الديمقراطية العربية وعقلية الاستبداد
ابراهيم الشيخ
كاتب وصحفي فلسطيني
ان الحراك الشعبي الذي شهدته وتشهده منطقتنا العربية ما هو الا نتيجة من التراكمات والضغط من من قبل حكام عشقوا السلطة، ومارسوا شتى انواع القهر والاستبداد بحق المواطن الذي حُرم من أي حق من حقوق المواطَنة الاساسية كالتعبير عن الرأي، وممارسة اي شكل من اشكال الديمقراطية، وتقييم حكم الزعماء والحكومات المتعاقبة.
لا شك ان التجربة الديمقراطية في الوطن العربي ما زالت حديثة العهد بعد عشرات السنين من حكم الاستبداد وعدم ممارسة اي ديمقراطية، وهذه الديمقراطية التي تُمارس الأن في بعض البلدان العربية من الممكن ان نشبهها بالطفل الصغير الذي لم يمشِ على قدميه بعد وما زال يحبو، ويحاول الوقوف، ولا بد من العثرات ولذلك لا بد من اعطاء هذه الديمقراطية الفرصة من اجل تثبيت دعائمها لبناء مجتمعات ديمقراطية، تتوافر فيها درجات من الوعي السياسي لدى الاحزاب والمواطنين على حد سواء.
التغيير الذي حصل بعد ما يسمى الربيع العربي يشكل الدعامة لبناء الديمقراطية في المستقبل، وما حصل في تونس ومصر من وصول الاحزاب الاسلامية الى السلطة، ما كان الا نتيجة لما كان يتوق اليه البعض للوصول الى السلطة.
ولكن وصول هذه القوى الى السلطة، قد انساها بأن اختيارها من قبل الشعوب بالوسائل الديمقراطية كان من اجل السير بالمجتمعات الى الامام وتحقيق التطور، ومحاربة فساد الانظمة السابقة وممارستها القمعية بحق الشعوب، ولذلك ان تجربة الحكم لن تكون سهلة وستواجهها عقبات كثيرة بسبب عدم وعي القوى لدورها الذي يجب ان تؤديه بكل مسؤولية وعدم استنساخ التجربة الماضية من حكم الديكتاتوريات.
فالشعوب على الارجح لا تحبذ استبدال الدكتاتورية العلمانية بدكتاتورية دينية تحاول فرض نفسها، وكأنها البديل الافضل والوحيد لهذه الدكتاتوريات، من خلال نشر افكار وسن قوانين على الشعب تتفق مع ايدولوجيات احزاب معينة وصلت الى السلطة.
هذا الوضع يخلق معارضة قوية من القوى الاخرى التي لم تستطع الوصول الى السلطة، وهذا ما يحصل حالياً في مصر وتونس، اذ تعبر هذه القوى عن عدم رضاها عن تصرفات السلطات الحاكمة، وما هذه التحركات سوى جرس انذار بأن الشعوب لن ترضى بتبديل الدكتاتوريات السابقة بدكتاتوريات جديدة وتحت مسميات مختلفة.
هنا لا يجري اتهام اي من الدول المذكورة بالدكتاتورية، ولكن هناك بعض القوى في هذه الدول تحاول استنساخ تجربة الدكتاتوريات السابقة، وفرض ارائها بالقوة وممارسة القمع الفكري والسياسي،وهذا كله مناف لمبادئ الديمقراطية والحرية، وكل ذلك باسم الدين متناسين بان الدين لله والوطن للجميع.
فمصر وتونس كانتا دولتين علمانيتين ولم يكن الدين يلعب دورا مهما لزعماء هاتين الدولتين، وكانت القوى الدينية تشكل المعارضة لهذه الانظمة وتعرضت للقمع ولم تأخذ فرصتها في الحكم سوى الأن، ولكن الذي ميز هذين البلدين هو وجود سلطة دكتاتورية، والوضع في ليبيا واليمن لا يختلف عنهما بشيء.
ان الوضع في سوريا لا يشكل استثناءً، وستعيش سوريا في حال سقوط النظام نفس تجربة مصر وتونس من حيث صعود الاسلاميين في هذا البلد الذي حاول النظام فيه تبني العلمانية، وبالتأكيد ان القوى الاسلامية ستحاول الوصول الى السلطة بكل الوسائل، وهذا يعتمد على مدى تقبل الشعب السوري لهذه القوى وافكارها أو محاربتها.
ان ارهاصات وبوادر الديمقراطية التي تحاول بعض الدول تحقيقها بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي، هي بالطبع افضل من غياب الديمقراطية في بعض الدول التي تظن نفسها محصنة ومستثناة من عملية التغيير التي تجري في الوطن العربي.
ما زال امام الشعوب العربية الكثير من التضحية للتخلص من عقلية الاستبداد التي لا تزال موجودة في رؤوس البعض، ولا بد من الانتظار سنوات طويلة من ممارسة الديمقراطية الحقيقية، ليكون بالإمكان نسيان مرحلة الاستبداد والدكتاتورية واستبدالها بالحرية.
ان الوطن العربي يقف امام تحديات مهمة، فإما أنتنجح تجربة الديمقراطية في الدول العربية التي حصل فيها التغيير، وتشكل مثالاً يحتذى به، مما يشجع الدول الاخرى على إحداث التغيير البناء والهادئ دون إراقة الدماء والإقتتال الداخلي، وهذا يتوقف على مدى وعي زعماء الانظمة، وعدم الاستهتار بالشعوب واللعب بمصيرها، وإما سيكون مصير هذه الدول الفوضى والخراب.