ثورة سورية يتيمة... يا مفكري ومثقفي سورية
وليد فارس
منذ كنا أطفالاً نفتخر بالمثقفين والخبراء والعلماء السورين في الخارج وكنا نعرف أن هجرتهم -بسبب الأوضاع الأمنية والظروف المعيشية التي تحيط بسورية- لم تمنعهم من إعطاء ما يملكون والتكرم بعلمهم في جامعات ومشافي ومختبرات ومراكز أبحاث عالمية, كنا نتمنى أن نلتقي الكثير منهم, نتابع إصدارتهم بشغف ونزورر المعارض لنتلقط كتبهم وأبحاثهم المنشورة وكنا نتمنى لو كانوا في سورية لكانوا قدموا من الخير الكثير فأعود لأتذكر الأوضاع الأمنية في سورية والذل المفروض فيها فأعذرهم.
قامت الثورة في سورية فهب الشعب لينتزع حقه وحريته وبدأنا نواجه بمختلف الأساليب والأدوات الخبيثة التي خطط لها النظام منذ عشرات السنوات فأرسل البعثات واستقدم المستشارين لترتيب وضعه لمثل هذه الأزمات, أمام كل هذا عرفنا أنه يجب أن نلملم صفوفنا ونجمع أفكارنا ونرتب أوراقنا ونبدأ بالتفكير والبحث والتخطيط وقراءة الواقع والماضي للسير نحو الأمام بأقل الخسائر وبأسرع الأوقات.
ترقبنا علمائنا ومثقفينا ليخططوا لنا ويرتبوا الأمور فكنا نتوقع سيلاً من الأبحاث التي سترسم لنا معالم الطريق وخارطة السير وتفاصيل المرحلة ولطالما قلت لأصدقائي انتظروا حتى تبدأ مرحلة الأفكار فغباء النظام لن يسمح له أن يقف أمام مفكرينا لساعات ولا يغرنكم شبابنا و"ولدنتنا" فعندنا آباء تفهم العالم كيف يفكر وسنستفيد منهم كثيراً عندما يأتي دورهم.
انتظرت وأصدقائي كثيراً ولم يتقدم إلا أشخاص قليلون أغرقتهم تفاصيل الواقع ومرارة المشهد فألهتهم عن التفكير الاستراتيجي والوقوف على مجمل المشهد وهضبته المرتفعة فجعلتهم يخوضون معنا ساعتنا فاستفدنا منهم كما يستفيد الجمل العطشان من قطرات ماء.
فقد الكثير من شباب الثورة -بسبب القصف أو النزوح وإجرام النظام- أبائهم وعلى الرغم من بساطة هؤلاء الآباء إلا أننا فقدنا بذلك الوالد الذي كان يكتب لنا أدعية الحفظ قبل الخروج للمظاهرات والأب الذي يشجع ويدفع ويبارك, فاتجهت الأبصار نحو أولائك المفكرين والمثقفين -الذين أحببناهم- ليعطونا تفاصيل العمل وخطواته في كل مرحلة نخوضها, لكننا كنا ندخل المرحلة ونخرج منها وندخل في غيرها بعون الله حاملين دعاء أبائنا الذي تعلمناه وساعات انتظار, كان شباب الثورة يبذلون أقصى مابوسعهم ويراجعون ما يعرفون من علوم ونظريات ليستفيدوا منها فهذا يقرأ في المعادلات لإنتاج مادة تفيده في معركته وذاك يصمم طرفاً ميكانيكاً لتركيبه لمدفع يصنعه وطالب طب أو طبيب حديث التخرج يراجع أعراضاً يراها أمامه للمرة الأولى وشاب يقرأ التاريخ ليفهم ردات الفعل الدولية وأخر يضع مبادئ للتعامل ضمن الحي والكتيبة ويقيّسها وفق ما يعرفه ليجعل من الفائدة كبيرة عند تعميمها.
لكن بكل تأكيد لانزال نفتقر للدراسات العملية التي يجب أن نسير عليها لتحقيق أهدافنا وبناء بلدنا وهذا يعطي فرصة جيدة للجميع للالتحاق بالأمر وعلى الرغم من تأخرهم فالمرحلة الراهنة تحتاج لكثير من العلم والتطبيق فالتجارب تهدر الوقت والمال والجهد, نتمنى أن نرى بنوك معلومات بحثية في المرحلة الراهنة والقادمة لتقديم حلول لمختلف القضايا التي نعيشها, أنا شخصياً لا زلت أعتقد أن مفكرينا وباحثينا لديهم الكثير ليقدموه وهاهو الوقت الصحيح لإخراجه فالحاجة في قمتها الآن والتعطش في قمته و أعتقد أنهم سيكونون آباء حقيقيين لكثير من الأفكار التي نحتاجها ولتصحيح مسارنا وتصويب هدفنا بخبرتهم وعلمهم.