متى ستنتصرُ الثورةُ، و يسقطُ الأسدُ؟

محمد عبد الرازق

قبل سنتين، و نيِّف كانت هذه الثورة الشعبية ضد نظام الظلم، و الاستبداد في سورية. و حينها تباينت الآراء حول توقيت نهايتها، فمن الناس مَنْ ذهبَ به التفاؤل إلى أنها منتصرةٌ خلال أشهر قليلة لا تتجاوز العام 2011م، و لمّا كان آخر العام بدأنا نسمع بمُهلٍ أخرى، و كلُّ ذلك كان مُؤَقَّتًا بمواقف خارجية يُظَنُّ أنّ لها تأثيرًا على ما يجري في سورية.

و بالطبع كان هناك من يُخَطِّئ ما حصل، و يرى أنّ السوريين لم يتعظوا من تجربة الثمانينات، و لم يدركوا أنّ القوى المُتحِّكمة في مجريات أحداث المنطقة العربية لن يتخَلَّوْا عن حليفهم الأسد، مهما كلَّف الأمر من تضحيات يقدمها السوريون في هذه الثورة.

إنَّ الأمور يجب أن يُنظر إليها بعين أخرى، غير هاتين العينين؛ فلا الأسدُ واهنًا إلى هذا الحدّ، الذي يسمح للثوار بالانقضاض على نظامه الأمني، و العسكري، الذي بناه بدقة و إحكام على مدى نصف عقد من الزمان، و لا القوى المؤثرة في مصير المنطقة مستعدّة للتخلي عن حليف آخر لها، لمجرّد هبّةٍ شعبية لم تُثبِت قوتَها بعد.

إنَّ هذه الثورة لا شكَّ منتصرةٌ؛ لأن التاريخ علّمنا أن ثورات الشعوب بوجه ظالميها ماضيةٌ نحو تحقيق أهدافها مهما طال الزمن، و لأنّ السُّنَنَ الإلهية في زوال الدول قد استوفت شروطها في هذا النظام ( الظالم، المستَّبِد، الفاسد ).

 و لم يبق حتى يشرع في الزوال سوى حادثة تكون من غير تدبير البشر؛ و هذا ما كان من أطفال درعا، الذين أجرى الله على أيديهم تلك السُّنة؛ بعد أن هابَ الكبار قولَ كلمة الحقّ، التي مازالت مرارة نتائجها من أيام الثمانينات ماثلةً أمامهم، و تحُول بينهم و بين أيّة خطوة تخطر ببالهم نحو توجيه النقد له.

بيدَ أنّنا، و نحن نقول هذا الكلام علينا أن نتحاشى الإفراط الزائد في أنَّ النصر سيكون في هذا الوقت، أو ذاك؛ لأنّ السُّنَنَ الإلهية في ( النصر، أو الهزيمة ) لا تُحابي أحدًا من العباد، حتى و لو كان سيد البشر (صلى الله عليه و سلم ).

و في هذا الأمر يرى الخبراء، و المعنيُّون أنّ المُفرطين في التفاؤل، غالبًا ما يخسرون في رهانهم على الفوز في سرعة مجيء النصر وفق المُدَد الزمنية، التي يحددونها.

و يحضرني في هذا أمثلةٌ كثيرة من الحياة، و منها ما كان في أثناء الحرب بين فيتنام والولايات المتحدة، حيث كان الأسرى الأمريكان يعتقلون لعدة سنوات، و قد أدى السجن الطويل لمقتل عددٍ منهم، إلاَّ أنَّ أحد الأسرى الذين بقوا على قيد الحياة، و خرج بعد ثماني سنوات من الاعتقال ( هو الأدميرال جيم ستوك ديل ).

و في جوابه عن: كيف تمكنتَ من البقاء على قيد الحياة في المعتقل على الرغم من أن الكثيرين قد ماتوا فيه؟

قال: كان لدي يقينٌ، و تفاؤلٌ أني سأخرج.

و لمَّا سُئِل عن الذين لم يتكمنوا من النجاة وماتوا في السجن؟

كان الجواب المتوقع أن يقول: إنهم المتشائمون. ولكن المفاجئ في كلامه: إنّ الذين ماتوا في السجن كانوا هم المتفائلين!!

حقًا لقد كان الجواب مفاجئًا؛ ممَّا جعل السائل يستوضح أكثر عن موت المتفائلين، مع أنّه من المفترض أن يكونوا بحالٍ أفضل؟

قال: لقد كان المتفائلون في السجن يقولون: سنخرج لا محالةَ من السجن في الكريسمس القادم. فيأتي الموعد من غير أن يخرجوا. ثم يقولون: سنخرج حتمًا في عيد الشكر. ثم يأتي وقت عيد الشكر من غير أن يخرجوا أيضًا، ثم يكون الكريسمس مرة أخرى، ثم عيد الشكر مرة أخرى و هم قابعون في المعتقل.

و كنت أقول لهم: إنّنا لن نخرج في هذا الكريسمس، عليكم أن تتأقلموا مع هذه الحقيقة. لكنهم للأسف ماتوا في النهاية.

لقد ساقهم إفراطُهم في التفاؤل إلى الإحباط، و أفقدهم الرغبة في العيش، و التأقلم مع ظروف السجن؛ فماتوا لمَّا خاب أملُهم من الخروج في المواعيد التي كانوا يحددونها سلفًا.

و هو يرى بناءً على ذلك: علينا أن لا نخلط بين إيماننا الراسخ بأننا سننتصر حتمًا في النهاية، و بين مواجهتنا للظروف الحالية، التي قد تكون في غاية السوء.

إنّ الثورة السورية قد لا تنتصر في رمضان القادم، أو في عيد الفطر، أو في عيد الأضحى، أو في رأس السنة بعده.

و لكنَّها دونما شكٍ ستنتصر في قادم الأيام؛ و ذلك عندما نستوفي نحن ـ السوريين ـ شروط استحقاق النصر.