الواقع ومتغيراته ...نظرة سريعة ..

الواقع ومتغيراته ...

نظرة سريعة ..

عقاب يحيى

نعم حدثت وتحدث تحولات في نظرة ومواقف الكثير المنتمين للثورة، أو المحسوبين عليها، أو الذين التحقوا بها بطريقة من الطرق..

ـ في الأشهر الأولى بدت الثورة بهجة، وفرحة.. عرس الديمقراطية القادم المبشر بالتحقق القريب.. فاستبشر الكثير النصر المؤدي إلى الدولة الديمقراطية، وتعاطف كثير مع الثورة ومطالبها، ومن فئات، وقطاعات، ومكونات مختلفة.. ثم بدأت " الهيصة السياسية" والخلافات حول المخارج.. بين المراهنات على حلول تفاوضية.. وبين من يطرح تعميق الانتفاضة ـ الثورة وتصعيدها بعدد من الخطط المدروسة : التوسعة الأفقية لتشمل معظم أطياف وفئات الشعب ـ الاعتصامات ـ الإضرابات.. وصولاً للعصيان المدني .

ـ كانت التقديرات تُبدي نوعاً من التفاؤل والثقة بإمكانية انهيار الطغمة السريع، أو بالقيام بعملية جراحية ما من داخل أصحاب القرار تفتح الطريق للتالي : إنهاء نظام الحادية والاستبداد والفئوية.. وإقامة البديل الديمقراطي عبر مرحلة انتقالية..

ـ لم تتوقف المراهنات على الحلول التفاوضية مع الطغمة طوال تلك الفترة، واعتقد أصحابها أن ذلك ممكنا.. حتى لو امتلكوا مَلَكة التحليل الصحيح لبنية واستنادات الطغمة واستحالة خضوعها لإرادة الشعب، ومراهنتها الوحيدة على العنف والقتل والتطييف ..وكانت " هيئة التنسيق" بمروحة تشكيلها، وتبايناتها، ومسارها، وانزياحاتها، انشقاقاتها الحاضن المسوّق لتلك الأفكار .. التي جرى الخلاف حولها درجة بعث القديم لمزيد من الخندقة بين أطياف المعارضة القليدية.. فانقسم الحال بين" هيئة التنسيق"، و"المجلس الوطني"، وانهالت التصنيفات والاتهامات، والنتيجة : مزيد من الخلاف، ومزيد من الضعف وتفويت الفرص، ومزيد من منح النظام المجال للصيد، والاستفادة، وما يشبهه في الوضع الدولي والعربي .

****

الانتقال من السلمية إلى السلاح.. مع كل التفاسير والشروحات عن موجباته ومفروضاته وخط مساره، ومآله اليوم.. وسّع الهوّة من جديد بين الخندقين..وحين بدا أن العمل المقاوم المسلح يتسع ويعم، ويقترب من النصر.. تبدّلت نظرة البعض إليه، ولو شكلياً، فصرنا نسمع من اقطاب في " هيئة التنسيق" من يفخر بوجود ابنائه واصدقائه في الجيش الحر، وكثير كان يهمس بصوت خافت عن دعمه الواقعي للجيش الحر.. رغم أنه لم يقطع حبال المراهنة على الحل السياسي بمواصفات تقدمت بشكل ملحوظ حدّ التوافق مع البقية، وهو ما أثمرت عنه وثائق القاهرة، خاصة في العهد الوطني التي اشترطت بأي مبادرة سياسية ارتكازها إلى تنحية رأس النظام وكبار رموزه، وتحويل المتورطين بالقتل غلى المحاكم، وجملة البنود الخاصة بالمرحلة الانتقالية وتوابعها ..

لكن سرعان ما لحس البعض ذلك التوافق، وأعلن تنصله منه بطرق مختلفة، ولمبررات راح يعززها ترافقاً مع مسارات الثورة ومحطاتها المتعرجة .

****

معطيات كبيرة حصلت وبرزت تفرض منطوقها على الجميع، وأبرزها :

ـ الوعد بالنصر القريب لم يتحقق، وبدا أن المعركة طويلة وقد تستغرق سنوات محمّلة بكل الدمار للدولة والبنية التحتية، وأنهر الدماء، واحتمالات الصراع المذهبي حتى الحرب الطائفية .

ـ المناقلات الواضحة في بنية وتوجهات العمل المسلح.. لجهة التشتت وتكاثر التشكيلات واختلاف خلفياتها والجهات التي تقف وراءها، وبروز الاتجاهات الجهادية، والسلفية، والمتشددة التي راحت تقضم المواقع، وتحقق نوع من السيطرة التي تتجاوز الجانب الإعلامي إلى الميدان، ثم تفصيح القاعدة عن وجودها .

ـ دخول قوى واطراف عديدة على خط التسليح وإنشاء الكتائب الخاصة، المتنافسة حد التناحر، والاقتتال في بعض المواقع، وحد عرض عضلات القوة، واجتثاث الآخر، وترافق ذلك مع كومة من الممارسات المنافية لروح الثورة، والمشوّهة لها في جميع الصعد . وهي كثيرة...وبالتالي العجز عن التوحيد، واستخدام مسمى الجيش الحر راية فضفاضة ليس لها تجسيدات حقيقية على الأرض.. ووجود آلاف الضباط المنشقين خارج هيئة الأركان التي أنشئت بظروف معروفة، وبضغط إقليمي واضح .

ـ سقوط المراهنات على الدور الخارجي .. غن كان لجهة التدخل المباشر ـ لمن كان يؤمن ويدعو إليه ـ أو في تلبية مطالب الثورة الملحة في المناطق العازلة، والممرات الآمنة، والحظر الجوي، وصولاً غلى التسليح النوعي، واشكال الدعم التي تعدل ميزان القوى وتفرض شروط الثورة .

ـ يقابل ذلك استمرار تماسك بنيان الطغمة بمؤسساتها العسكرية والأمنية والفئوية. بالكتلة الشعبية التي تقف معها، بالتحالفات العضوية مع إيران وأذرعها، وبروسيا ودول عديدة .. وقوى محسوبة على الخط القومجي واليساري ..عدا عن الكتلة الصامتة التي لم تتزحزح في مواقفها، والتي تشمل أغلبية المكونات الدينية والمذهبية..ومحاولات النظام رغم الاستنزاف الكبير، ورغم دلائل الانهيار، والخسائر التي تلحق به، وعجزه عن استعادة الأرض، واتساع رقعة المناطق المحررة..، محاولاته الإمساك بالمبادرة، وشنه حرباً واسعة غبادية لا يتورع فيها عن استخدام كل الأسلحة، بما فيها الكيماوي والسكود وغيرهما ..

****

هذه المعطيات مجتمعة.. والتأكد من أن القوة الكبرى : الولايات المتحدة.. ماضية في سياستها الليّنة الخادمة لجوهر الاستراتيجية الصهيونية في استنزاف بلدنا، وتدمير دولته ومؤسساته، وتعريضه لكل مخاطر الحرب المذهبية، وحتى التقسيم.. تترك أثرها البيّن على الوضع السوري، خاصة في خندق الثورة والمحسوبين عليها، فتقوى الاتجاهات المنادية بالحلول السياسية وتجد المسوغات الأكبر لها، ويعم وضع اقرب لليأس، والقنوط في النصر القريب، وتكبر التخوفات من قادم سيء تشير إليه بعض التصرفات والطروحات المريبة عن الدولة القادمة، وعن رفض لدولة التعددية والديمقراطية..ويرخي هذا الوضع بأثقاله على قوى المعارضة، والإئتلاف.. فتحدث البلبلة.. ويكون نوع من تصدّع تزداد شقوقه مع كل عجز عن التوافق، والالتحام مع الأرض والوقائع، وتزداد المراهنات على حلول سياسية من موقع المضطر، والضعيف، والمستند إلى ما يمكن من دعم دولي بينما تدمن الطغمة حرب الإفناء، وتمدّ أذرعها الخبيثة لمزيد من تفتيت المعارضة واللعب في مياهها الملوثة ..