ممَّا رأيتُ أقول: الثورةُ منتصرة، والسوريون بخير

ممَّا رأيتُ أقول:

الثورةُ منتصرة، والسوريون بخير

محمد عبد الرازق

ما من يومٍ يمضي إلاَّ و الشعبُ السوريُّ يزداد ثقة بعدالة قضيته، و الثورةُ السورية يقوى عودُها، و تزدادُ رسوخًا، و تتجذّرُ أصولُها أكثرَ فأكثر؛ ممَّا يعطيك اِنطباعًا لا لبسَ فيه أنَّها منتصرةٌ ذاتَ يوم إن شاء الله.

فعلى مستوى الحراك المسلح، لقد أخذت الكتائب المرابطة في معبر ( باب الهوى ) تنظِّم نفسها، و تتجه نحو المهنيّة في أدائها، رغم التضييق الذي يُمارس عليها من الأطراف الخارجية الداعمة؛ فلباسُها غدا موحَّدًا، و عليه شارةُ ( أمنُ المعابر )، و طريقةُ عملها تشي بأنَّ القوم قد أدركوا أهمية التنظيم، و التنسيق فيما بينهم أولاً، ثمّ مع الجانب التركي ثانيًّا، و لا سيَّما عند بوابة المغادرين.

ففي الحاجز الأول، حيث يكون الجيش الحر( يدلّ على ذلك علم الثورة المرفوع )، يقوم الثوار بالتدقيق في صلاحية جوازات سفر المغادرين، و تسجيل بياناتهم، و من ثمَّ يسمح لهم بالانتقال إلى الحاجز الثاني، حيث كتائب أحرار الشام المستقلة ( يدلّ على ذلك رايتُهم )، و هناك يكون تفتيش السيارات المغادرة، و التأكّد من سلامة حمولتها؛ فلا يُسمح بإخراج الممنوعات دوليًّا، أو محليًّا ( المواد الغذائية، و المحروقات ) بسبب الحاجة الماسّة إليها في الداخل السوري. و في الحاجز الثالث، حيث تكون كتائب الفاروق المستقلة أيضًا ( يدلّ كذلك عليهم رايتُهم )، يكون التنسيق مع الجاندرمة التركية؛ بما لا يؤدي إلى تكدّس السيارات في معبر ( جِلْفا كُوزو ) التركي، فعلى السيارات الانتظار في الساحة السورية، و الدخول إلى الجانب التركي دفعةً بعد أخرى.

هذا من حيث تنظيم عملية خروج، و دخول الأفراد، أمَّا فيما يتعلَّق بالحراك المسلّح على نوعيه: الجيش الحر، و الكتائب المستقلة، و الثوار؛ فإنَّ الأمور أيضًا تدعو للتفاؤل. فكثيرٌ من البلدات و القرى أقامت حواجز دائمة، أو طيارة ( ليلاً ) للتأكد من هويات المارة فيها؛ حرصًا على ضبط المتسللين، و ضبطًا لعمليات حمل السلاح من قبل الأهالي. هذا فضلاً على إقامة نقاط ثابتة تكون في غرف مشيدة خصيصًا لجهاز ( أمن الثورة ). و بالطبع إنّ الأمر لا يقلّ عن هذا في مراكز الشرطة التي يقوم عليها عناصر منشقة من الأمن العام.

و فيما يتعلّق بحياة الناس اليومية فإنّ المجالس المحلية الثورية، قد أخذت طريقها نحو التشكيل في عموم البلدات و القرى المحررة ( كليًّا، أو جزئيًّا )، و هي تقوم على رعاية مصالح الناس بشتى صورها؛ و عليه فإنّ الخدمات أخذت تعود بصورة مقبولة في ضوء الإمكانيات المتوافرة. فهناك أعمال صيانة للخطوط الكهربائية، و الهاتف الثابت، و هناك جمع للقمامة بصورة دورية، و هناك دوام في المدارس، و رياض الأطفال، و هناك خدمات طبية في المراكز الصحية، و المشافي ( الميدانية، و الدائمة ).

و بالطبع هناك بيعٌ، و شراء في المحلات و الأسواق، و لا أدلَّ على ذلك من التجارة المزدهرة في منطقة ( سرمدا، و المناطق الحدودية ) التي تصلها البضائع الحياتية الوافدة من تركيا بشكل لافت للنظر، و يتمّ نقلها إلى عموم مناطق سورية، و كذا السيارات الأوروبية المستعملة المستوردة من أوروبا ( و تحديدًا من بلغاريا )؛ بيد أنها فوق طاقة كثير من السوريين في هذه الأيام.

 و للبَسْطات المُحْدَثة أمام البيوت شأنٌ أيَّما شأن، فهي تتعاطى مع أمور كثيرة، بدءًا من الخضراوات، و حتى المحروقات، و هي تجارة نشطة هذه الأيام في كل زاوية و شارع، و البازارات الأسبوعية آخذة في العودة إلى سابق عهدها.

إنّ كلاًّ من الدول صاحبة المصالح في سورية، و نظامَ الأسد يراهنان على نفاد صبر السوريين في مواجهة الفاقة، و ضيق ذات اليد، و تعطّل مصالحهم و أعمالهم، على مدى عامين، ناهيك عن حجم الدمار الهائل الذي حلّ بممتلكاتهم، هذا فضلاً على الخسائر البشرية؛ و ذلك من أجل أن ينقلبوا على الحراك الثواري بشقيه: ( العسكري، و المدني )، و بذلك تكون الثورة قد خسرت حاضنتها الشعبية؛ ممَّا يعني رضوخها لإرادات تلك الدول في فرض رؤيتها للحلّ بعد زوال حكم الأسد في حال سقط النظام، أو عودة هيمنة نظام الأسد ثانية على سورية، و لمدة لا تقلّ عن المدة التي انقضت من عمر هذا الشعب في ظلّ حزب البعث، و آل الأسد.

غير أنّ الذي لا تعرفه هذه الدول أنّ رهانها هذا لن يكسبها الجولة؛ و ذلك أنّ السوريين باتوا في محنتهم هذه يتصفون بخصلتين اثنتين:

1ـ إنهم من أصبر الناس ( لقد ستروا فقرهم ).

2ـ و من أغناهم أيضًا ( قنعوا بما تيسَّر لهم من الرزق ).

 و ظهرت فيهم في هذه المحنة خصالٌ و قِيمٌ، عَمِلَ النظام طويلاً لمحوها من حياة هذا الشعب.

لقد أوشكت ظاهرة الاصطفاف ما بين ثوريّ، و شبيح أن تتلاشى في المجتمع السوري؛ حيث بات الجميع على قناعة كبيرة أنهم كلّهم ( ثوارًا، و مؤيديين ) ضحايا ممارسات النظام القمعية على مدى خمسين عام من حكم البعث، و منظومة الفساد، و بيت الأسد الطائفيين.

أكاد أن أجزم أن غالبية الشعب السوري قد ظهرت عليه مسحة من التدين في هذه المحنة؛ فالشعائر الدينية ملتزمة إلى حدٍّ كبير، و الألفاظ النابية، و غيرها ممّا كان يُسمع في الشارع السوري آخذة في طريقها إلى الزوال من حياتهم، و إيثار الآخر و نجدة الملهوف سمةٌ غير خافية على الزائر، و الخلافات البينيّة بين الناس أصبحت شبه غائبة هذه الأيام. 

و قبل هذا، و ذاك فلقد تحقق لهم بفضل هذه الثورة أمران، غابا عن حياتهم على مدى خمسين عامًا، هما:

1ـ الحرية .

2ـ كسر جدار الخوف.

و ما أظنّ أنّ مَنْ ذاق طعم هذين الأمرين سيرضى بديلاً عنهما؛ لقد مضى إلى غير رجعة زمنٌ كان فيه حمل المسدسات ( الخُلبيّة ) غاية المُنى للشاب السوري في الأعراس، حيث بات حمل ( الروسية ) ظاهرة مألوفة في المناطق المحررة، فما من مجلس إلاَّ و تجد فيه أنواعًا من الأسلحة مركونة في زوايا البيت، قد وضعها عن كتفه شخصٌ ما كان يُظَنّ أنه سيحمل السلاح في يوم من الأيام. و بالطبع لن يفوت الزائر لهذه المناطق أن يقف في أثناء تجواله فيها على بضع محلات لبيع السلاح على مرأى من الناس، و هو أمر ما كان يحلم به السوريون في ( سابع منام ). 

ما أظنّ أنّ الناس يقبلون بعد اليوم أن يأتي صعلوك راكبًا سيارة البيجو؛ ليسوقهم كالخرفان إلى مسالخ فروع الأمن ( و لاسيّما العسكري منها ).

ما أظنّ أنّ من أصبح يدلي بدلوه في شؤون الحياة السياسية، و الاجتماعية، و الثقافية، و الدينية، و الاقتصادية دونما خوف من الرقيب الأمني المسلط على ألسنتهم، يقبل بعد اليوم أن يعود إلى بيت الطاعة الأسدي، و البعثي.

هيهات هيهات أن يحلم الأسدُ، و بَعثُه، و منظومةُ الإفساد أن تُمسك بعنان السوريين بعد اليوم، و أن تعيدهم إلى عصر الخوف، و إلى  كتابة التقارير بأقرب الناس إليهم، و الوشاية ببعضهم بعضًا.

لقد أدرك السوريون أنّ لهم حقوقًا، يجب أن يحصلوا عليها كاملة غير منقوصة، و عليهم واجبات سيدفعونها قيراطًا بعد قيراط، و أولها دماؤهم، و أموالهم، و ممتلكاتهم، و فلذات أكبادهم.

فهل سيفيق هذا النظام من غفوته، و يعرف مدى التغيير الذي حصل لهذا الشعب، أم أنّه ينتظر قارعة تحُلُّ قريبًا بعقر قصره؟.