لماذا استحضر بشار ذكر الإخوان المسلمون في مقابلته ؟!
لماذا استحضر بشار
ذكر الإخوان المسلمون في مقابلته ؟!
د. طارق باكير
يلاحظ المتابع لمواقف بشار من يوم أن ورث الحكم والسلطة عن والده ، أنه كان يتجاهل ذكر الإخوان المسلمون في أحاديثه وحواراته ، وحتى عندما كان يسأل عن رأيه وموقفه من الجماعة وحركتها ومعارضتها ، فإنه كان يوجز في الردّ ، وينكر وجود مشكلة لها مع نظام حكمه ، أو كان يقلل من أهمية الجماعة ، ومن أهمية المعارضة بشكل عام ، إلى حد أنه لم يكن يعترف بأن هناك معارضة أصلا ..
ولعل سبب هذا التجاهل يعود إلى شعوره بأنه ليس بوسعه فتح ملف الإخوان المثخن بالمآسي والفواجع من أجل إنهائه ، ولم يكن يجد نفسه مضطرا لذلك ، لأنه لم يكن لدى الإخوان القدرة على الضغط المؤثرعلى النظام ، ولم يكن صوتهم وصوت المعارضة السورية عامة ، يجد أذنا صاغية واهتماما وتعاطفا عربيا أو دوليا ، لأن المجتمع العربي والدولي ، كان على وفاق وانسجام مع النظام ، وإن بدرجات متفاوتة لأسباب ودواع مختلفة .. ولما يترتب على البحث الجدي في هذا الملف من مسؤوليات والتزامات ، ليس أقلها تحديد مصير ثمانية عشر ألف مواطن سوري من خيرة أبناء سورية ، مقيدين بالاسم ، تم اعتقالهم من جانب نظام الحكم الذي بات يرأسه ، ولم يتم الكشف عن مصيرهم لأهلهم وذويهم ، إضافة إلى الأضرار التي أوقعها النظام خلال حملاته القمعية على الأفراد والممتلكات ، من قتل وسجن للأبرياء ، واستيلاء على الممتلكات ، والتصرف بها أو تدميرها .. ولما يترتب على فتح هذا الملف بغرض إنهائه ، من المطالبة بإصلاح حقيقي ، ينهي حكم القمع والتسلط والاستبداد ، وهو ما لم يكن الإخوان المسلمون يقبلون بأقل منه ، والذي سيفضي حتما إلى تغيير بنية النظام وتركيبته . لذلك كان يرى أنه بغنى عن فتح هذا الملف في تلك الظروف على الأقل .. ولم يكن يخطر على باله ، أن الظلم الذي أوقعه نظام حكمه بالشعب لن يدوم ، مهما بلغت سطوته وجبروته ، وأن الدماء التي سفكت ، والأرواح التي أزهقت ، لن تبرح تطوف وتنادي بالانتصاف من المجرم السادر في غيّه ، المستمر ، دون اكتراث ، في طريق ظلمه وإجرامه ..
وأول مرة جاء فيها ذكر الإخوان صريحا على لسان بشار ، كان بعد لقائه مع شرائح من المواطنين مع تعاظم المظاهرات ، بزعم الاستماع إلى مطالبهم ، وتلبية احتياجاتهم ، من أجل وقف التظاهرات الشعبية التي عمت القطر . واستمع وقتها إلى مطالبة شعبية صريحة برفع الظلم عن الإخوان . وقد تظاهر يومها بأنه سيقوم بعدد من الإجراءات الشكلية ، تلبية للمطالب الشعبية ، ومنها إصدار (العفو) ،عن الإخوان المسلمون ، الذين يكفيهم ثلاثون سنة من التعقب والملاحقة والاستهداف ، والحكم عليهم بالإعدام ، على حد قوله .
ولأن الإخوان المسلمون لم يكونوا يثقون بهذا النظام الغادر الماكر، ولم يكونوا ينتظرون هذا العفو المبطن الخادع منه ، والعودة إلى الوطن العزيز الغالي ، من أجل الرضوخ للظلم والإجرام ، ومساندة نظام عصابة قمعي مجرم فاسد مستبد ، أوغل في دماء الشعب ، وانتهك حرماته ومقدساته ، وسلب خيراته ومقدراته ، وجعل الوطن مستباحا للأغراب أصحاب الأطماع ، وأصحاب المشاريع الطائفية المقيتة الحاقدة .. وأكدوا على التزامهم بخيار الشعب الثائر ، المتمثل في الحرية الحقيقية ، والكرامة الإنسانية الفعلية ، والعدالة الشاملة لكل أبناء الوطن ، وهو الخيار الذي قتلوا وسجنوا وهجّروا وشرّدوا وأوذوا من أجله ، ولم يتازلوا عن جزء منه في لحظة ، ولا في يوم من الأيام ..
وعندما تأكد لبشار أن العرض الذي
قدمه للإخوان لم يستحق حتى الردّ منهم ، كما تأكد له أن الإخوان أصحاب مشروع وطني
فعلي منجز لسورية المستقبل ، يلقى القبول من سائر القوى والأطياف الوطنية الحرة
المستقلة ، ويشكل بديلا حقيقيا لحكمه الظالم الغاشم ، ونهجه الفاسد المستبد .. فإنه
وصفهم في خطاب له بعد ذلك بأنهم (إخوان الشياطين ) ! فكانت هذه الشتيمة للإخوان ،
تعبيرا عن شعوره بأن الإخوان ومعهم سائر القوى الوطنية الحرة ، باتوا هم البديل
الفعلي لحكمه ونظامه المتهافت ، الذي بدأ بالانهيار..
وكان الحوار الذي أجراه مع قناته الإخبارية مؤخرا ، مؤشرا واضحا على شعوره بقرب
انهيار حكمه ، فجاء الحوار من أجل إيصال رسائل التهديد والوعيد – شأن كل مهزوم خائب
خاسر - للدول المجاورة والدول المساندة لثورة الشعب المصمم على ثورته ، الماضي في
طريقه ، الموشك على قطف ثمرة كفاحه وجهاده وتضحياته .. فكان أن أعاد للأذهان ما
أسماه (هزيمة ) الإخوان المسلمون في مطلع الثمانينيات ، وانتصار نظام حكمه عليهم ،
وذلك من أجل الرفع من معنويات عصاباته المنهارة ، التي أدركها اليأس من هذا النظام
، وأيقنت بإنهياره وزواله ، وانتصار ثورة الشعب .. مع انه يعلم تماما ، أن الإخوان
لم ( ينهزموا ) ، لأنهم لم يخوضوا حربا مع النظام أصلا ، وأنّ ما وقع من أحداث ،
كان ردة فعل على إجرام النظام من جانب مجموعات تفردت بقرارها ، أو من أفراد دافعوا
عن أنفسهم ، واختاروا الشهادة ، كي لايقعوا في أيدي عصابة مجرمة حاقدة ، أصدرت
حكمها عليهم مسبقا ، وحتى لايذوقوا أصناف التعذيب والهوان ، قبل أن ينتهي بهم الأمر
إلى الإعدام ..
صحيح أن الإخوان المسلمون كانوا في ثورة متواصلة على حكم هذه العصابة ، ولم يهادنوا هذا النظام أو يرضخوا له يوما ، من حين تسلّق إلى السلطة بالتآمر والخداع ، والقهر والإجبار ، وتسلّط على الحكم ، وزوّر إرادة الشعب بمهزلة الدستور ، وزيف شعاراته الوطنية ، واستغلها لتكريس حكم عصاباته .. وكانت أداتهم في ثورتهم هي الكلمة والموقف والرأي ، وليس المواجهة والحرب .. أما المواجهة بالعنف والقمع والسجن والحرب ، فكانت دائما هي أداة النظام ، ولم يكن ذلك عليهم وحدهم ، وإن نابهم القسط الأنكى والأشد ، وإنما كانت على كل صوت حر ، يعارض الظلم والفساد والتسلط والاستعباد ..
كما تجاهل أن هذه الثورة هي ثورة
الشعب بكل مدنه وقراه ، وكل ألوانه وأطيافه وفئاته ، وليست ثورة النخبة الواعية من
المجتمع ، حتى يقرنها بما يوصف بثورة الإخوان . ومع أن الثورة أو الانتفاضة الشعبية
في مطلع الثمانينيات ، لقيت تأييدا شعبيا غير قليل ، بدليل أعداد الشهداء
والمعتقلين والمهجرين ، التي تصل إلى مئات الآلاف ، بيد أن الوعي الجماهيري ،
والإحساس المتعاظم بالظلم والاستبداد والاستعباد ، وضرورة التخلص من هذا الحكم
الغاشم الفاسد ، قد حرك هذه المرة كل جماهير الشعب.
وإذا كانت ثورة الثمانين قد امتدت من الأعلى ، أي من جهة ما يوصف بـ (النخبة
المثقفة الواعية) ، إلى الأسفل ، باتجاه جماهير الشعب ، فإن اتجاه هذه الثورة كان
من الأسفل ، أي من جماهير الشعب إلى الأعلى ؛ فجماهير الشعب هذه المرة هي التي حركت
العلماء والمفكرين والسياسيين والأحزاب والمنظمات ، والشخصيات البارزة في المجتمع ،
وقادتهم إلى الثورة ، وما تزال هي التي تقود الثورة ، وليس العكس .. وهذا مؤشر من
أقوى المؤشرات المطمئنة على انتصار هذه الثورة ، لأنها ثورة شعب حقيقية بكل أشكالها
ومعانيها ، ولأنها سلكت هذه المرة المسلك المنطقي السليم نحو النصر، وستحقق الثورة
أهدافها قريبا بعون الله تعالى وتأييده ، ثم بهمة الرجال الأبطال الأوفياء لكرامتهم
وعزتهم ، وكرامة وطنهم المسلوب وعزته.