده أواخر الشهر الحالي، وذلك بعد اللقاء الذي جرى بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي بموسكو الثلاثاء الماضي والذي كانت القضية السورية محوره الأساسي.
فيما تباينت التفسيرات التي تناولت هذا الموقف المشترك المستجد بين الروس والأمريكيين من خلال البحث والتحليل، فما الذي دعا كيري لزيارة موسكو بحثا عن حل سياسي في هذا التوقيت؟ وما الذي تأمل واشنطن وموسكو تحقيقه من هذا المؤتمر؟ وما الذي تغير في الموقف الأميركي حتى تقبل إدارة أوباما حضور أطراف جرى استبعادها في لقاء مجموعة العمل حول سورية التي أقرت إعلان جنيف العام الماضي (أي ايران والنظام السوري)؟ وهل قبلت واشنطن التفسير الروسي للاتفاق المذكور؟ وهل زالت جميع العقبات التي كانت تعترض تنفيذه؟
المعارض السوري غسان مفلح يرى من وجهة نظره أن أمريكا لا تتخذ موقفا نهائيا وقطعيا في أي قضية تعالجها، وإنما يكون دائما لديها خيارات عدة مبنية على احتمالات، والتطور الذي يمكن أن يحدث في أي قضية، معتبرا أن هذا ما ينطبق أيضا على الأزمة السورية، ويضيف: صحيح أن أمريكا طالبت برحيل الأسد لكنها في ظروف أخرى ليس لديها مشكلة أن تتعامل مع الأسد، وبالوقت نفسه تتعامل مع قوى المعارضة، وتقدم لها المساعدات، مشيرا إلى أنها في الوقت الذي دعت فيه إلى جنيف 2 يبحث السفير فورد مع قادة عسكريين آفاق تحركاتهم وإمكانية مدهم بالسلاح، ويؤكد مفلح بأن هذا ليس مرتبطا فيما يجري في سوريا فحسب، بل ربما يجري ضمن إستراتيجية الرؤية الأمريكية للمنطقة، فالملف النووي الإيراني وإسرائيل والعراق كله منظور في الحسابات الأمريكية فيما يخص سوريا.
كما كشف المعارض البارز أن السفير الأمريكي روبرت فورد حاول اللقاء بكل قيادات المعارضة السورية الموجودة في إسطنبول والتقى عددا من قيادات المجلس والائتلاف لساعات طويلة، وبحث معهم إمكانية الوصول إلى حل سياسي، وأبلغهم أن الأمريكان مع رحيل الأسد، فيما تصر روسيا على مشاركة معارضة الداخل ممثلة بهيئة التنسيق على أن يكون لها دور فاعل في أي حوار أو مفاوضات لنقل السلطة.
بينما كشفت مصادر في الائتلاف لـ"مسار" أن الاتفاق المعلن ليس سوى تأجيلا للخلاف الحاصل بين واشنطن وموسكو، ولا يزيد على كونه نوعا من إلقاء كرة النار في أيدي النظام والمعارضة ليتحمل الطرفان الأخيران مسؤولية الكوارث الإنسانية المتراكمة يوما بعد يوم، لاسيما بعد خرق النظام السوري كل الخطوط الحمراء التي رسمها البيت الأبيض بموافقة روسية ضمنية ما شكل ضغطا متزايدا على الإدارة الأمريكية. بعبارة أخرى؛ فإن الطرفين الروسي والأمريكي ليسا جادين في الدعوة إلى جنيف 2. واستشهدت هذه المصادر على صحة معلوماتها بتصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جين ساكي التي أدلت بها يوم الاثنين، حيث أفادت أن "المؤتمر الذي يحتمل عقده بمشاركة ممثلين للحكومة السورية والمعارضة لمحاولة إنهاء الحرب الأهلية في سوريا قد يتأجل إلى أوائل حزيران القادم".
فيما فسرت "شبكة فلسطين الإخبارية" توقيت زيارة كيري لموسكو بأنها جاءت إثر الضغوط المتزايدة التي أخذت تتعرض لها إدارة الرئيس أوباما داخليا وخارجيا لتبني سياسة أكثر وضوحا وفاعلية على خلفية التطورات الميدانية الأخيرة في سورية، وأهمها استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، ودخول إيران وحزب الله بشكل مباشر في الصراع إلى جانب بشار الأسد، واتخاذ الأزمة منحى أكثر تعقيدا وخطورة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على مواقع عسكرية في دمشق وقربها. وقالت الشبكة الإخبارية: "وعلى الرغم من أن واشنطن حاولت التملص من التزاماتها بسبب خرق النظام "خط أوباما الأحمر" عبر التشكيك في صحة التقارير التي تحدثت عن استخدامه السلاح الكيماوي، فإن الأمر غدا بالغ الصعوبة مع تزايد الأدلة على حصول ذلك، إلى أن اضطرت الخارجية الأميركية والرئيس أوباما نفسه للاعتراف باستخدام السلاح الكيماوي. وحاول الروس من جهتهم التملص من الإحراج الذي وضعهم به النظام بإلقاء اللوم على قوى المعارضة".
أعلن وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أمس الثلاثاء، أن سوريا تريد تفاصيل عن مؤتمر السلام الذي اقترحته الولايات المتحدة وروسيا لإنهاء الحرب قبل أن تتخذ قرارها بخصوص المشاركة فيه، فيما بدا تراجعا عما أعلنته موسكو من موافقة النظام السوري على المشاركة في مؤتمر كهذا. جاء ذلك في حين توقعت الخارجية الأميركية أن يعقد مؤتمر "جنيف 2" أوائل حزيران المقبل، وليس في أيار. وقالت إن العملية تشمل عددا كبيرا من الدول، إلا أن وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، شكك في إمكانية عقد المؤتمر في وقت قريب، وقال إن جمع المعارضة والنظام على مائدة واحدة سيكون صعبا.
يأتي ذلك، في وقت أكدت فيه خمس دول عربية، بينها بلدان تدعم المعارضة السورية، وتركيا في اجتماع ليل الاثنين- الثلاثاء في أبوظبي أنه "لا مكان" للرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سوريا، وذكرت وكالة أنباء الإمارات أن وزراء خارجية السعودية والأردن وقطر وتركيا والإمارات ومصر تباحثوا خلال اجتماعهم حول المؤتمر الدولي الذي اقترحت الولايات المتحدة وروسيا عقده حول سوريا.
فيما قال أوباما في المؤتمر الصحفي المشترك مع كاميرون: "سنواصل جهودنا لتعزيز الجناح المعتدل في المعارضة والاستعداد لسوريا ديموقراطية من دون بشار الأسد"، موضحا أن هذا الأمر "يتضمن جمع ممثلين عن النظام والمعارضة في جنيف خلال الأسابيع المقبلة للاتفاق على هيئة انتقالية، حتى يتم نقل السلطة من الأسد إلى الحكومة الانتقالية".
لكن أوباما أعرب عن حذره بسبب ما اعتبره "المزيج القابل للانفجار" في الأزمة السورية. وقال "بسبب نوع العنف الذي ظهر في سوريا، فإنه من الصعب إعادة جمع الأشياء. سيكون هناك تحديات هائلة، وحتى لو انخرطت روسيا، إلا أنه لا يزال هناك دول أخرى مثل إيران، ولاعبون، مثل "حزب الله"، متورطون في الأزمة بشكل كبير، وفي الجانب الآخر هناك "جبهة النصرة" المرتبطة بـ"القاعدة"، والتي لديها أجندة تتعدى الإطاحة بالأسد".