دفاعاً عن المعارضة

عقاب يحيى

الصديق عبد الرحيم خليفة كتب مقالا مهما بعنوان : دفاعاً عن التاريخ وليس النعارضة.. اراد فيه أن يتناول بعض الحقائق عن دور المعارضة ومحاولاتها في التصدي لنظام الطغمة، والظلم الذي يحيق بها عندما يطلق البعض، بكل سهولة، وعلى المستريح، حكماً بأنه لا وجود لمعارضة........

المعارضون الذين أفنوا عمرهم .. وعانوا الكثير.. يتحرقون غضبا عندما يسمعون مثل هذا الكلام، وممن ؟؟.. من أناس غالباً ما كانوا في أحضان النظام أو على حوافه، او من الذين كانوا يعيشون بعيداً عن أي اهتمام بالشأن العام، أما أن يردد بعض الشباب هذه المقولات، وأكثر : بتحميل المعارضة وزر الفشل، والعجز، وغيره كثير..فالأمر يحتاج إلى موضوعية..

ـ نعرف أن التاريخ يكتبه المنتصرون.. بغض النظر عن مدى الدقة والمصداقية فيه، وأن التضحيات، مهما كبرت، لا تعني الكثير من الناس ما لم تثمر، وقد تصبح عبئاً حتى على أصحابها، وقد يُصابون بردود أفعال تدفع إلى الكفر بتاريخهم، وإلى التكوّر، والتشنج..

ـ ليس هناك تاريخاً منفصلاً، متقطعاً لأي شعب.. التاريخ حلقات متصلة تمثل فيه التراكمات أسبابا للكمون، واللاحق. والثورة السورية، ومهما قيل عن عفويتها، أو عن دور الشباب فيها، بغفلة من المعارضة التقليدية، وهذا صحيح بوجهه الظاهر، ودور ثورات الربيع العربي..لكن الثورة لم تأت من فراغ، وليست قفزة عفوية.. هي تختزن في عمقها جميع نضالات الشعب على مر العقود.. بشكل مباشر، او بالنتيجة .

*****

ـ أذكر العام 1976 والنظام دخل إلى لبنان في سابقة خطيرة لضرب التحالف الوطني اللبناني الفلسطيني.. وكنا مطاردين نعيش في أعالي قاسيون.. زارنا المرحوم الدكتور جمال الأتاسي، والمناضل المعروف رياض الترك، والمناضل الشهير عمر قشاش بحثاً عن ما لدينا لمواجهة ما يحدث، وبالتحديد : موقف العسكر..من حالة غريبة على الجيش الوطني، وتقاليد الشعب السوري.. 

ـ كانت المعادلة : إما أن تملك قوة عسكرية تسقط بها النظام.. وإلا.. وهذه والإ تعني الكثير، وأول ما تعني أنك الطرف الأضعف الذي سيتعرض لضربات النظام القاصمة.. وسيضعك فيث هامش الأحداث، ثم تفرّخ الأزمات مواليدها الطبيعية والهجينة فيك : تشققات وياساً، وأمراضاً مختلفة..

ـ قضية أن تكون المعارضة جزءاً من المعادلة لا تدخل فيها النوايا الطيبة، ولا الرغبات، ولا حتى التضحيات بقدر ما تشكلها مجموعة عوامل.. وحين قطع الطاغية الأكبر طريق الانقلابات العسكرية التقليدي ، واعتمد الأخطبوط الأمني، والفئوي ركائز له.. صار بإمكانه أن يقبض على رقبة الوطن والمجتمع ويتحكم فيهما كما يريد، وأن ينزل ضربات ماحقة بالمعارضة كانت مجزرة حماة 1982 منعطفها الأكبر..

ـ كان البعض يراهن على النضالات المهنية والديمقراطية.. وكانت مراهنات خاسرة لأن النظام ظل قادراً على إبادتها، ووأدها، ولم يسمح بأي تراكمات .. إلا بشكل منفلت عنه في ربيع دمشق الذي اغتاله.. أيضاً ..

*****

ليس معيباً أن تعترف المعارضة بأنها ليست هي التي فجرت وقادت الثورة، وأن تفخر بشباب البلد الذين قاموا بها، وأن تعمل لتكون عوناً منخرطاً فيها تضع إمكاناتها وتجاربها فيها، وتتواصل مع الشباب عبر علاقة التفاعل والحوار، ولا مانع أن تتعلم منهم الكثير.. لأن الحياة مدرسة مفتوحة، وهي في تغيّر وتطور مستمرين، ولا يمكن لأحد، مهما ملك، أو ادعى، انه " يختم العلم" ..

*****

لكن وكثيرون يحتلون المشهد الإعلامي والسياسي اليوم.. ممن لم يسهموا يوماً بعمل معارض.. فالمطلوب منهم أن يكونوا منصفين، وأن يعترفوا ببعض الحقيقة. نعم الثورة ليست ملكاً أو حكراً لأحد.. وصدرها الكبير يتسع أبناء سورية كلهم، بل يجب الترحيب بالتحاق كل الفئات بها، بما فيهم من كان من عظام رقبة الطغمة.. لأنها لهم، ىوتعنيهم، ولن تكون سورية القادمة لفئة دون أخرى.. وكما كان الإسلام العظيم يجبّ ماقبله.. فالثورة هكذا.. لكن بشيء من التواضع، والاعتراف ببعض الحقائق ..