المالكي وتقسيم العراق

إيمان شمس الدين

بعد أن مر العراق من عنق زجاجة أزمة الخلاف بين المالكي والأكراد، وكادت تأتي على التفاهمات السياسية التي بذلت لأجلها جهود كبيرة للحصول على توافق سياسي شكلت بعده حكومة توافقية أرضت أطراف النزاع السياسي في العراق، برز إلى السطح أزمة أكثر خطورة منها كونها استهدفت شخصية قيادية سنية كبيرة لها ثقلها في الساحة السنية، هي وزير المالية رافع العيساوي من خلال اتهام عناصر من حرسه الشخصي بارتكاب أعمال إرهابية.

عمق الأزمة وخطورته يكمن أنها تأتي في عدة ظروف خطرة في المنطقة أهمها الوضع السوري المجاور وتداعياته الطائفية على المنطقة برمتها وعلى الجوار خاصة كلبنان والعراق ، والتوتر المذهبي الذي تعيشه المنطقة والذي يتم اللعب فيه ودفعه إلى مزيد من التأزيم كورقة ضاغطة بيد الحكومات الغربية وأمريكا على المنطقة لتحقيق مكاسب أكبر على المستوى السياسي، ومناسبة أربعين الإمام الحسين عليه السلام الذي يحييه الشيعة كل عام وفق طقوس خاصة أهمها المشي من كل مناطق العراق إلى كربلاء مما يعني وجود عشرات الآلاف من الناس في الشوارع مما يسهل عملية استهدافهم كعمليات انتقامية، إذ أن التأزيم السياسي في العراق عادة ما تكون ترجمته بالتفجيرات لإحداث مزيد من الضغط وتحقيق مزيد من المكاسب بين الأطراف المتنازعة سياسيا.

حقيقة ما جرى يرويه نائب في القائمة العراقية قائلا: أن رئيس الحكومة نوري المالكي أطلق خلال الشهرين الماضيين بالاتفاق مع رافع العيساوي وأسامة النجيفي سراح أكثر من ستة ألاف سجين من المناطق الغربية والموصل وتكريت متهمين تحت بند المادة 4 إرهاب بغية التوصل إلى اتفاق سياسي انتخابي يقضي بالتفاهم على صيغة للدخول بقائمة انتخابية مشتركة في مواجهة الأكراد والمجلس الأعلى والتيار الصدري!. وأشار المصدر المسؤول في القائمة العراقية أن هذا المسعى فشل في مواجهة اتفاق سابق بين رافع العيساوي وأسامة النجيفي واحمد أبو ريشه وسلمان الجميلي بتأسيس تجمع (متحدون) لتحاشي الصدام السياسي مع المجلس الأعلى والصدريين والأكراد. وأضاف أن احد قياديي القائمة العراقية الذي لم ينضم إلى (متحدون) وشى بالثلاثة الذين شكلوا هذا التجمع لرئيس الوزراء تشكيل تحالف مع الأكراد والصدريين والمجلس الأعلى على خلفية أن يكون هذا التحالف موجها ضده ما أثار حفيظة المالكي فعاد إلى سياسة فتح الملفات!.

فقام بفتح ملف قديم يعود إلى سبع سنوات مضت حيث قامت مجموعة أفراد من السنة التابعين للعيساوي بقتل مجموعة أفراد من الفلوجة وتم التدخل بين عشيرة الطرفين والاتفاق على تجاوز الموضوع وإيقاع المصالحة بين الأطراف ، إلا أن المالكي أعاد فتح الملف للضغط على العيساوي كما فعل سابقا في ملف الأكراد.

المصادفة وحدها لعبت دوراً هاماً في كشف عملية اقتحام منزل العيساوي والقبض على 150 عنصراً من حرسه الشخصي بدعوى تهمة الإرهاب ، حيث كان للسفير الأمريكي موعداً سابقاً مع وزير المالية رافع العيساوي وتواجد في تلك اللحظات في منزل الوزير الكائن في المنطقة الخضراء وحسب معلوماته التي أدلى بها إلى أمريكا في رسالة عاجلة كاشفا حقيقة ما حدث في الإعتقال أن رجال الأمن قاموا بتكسير الكمبيوترات وتمزيق الملفات وتكسير النوافذ والتعدي بطريقة مهينة على الوزير وحرسه في مشهد أقرب ما يكون إلى زمن الديكتاتور السابق صدام حسين، وكان لهذه الرسالة تداعياتها الخطيرة حيث أكدت مصادر متطابقة أن السفير الأمريكي في العراق أوصل رسالة إلى الحكومة العراقية مفادها ان الولايات المتحدة الأمريكية لن تستجيب لدعوات الحكومة العراقية بضرورة الإيفاء بالتعهدات الأمريكية التي قطعت لجهة تسليح الجيش العراقي بطائرات ودبابات أمريكية حديثة بسبب ما وصف بالنهج اللا ديموقراطي في التعاطي مع الحياة السياسية والطابع النفي في التعامل مع الخصوم السياسيين!. وأكدت المصادر أن السفارة الأمريكية كانت واضحة لجهة إيصال تلك الرسالة إلى الحكومة العراقية ودقيقة في اختيار المفردات السياسية في تأكيد خطابها السياسي مع رئيس الحكومة وأكدت أن الصفقة العراقية المقيدة بهذه الشروط قد لا يتم الإيفاء بها في المستقبل لجهة كون الحكومة لا تتعاطى مع مشكلات الوضع المحلي سواء مع قضايا الإرهاب أو الطائفية السياسية بما كان ينبغي أن تكون عليه. مصدر في التحالف الوطني قال على هامش الكلام الأمريكي أن الانتخابات المحلية القادمة ستكون حاسمة لجهة بقاء الكتل الكبيرة في مكانها من مواقع المسؤولية القيادية أو اختفائها بعد أن تولد لدى الأمريكيين من انطباع أن الطبقة السياسية الحالية ربما تذهب بالبلد إلى أتون تصعيد طائفي قد يقسم العراق إلى دويلات ثلاث سنية وشيعية وكردية مع أن الموقف الأمريكي مع وحدة العراق والعمل بأحكام الدستور العراقي.

وحسب مصادر لعبت إيران عن طريق سفيرها دوراً جداً بارزاً في تهدئة الأوضاع بين المالكي وجماعة العيساوي تجنبا لخطر الاقتتال المذهبي نتيجة جوار العراق لسوريا وما يعنيه ذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها ، وحسب المصادر قدم المالكي من خلال مكالمة هاتفية اعتذاره لرافع العيساوي بطريقة اعتبرت غريبة إذ أنه ضمن كلامه بعد الاعتذار قبوله بانفصال المناطق السنية عن العراق وهو كلام له تداعياته الخطيرة إذ دفع رافع العيساوي إلى رفع سقف مطالبه لتجاوز الأزمة والتي على رأسها العفو عن طارق الهاشمي المحكوم بالإعدام لضلوعه بعمليات اغتيال إرهابية وإطلاق سراح سجناء ضالعين في الإرهاب ورفع اليد عن قانون اجتثاث البعث.

يبقى السؤال المطروح والمشروع إلى متى سيبقى المالكي يفتعل الأزمات السياسية مع شركائه في الوطن في  وضع اجتماعي يعاني منه المواطن العراقي الذي ما زال ينتظر وعود التنمية وتطوير الخدمات خاصة خدمات الكهرباء والماء والخدمات الصحية وهي أبسط ما يجب أن تقدمه حكومة بلد غني نفطيا وزراعيا لا لشيء إلا  بسبب صراعات سياسية وسباق انتخابي يأمل من خلاله المالكي أن يستمر في استحواذه على السلطة؟