العظام، يحترمون العظام وهي رميم
العظام، يحترمون العظام وهي رميم
معمر حبار
في اليوم الذي تقصف فيه الطائرات الصهيونية سورية، للمرة الثانية، خلال عام واحد، وتعود لقواعدها سالمة آمنة، يُنشر خبر نبش قبر، عمره 14 قرنا، وتلتقط صور لمن قام بالفعل، وهو يضحك ويفتخر، بما قام به.
إن الذي ينبش القبر، يظل سمعه وبصره وعقله وفكره، موجها نحو الأسفل، ولا يمكنه أن يرفعها نحو الأعلى، لأنه أخلد إلى الأرض. ومن لم يعرف للميت حرمة، لن يعرف للحي حرمة.
والمتتبع لمسار الصهاينة، يرى أنهم يخوضون الحروب من أجل استرجاع عظاما لجنودهم، سقطوا في هذه المنطقة أو تلك. ويعقدون الصفقات، لإطلاق سراح مئات الأسرى العرب، مقابل استرجاع نصف ساق لصهيوني، قُتل منذ سنوات، بل مقابل الحصول على معلومات، كرتبته العسكرية مثلا.
إن الصهاينة، حينما احتلوا فلسطين، توجّهوا إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، وقالوا على لسان واحد، هاقد عدنا ياصلاح، ولم ينبشوا قبره، وهم الذين يرون فيه ألد الأعداء.
أيام الصبا، كان الصبية يلعبون ويمرحون، داخل مقبرة الفرنسيين، فرحين بالأزهار التي تكسو قبورهم والمقبرة، ومشدودين نحو الترتيب المحكم للقبور، فتعلم الطفل منذ الصغر، أن للقبر حرمة، ولو كان للمستدمر الفرنسي.
ومع أيام الصبا دائما، تمّ توسيع الطريق يومها، والرابط بين شرق الجزائر وغربها، دون المساس بمقبرة الفرنسيين، المحاذية للطريق، وبقيت على حالها إلى اليوم، لم يمسسها أحد بسوء، رغم إنجاز عدة مشاريع بمحاذاتها.
وبعد 40 سنة، من عمر الصبي، وقبلها بعقود طويلة، وقرون عميقة، أمست حرمة الأموات، عقيدة راسخة في الطفل، وكبرت معه إلى الأبد.
إن عمق الأرض لاحد له، والمسافة نحو السماء، لايُعرف لها حدا. ومن انتهك حرمة سكان باطن الأرض، لامحالة لن يعرف معنى الرقص في السماء، وستبقى عوراته مكشوفة، أمام من عقد الصفقات لأجل استرجاع ربع ساق.
خلال هذا الأسبوع، احتفل مسيحيو سورية، بطوائفهم المختلفة، بعيد الفصح، واقتصرت احتفالاتهم على الصلوات والقداديس، ترحما على جميع الضحايا من المسلمين، الذين سقطوا في سورية، بغض النظر عن انتماءاتهم، واتجاهاتهم.
المسيحي يقيم قداسا، لضحايا المسلمين دون تمييز، والمسلم ينبش قبور إخوانه المسلمين.