الاختراق

عقاب يحيى

يتحدث كثير الناس عن اختراقات شبه مؤكدة في صفوف الثورة، أو المحسوبين عليها، وهناك من يفسر كثير الأعمال والتصرفات، والتحولات على أنها نتاج اختراقات منظمة وليست عفوية.. وأن محاولات تشويه الثورة، وتضخيم دور ووجود القاعدة، والمتشددين جاء بفعل عمل مدروس تقوم به أجهزة مختصة مملوءة بالخبث.. ويضربون أمثلة عن بعض الحوادث، والاختطاف، والعمليات الأشبه بممارسة العصابات، واحتلال بعض المناطق والمدن، وكثير من مشاهدات ووقائع يصنفونها في هذه الخانة..

ـ ليلاً أرسلت لي إحدى الناشطات تسجيلاً طويلا لمحادثة مفترضة بين اللواء أحمد طلاس وجميل قوتلي.. تتضمن فيضاً من المعلومات عن طبخات وتشكيلات وتحضيرات وأسماء.. ونوايا.. وأمور مذهلة وتسألني الرأي الذي يصعب تقديمه إلا بعد التأكد من صحة الشريط وما ورد فيه ..

ـ وكما نكرر دوماً.. نحن في مواجهة طغمة أمنية من طراز فريد، قامت، واستمرت، وعملت الكثير بناء على هذا الأساس ـ الركيزة الأولى ـ وامتلكت الخبرات الكبيرة من كل أضناف الفعل الفاحش والموبق والإجرامي، ونجحت على مدى عقود" الاستقرار" المفروض، والخوف المعمم، واليأس المطبق أن تجند آلافاً لا تحصى من المخبرين، ناهيك عن جيوش عناصر الأمن العاملة : الظاهرة والمخفية..

ـ الطبيعي ، والطغمة عجزت عن وأد الثورة، أو إطفاء شعلتها المتقدة، أن تلجأ إلى كل الأساليب، وأهمها عمليات الاختراق والتلغيم، وحرب الحرف والتشويه والانزياح، وبثّ سموم  الأفكار الهجينة، والغريبة عن الثورة، وتدعيم بعض الاتجاهات المتطرفة بطريقة مباشرة، أو بوسائل مختلفة، خاصة القاعدة وأشباهها ..

ـ الطبيعي.. وشعور كثير من الفئات أن الطغمة ساقطة لا محالة، وقرع الضمير كبير على الوطنيين من الضباط وغيرهم..أن يعلن العديد انشقاقهم والتحاقهم بصفوف الثورة.. والطبيعي أيضاً أن يكون بينهم، ومن خارجهم، أيضاً، من لم يقطع علاقته تماماً بالطغمة، ومن له مصالح ومشاريع خاصة، وأن تتواجد ألغام وقنابل موقوتة من عيارات مختلفة بواقع تعدد وانتشار العمل المسلح، والفوضى التي يعرفها في تشكيل الكتائب والأسماء المختلفة، وعدم امتلاك الثورة لأجهزة أمنية مختصة، أو لمؤسسات مقتدرة قادرة على التنظيم والتوحيد، والفرز والتقويم ..

ـ طبيعي جداً وجود الاختراقات في صفوف الثورة.. لكن يجب بالوقت نفسه ألا يصبح الأمر كابوساً وسواساً يوقعنا بلبس الاتهامات والتشكيك لنصبح اسارى له، ونحقق الوجه الآخر من مخططات الطغمة في إحداث البلبلة، وروح التشكيك والتخوين داخل خنادق الثورة، خاصة ولدينا ـ على الدوام ـ قابليات مفتوحة للهروب من تحمل مسؤولياتنا، ومواجهة تقصيرنا وأخطائنا بتعلقها على شماعات خارجها، ومنها منطق المؤامرة، والعقل البوليسي.. الذي طالما هشّم الوقائع، وكان واحدا من الذرائع الهروبية، والتنصل من النقد والاعتراف بالسلبيات، وبدور العامل الذاتي فيما حدث، ويحدث لنا .

ـ الحذر مطلوب.. نعم، لكن كيف يمكن في هذه الأحوال وضع ضوابط وكواشف ونواظم لمئات آلاف الناس الذين التحقوا بالثورة من منابت وخلفيات وأهداف مختلفة دون وجود مؤسسات مختصة، واجهزة تابعة للثورة، وجهات أمنية وحقوقية تؤدي واجبها المأمول ؟..

ـ أكيد أن مسار الثورة يعري كثير المنافقين والانتهازيين. يكشفهم، وقد تتمكن من تطهير نفسها بأدواتها ودمها.. لكن ذلك لا يكفي : تجنباً لخسائر فادحة، وإمكانية الحرف، والتلغيم ..