الدم!
أ.د. حلمي محمد القاعود
أسوأ ما يمكن أن تسمعه من بعض المعلقين علي الواقع السياسي الذي تعيشه بلادنا هو الدعوة إلي الدم! حين تتعرض السلطة لمشكلات سياسية.
فالبحث عن الحلول بالمنطق والعقل هو واجب الوقت الذي يفرض نفسه علي جميع الفرقاء, أما الدعوة إلي الدم مباشرة أو ضمنيا أو احتماليا فهذا بؤس فكري, وضحالة معرفية, ونزعة صبيانية تلغي عقلها وتفكيرها, خاصة إذا كان أصحاب هذه الدعوة ممن يتصدرون المشهد الفكري والثقافي دون استحقاق.
قال أحدهم: إن الإخوان جاءوا بالصناديق وسيذهبون بالدم! وبشر آخر بثورة دموية, وأهدر ثالث دم المرشد السابق للإخوان المسلمين!
والسؤال هو: إذا كانت الصناديق جاءت بالإخوان فلماذا لا يذهبون بالصناديق ؟ ألا نثق في شعبنا الذي صنع أعظم ثورة أن يؤيد المخالفين للإخوان إن كانوا صادقين دون حاجة إلي الدم؟, ويستطيع أن يقرر نوع الحكم الذي يريد, ويختار الحاكم الذي يحب ؟ إن من سقطوا من علي حجر النظام المستبد الفاشي السابق, لا يتخيلون أن هناك شعبا قام بثورة أذهبت برأسهم وستذهب- إن شاء الله- بجذورهم مهما طالت الفترة الانتقالية وازدادت المعوقات التي يصنعها قادة الثورة المضادة ويكفي هذا الشعب فخرا أنه ما زال يتعامل بالصبر والحكمة والقانون العادي مع جلاديه وأبواقهم, واللصوص الكبار والصغار, ولم يلجأ إلي الدم.
لا أدري كيف يذهب الإخوان بالدم ؟ هل ستعلق لهم المشانق في الميادين ؟ وهل نتوقع ثورة بلشفية تسحق كل من يقول لا إله إلا الله ؟ لماذا يبشرنا أبواق المخلوع والواقفين علي أعتابه بالدم, دون أن تنبض عروقهم بروح إنسانية تحتضن المختلف معهم, وتؤكد وشيجة التآخي الإنساني ؟
لقد شبه أحدهم يوم وصول الدكتور محمد مرسي للحكم ببداية العصر العثماني في مصر, ثم شبهه بالسلطان سليم الأول, وزعم أن ما قاله وقتها يتحقق بحذافيره, وأن انهيار الدولة المصرية الآن كما يدعي تم بسرعة قياسية! هل انهارت الدولة حقا ؟ وهل يفقه المذكور تاريخ الدولة العثمانية ليشبه رئيسنا بالسلطان سليم ؟ لماذا الدعوة إلي الدم أيها المستنيرون؟