لا بواكي للعرب والمسلمين
جميل السلحوت
جريمة ولاية كارولاينا الشمالية الأمريكية، والتي ذهب ضحيتها طالب طبّ الأسنان السّوري شادي بركات، وزوجته الفلسطينية يسر محمد صوالحة وشقيقتها رزان، وتجاهل الاعلام الأمريكي لهذه الجريمة البشعة لأكثر من يوم، تؤكّد من جديد أنّ الضّحايا العرب والمسلمين لا بواكي لهم، ولا أحد يسأل عنهم، بما في ذلك الاعلام العربيّ، تماما مثل يذكّر بجرائم مشابهة حصلت في السّابق على خلفيّة الكراهيّة التي يغذّيها الاعلام الغربيّ، وتدعمها بقصد أو دون قصد أعمال بعض تنظيمات "المتأسلمين الجدد"، فمن الجائز أن تكون عمليّة القتل الأخيرة ليست على خلفيّة "الاسلام فوبيا"التي تغذّيها وسائل الاعلام وبعض الأحزاب الغربيّة، ولا تدحض هذا الاحتمال مقولة أنّ السّفاح ملحد، لا يؤمن بالدّيانات، لكنّه بالتأكيد معبّأ بكراهية العرب والمسلمين، وأنّ جريمته وليدة هذه الكراهيّة المعبّأ بها، واذا عدنا قليلا إلى الوراء، فإن أحد الأمريكيّين قتل شخصا هنديّا من السّيخ، ظنّا منه بأنّه مسلم لطول لحيته في ولاية أريزونا بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001. وما محاولة التّقليل من بشاعة الجريمة، واعتبارها أمرا عاديّا إلا من باب الاستخفاف بأرواح الضّحايا، وعدم احترام انسانيّة أبناء جلدتهم ودينهم.
فالعالم الغربيّ لم يتخلّ بعد عن عنصريّته وعقليته الاستعلائية في نظرته لشعوب دول ما يسمّى بالعالم الثالث، والجريمة التي حصلت في أمريكا تذكّرنا بجرائم الاحتلال الاسرائيلي التي يرتكبها جيش ومستوطنو الاحتلال في الأراضي الفلسطينيّة، وكان من بين ضحاياها مدنيّون أطفال رضّع ونساء وشيوخ ومدنيّون مسالمون، وعند تشكيل لجان تحقيق تتراوح تقاريرها بين تبرئة القتلة لأنّهم مريضون نفسيّا، أو أنّ عمليّات القتل تمّت دفاعا عن النّفس، أو أنّهم تصرّفوا حسب القانون!
وإذا كانت جرائم قتل المدنيّين مدانة بغضّ النّظر عن جنس أو لون أو دين الضّحيّة، إلا أنّه لا يتمّ التّعامل مع هكذا جرائم بنفس المعايير عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، وكأنّ الدّماء ليست كلّها سواء، ففي بورما مثلا تمّ قتل عشرات آلاف المسلمين وحرق بعضهم وهم أحياء، ونهب ممتلكاتهم واحراقها على أيدي البوذيّين وعلى مرأى ومسمع العالم جميعه، دون أن يحرّك ساكنا...بينما لو كانت الجرائم معكوسة لقامت الدّنيا وما قعدت، تماما مثلما تستنكر أمريكا وحلفاؤها التدخّل الرّوسي في أوكرانيا، بينما يدعمون الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربيّة المحتلّة بالمال والسّلاح، ويموّلون الاستيطان اليهودي فيها.
لكنّ اللافت للانتباه هو عدم اهتمام النظام العربيّ الرّسميّ بأرواح رعاياه، بل إنّ وسائل الاعلام العربيّة الرّسميّة تنقل جرائم قتل العرب في بلدان أخرى وكأنّها أمر عاديّ، وتحاول ايجاد المبرّرات للقتل! ولو كان موقف الأنظمة العربيّة كما يجب أن يكون لاختلفت طريقة التّعامل مع دماء العرب المسفوكة. لكنّ "لو" هذه تبقى في قاموس الأمنيات التي يبدو أنّ تحقيقها بعيد جدّا إن لم يكن معدوما.