محمد سلماوي وشركاه

محمود القاعود

[email protected]

في مصر ظاهرة عجيبة ، تفوق عجائب الدنيا السبع ، وهى ادعاء سدنة نظام الديكتاتور البائد حسني مبارك أنهم ثوار وأصحاب مشروع إصلاحى وأنهم يعارضون الديكتاتورية ، ليصد قفيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : إذا لم تستح فاصنع ما شئت .

الذين كانوا يُطبلون لحسني مبارك آناء الليل وأطراف النهار ، ويسبحون بحمد زوجته سوزان ويروّجون لشلة نجله جمال، هم أنفسهم الذين يتصدرون المشهد الآن ويقذفون الرئيس محمد مرسي بكل الموبقات ويخوضون فى عرض أسرته ويُشهّرون بجماعة الإخوان المسلمين التى كان أفرادها يقاسون ويلات المعتقلات فى ذات الوقت الذى كانوا يتقلبون هم فيه فى أحضان النظام ويتخذون من مبدأ " لا أرى لا أسمع لا أتكلم " شعاراً لهم .

قال المتنبى شاعر العربية الأكبر:

يُقضى على المرء فى أيام محنته           فيري حسناً ما ليس بالحسنِ

وسدنة النظام البائد يرون حسنا ما ليس بالحسنِ ، وتأتيهم الجرأة الصفيقة ليصدقوا الكذبة ، ويعتقدوا أنهم رجال المرحلة وأنهم لم تلدهم ولادة .. تماماً كما تفعل امرأة سيئة السمعة مع رجل شريف فتنهال عله سباً وشتماً ولعناً لعلمها أنه لن يستطيع مجاراتها ولن يسمح لنفسه بالانزلاق لهذا المستوي السافل الذى سيخصم من رصيده الكثير إن هو تماهى معها فيما تقول وتفعل، فتعتقد هذه الساقطة أنها قد انتصرت عليه وأنها امرأة حكيمة وشجاعة .. ! وللأسف الشديد هذا هو حال المعارضة المصرية مع الرئيس محمد مرسي .. ولا أقول كل معارضة .. فصاحب هذا القلم عارض الرئيس مرسي عدة مرات، ولكن ليس من أجل إسقاطه .. وإنما لمصلحة هذا البلد ..

والسؤال : ما هى علاقة المعارضة بقلة الأدب والسب والشتم والتطاول والخوض فى الأعراض ؟ ما هى علاقة المعارضة بسب وشتم مرشد الإخوان الذى لم يرد مرة واحدة على هذه السفالات مستخدماً المبدأ الربانى:" فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" ..

هل يعقل أن يتحول الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق وتلميذ فاروق حسني  وصديق الديكتاتور الهالك معمر القذافى إلى " جيفارا" ؟

هل يعقل أن يتحول مصطفى بكرى أحد جنود القذافى وبشار وجمال مبارك إلى مصطفى كامل ؟!

ومثلهما الكثير ممن ابتلانا الله بهم ليميز الخبيث من الطيب ..

أجدنى أتوقف عند حالة " محمد سلماوي" رئيس اتحاد الكتاب ، والكاتب الصحفى .. سلماوى الآن يكتب عمودا بجريدة "المصرى اليوم" يبدو فيه وكأنه فارس فرسان العرب وعنترة بن شداد !

لا يكتب سلماوى أى شئ يعود بالنفع على الوطن .. لا يكتب كلمة واحدة تهم المواطنين .. لا يكتب عن تطوير التعليم .. لا يكتب عن سكان العشوائيات .. لا يكتب عن الفقراء والمعوزين .. لا يكتب عن المرأة المعيلة .. لا يكتب عن الشباب العاطل .. لا يكتب عن انتشار المخدرات .. لا يشجب الشذوذ الجنسي .. لا ينتفض ضد قنوات التنصير التى تملأ النايل سات .. لا يهتم بالطوابير التى تقف أمام المستشفيات الحكومية .. لا يتأثر بنقص الأدوية .. لا يكتب كلمة طيبة يتذكرها يوم العرض على الله ..

المناضل الكبير محمد سلماوي كرّس حياته لقضية خطيرة تمس أمن العالم ألا وهى " الأخونة" ، تلك القضية التى أصابته بوسواس قهرى ، تجعله يحشر "الأخونة" فى أى مقال ، ولو كان سلماوى يمتلك الشجاعة لتحدث عما كان يفعله الحزب الوطنى الذى احتكر تعيين رؤساء الجامعات والضباط ووكلاء النيابة وأعضاء المجالس المحلية وأئمة المساجد ورؤساء تحرير الصحف و رؤساء القطاعات فى التلفزيون  ومدراء المستشفيات، وكل هؤلاء لابد لهم من شهادة من قبل جهاز أمن الدولة ليقول أنهم صالحون لشغل هذه المناصب .. لم يتحدث سلماوي وقتما كانت الدولة مختطفة من قبل الحزب الوطنى المنحل .. لم يتحدث هو ومن على شاكلته .. لم يجرؤ أن ينتقد حسني مبارك أو حتى صفوت الشريف رائد عمليات " السمو الروحى" .. الآن رئيس الدولة يُشتم فى القناة الأولى والفضائية المصرية وجريدة الأهرام والبرنامج العام وإذاعة الشرق الأوسط ، حتى وصلت الوقاحة بأحد المتصلين أن يتصل بإذاعة الشرق الأوسط غداة الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير ليقول بالحرف – وقد سمعته بأذنى: أحب أبارك للرئيس محمد مرسي وأقول له كل سنة وإنت طيب بمناسبة هروبك من السجن ! هكذا بكل سوء أدب دون مقاطعة من المذيعة التى ابتسمت وتركت المتصل الأهوج يكمل مهاتراته وهجومه على الرئيس وجماعة الإخوان .. فهل هذه أخونة ؟!

أى أخونة يتحدث عنها سلماوي وشركاه ؟

وكم عبر أمير الشعراء أحمد شوقى عن حالة هؤلاء :

"وَالناسُ في أَوهامِهِمْ سُجَناءُ"

لقد خلقوا وهم "الأخونة" وعاشوا فيه ، وتركوا مصالح البلاد وشئون العباد ، تركوا الكلمة الطيبة .. تركوا العمل الصالح .. ونسوا أن الله سيحاسبهم عن كل كلمة أدت إلى الفتنة وإلى إراقة الدماء .

يقول تعالى : "وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ" ( الصافات: 24 )

وأيضاً:" سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" ( الزخرف: 19 )

"وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " (الإسراء:13 – 14).

" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً" (الكهف:49).

" فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً  وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً  وَيَصْلَى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً "(الانشقاق:7 – 13).

إن محمد سلماوي وشركاه يعيشون فى حدوتة "النخبة" ويعتقدون أن "النخبوية" لا تسمح لهم بالحديث عن مشاكل الوطن وهمومه والسعى لعلاج هذه المشاكل، لذلك تجد أحدهم يكتب مقالا طويلا عريضاً عن "لوحة" سيريالية رآها فى أحد المعارض ، ليكتب عن "الشخبطة" المرسومة يتغزل فيها ويوضح أنها السبب فى قيام الثورة ! أو تجد آخر يتحدث عن إحدى القصائد الركيكية غير المفهومة ليدعى أنها تحمل رموزا خطيرة لا يفهمها "المتأسلمين" !

لقد حاولت أن أرى أى إنجاز لسلماوى ، فوجدت مسرحية هزلية تدعى "الجنزير" حاول فيها  بكل طاقته أنه يشطين الإسلام، ويشنع عليه ويصور المسلمين على أنهم قتلة ومصاصي دماء ! وقد كتب العلامة الدكتور إبراهيم عوض نقدا لهذه المسرحية الركيكية وكشف عوارها وأثبت أن سلماوى لا يعرف حتى الكتابة الصحيحة ..

إن سلماوى وشركاه يستكبرون ولا يستمعون للنصح ويعتقدون أن من يعارضهم فهو من " كتائب الإخوان الإليكترونية" ! بل قد تجده حول النصيحة له إلى تهديد إرهابي! ويطلب الداخلية بسرعة تعيين حراسة له لأنه فى خطر عظيم !

أليس من الأولى أن ينشغل سلماوي بهموم الوطن هو وشركاه ؟ ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ..