الشرق الأوسط ما بعد بشار الأسد
فوضى... تقسيم... واحتقان طائفي
لندن- "كيف سيكون حال الشرق الأوسط بعد سقوط الأسد؟"، يتساءل السياسي الألماني، يوشكا فيشر، في تحليل له، رصد من خلاله مستقبل حلفاء سوريا وإسرائيل بعد تغيير النظام في البلاد وتداعيات ذلك على السياسات المستقبلية للشرق الأوسط إثر سقوط نظام الأسد بعد أكثر من أربعين سنة من السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.
سوريا على شفا حرب أهلية
من خلال إجابته لا يبدو الدبلوماسي الألماني متفائلا حول مستقبل سوريا والمنطقة بعد سقوط النظام في دمشق، حيث يرى أن هذه المرحلة سيسودها الكثير من الفوضى والعنف، خاصة وأن معارضي نظام البعث الحاكم في سوريا سيعملون على تصفية الحسابات مع أنصار الحزب الحاكم، كما أن سيناريو اندلاع حرب طائفية مطروح بقوة ضمن توقّعات الوضع في سوريا بعد سقوط النظام.اعتبر الكاتب أن الأحداث على الساحة السورية بدأت تشكّل بداية النهاية، ويستند في ذلك على التفجيرات "الناجحة" التي وقعت في العاصمة السورية دمشق واستهدفت الدائرة الأمنية القريبة من الرئيس الأسد، بالإضافة إلى تفجّر المعارك العسكرية على حدود سوريا مع تركيا من جهة والعراق من جهة أخرى، وتدفّق الأسلحة الأثقل والأكثر دقّة إلى المتمرّدين. وهذه النهاية لن تحمل معها آمالا مشرقة حول حقيقة التغيير المقبل، وفق يوشكا فيشر، ذلك أن رحيل الأسد لن يفسح المجال لإنشاء الديمقراطية المنشودة والتي تكون فيها السيادة للقانون.في ذات السياق يشير د. السيد عوض عثمان، خبير في الشؤون العربية والدولية، إلى أن الوضع السوري أصبح مأساة حقيقية للمجتمع الدولي، وللأسف لا توجد بدائل مطروحة سوى تدخل عسكري بقرار من مجلس الأمن لفض الاشتباك بين القوات السورية المنشقة وقوات الأسد، خاصةً بعد فشل بعثة المراقبين، وخطة كوفي عنان، ومبادرات الجامعة العربية في حل الأزمة السورية، رافضا الدور الخفي الذي تلعبه روسيا والصين وإيران حول تصعيد حلفائها ليقودوا البلاد بعد إزاحة الأسد، وهو ما يعني تضارب المصالح الدولية والتبعية السورية،وحذّر عثمان من التوتر والانقسام والرغبة في الانتقام من جانب القوات المنشقة علي الجيش السوري النظامي، إلى جانب الصدام المتوقع بين قادة "المجلس العسكري السوري" و "الجيش السوري الحر" ، حيث سيؤدي سقوط الأسد إلى حرب أهلية بين هؤلاء المنشقين حول الصراع على السلطة في البلاد بالإضافة إلى المعارضة المدنية السياسية التي لن تترك نصيبها من إدارة البلاد وتحقيق طموحها السياسي.فيما أشار د. حسن أبو طالب، خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، إلى خطر تسليح المنشقّين عن الجيش النظامي السوري، الذي ينبئ بكارثة، فالتشكيلات العسكرية سوف تنقسم مستقبلا وتتحول إلى مليشيات مسلحة، تغرق البلاد في فوضى دموية وحرب أهلية بين الفصائل المتجاذبة سياسيا وعسكريا.وأضاف د.محمد جمال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، بأن تأسيس العميد المنشق أحمد مصطفي الشيخ المجلس العسكري السوري لتنفيذ عمليات عسكرية ضد نظام بشار الأسد قرار من بدايته غير مفهوم، لأن هذه الخطوة أكدت على أن القيادات العسكرية المنشقة تحاول إنشاء تشكيلات مسلحة لضمان الحصول على مكسب سياسي بعد سقوط الأسد.وكان قرار إعلان قادة الجيش السوري الحر نقل قيادته المركزية من تركيا إلى المناطق المحررة داخل سوريا، قد أثار جدلا واسعا، بسبب سعي هؤلاء القادة لزيادة فاعلية قوة المعارضة وتوحيد المقاتلين، ولكن المفاجأة التي صدمت المراقبين "اللامبالاة" التي قابل بها المقاتلون قادتهم بسبب "هروبهم" منذ عام ونصف خوفا من النظام السوري، وإدارة المعركة من داخل مكاتب إسطنبول، الأمر الذي يعطي دلالات نحو تخوف شعبي من عدم توحيد الكتائب التي تقاتل ضد قوات النظام السوري.
سقوط بشار يقلب المنطقة
تشير تقارير ودراسات استراتيجية إلى أن العالم يمر بمرحلة جديدة سيؤثّر فيها بشكل كبير ما سيؤول إليه الوضع في سوريا.وعلى ضوء ذلك ملفّات عديدة وسيناريوهات كثيرة متوقّعة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط إذا ما نجحت الانتفاضة في سوريا في إنهاء أربعين سنة من حكم البعث في سوريا، سواء من خلال الحل السلمي أو الحل العسكري، وفي كلتا الحالتين فإن لنهاية نظام الأسد الأثر الكبير محليا وإقليميا ودوليا، خصوصا فيما يتعلّق بإسرائيل وتركيا وحلفاء سوريا إيران وحزب الله وروسيا.
ويشير يوشكا فيشر، الذي عمل وزيرا لخارجية ألمانيا، إلى أن نتيجة الحرب الأهلية السورية سوف تخلف عواقب بعيدة المدى ليس فقط على مستوى سوريا وشعبها بل أيضا سيكون لها تأثير خطير على مستوى السياسات الإقليمية والعالمية.على المستوى الداخلي قارن الدبلوماسي الألماني بين ما تعيشه سوريا وما تعيشه البلدان العربية التي شهدت انتفاضات شعبية خلال العام الماضي أدت إلى سقوط أنظمتها وصعود أنظمة إسلامية مكانها. وهنا، يشير يوشكا إلى أن النظام الديكتاتوري الحاكم سيعوّض بحكم جماعة الإخوان المسلمين السنية، والتي تمثل في سوريا أغلبية السكان، مثلما هو الحال في مصر وتونس. وخلافا لهذين البلدين فإن هذا التغيير سينتج عنه حربا أهلية، نظرا لتركيبة المجتمع السوري ذي الطوائف والديانات المتعدّدة.وحسب فيشر فإن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا سيكون له تداعيات بعيدة المدى فيما يتعلّق من جهة بالتوزيع الإقليمي للقوى بين كل من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية. ومن جهة أخرى فيما يتعلّق بالنزاعات الإقليمية خصوصا على مستوى القضية الفلسطينية ودور حزب الله في لبنان والنووي الإيراني، وبالإضافة إلى ذلك، سينتج عن انهيار الحزب الحاكم في سوريا عواقب دولية أوسع نتيجة التحالف بين سوريا وروسيا.
إسرائيل وتغيير نظام دمشق
وللأزمة السورية تأثير واضح على إسرائيل، سواء من الناحية الاستراتيجية الجغرافية أو من ناحية القضية الفلسطينية وبالأخص فيما يتعلّق بملف الجولان المحتلّ. ويقول فيشر، إن المعارضة الشديدة لإسرائيل كانت دائما أحد أعمدة النظام السوري، وهذا الموقف تجاه إسرائيل يفسر، من جهة، العلاقة الوثيقة بين دمشق وحزب الله، أقرب حلفاء إيران في هذا البقعة من منطقة الشرق الأوسط، وهو أيضا يفسر متانة العلاقة بين النظام السوري نفسه وإيران من جهة أخرى.ولا يرجّح الكاتب أن يكون لتغيير النظام في دمشق تأثير كبير على طبيعة الصراع بين سوريا وإسرائيل كما لن يؤثّر في العناصر الجوهرية لهذا الصراع والتي تهم بالأساس مسألة إقامة دولة فلسطينية فعليّة والأهم من ذلك، وفق فيتشر، تأثير هذه المسألة الجوهرية على القبول والاعتراف بوجود إسرائيل.في الماضي كان ردّ فعل نظام الأسد تجاه إسرائيل متوقعا، أما اليوم، وفي ظل المتغيرات على الساحة فإن التكهنات تحذّر من اندلاع حرب إقليمية، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار مخزون الأسلحة الكيميائية الذي تملكه سوريا.وعلى ضوء هذا الواقع، فإن الحل الوحيد للإسرائيليين، من وجهة نظر فيشر، يتمثل في التعامل مع الإخوان المسلمين، بشكل خاص، ومع الإسلام السياسي "السني"، بشكل عام. وبالتالي التواصل مع حماس "الإخوان المسلمون الفلسطينيون"، حيث سيلعب الجانب الديني دورا هاما في مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، الأمر الذي سيزيد من صعوبة الوصول إلى اتفاق.
سوريا تعزل إيران
وضعت الأزمة السورية إيران في موقف محرج. فانزلاق سوريا إلى الحرب الأهلية يمثل تهديدا أكبر إلى إيران في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى اكتساب قدر كبير من التأثير على الشؤون السياسية في سوريا حال سقوط نظام بشار. فإن تغيير النظام في سوريا، سيعود بالضرر، في كل الأحوال، على إيران و حزب الله "وكيلها في لبنان"، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى تقليص الدور الإيراني بشكل كبير في الصراع مع إسرائيل.
وبناء على ذلك فإن إيران ستخسر حليفها الوحيد في الوطن العربي، مع استثناء عراق ما بعد صدّام حسين، وهو ما سيؤدي، وفق يوشكا فيشر، إلى دخولها في عزلة شبه كاملة، ستؤثر بشكل سلبي على وضع طهران في مواجهة منافستيها القوتين السُنّيتين الرائدتين في المنطقة، تركيا والمملكة العربية السعودية، من أجل فرض الهيمنة الإقليمية، فضلا عن صراعها مع الولايات المتّحدة الأميركية وحلفائها. ومن المحتمل أن تتكبد إيران، في ظل هذا الوضع هزيمة استراتيجية ثقيلة سوف يكون التعافي منها بالغ الصعوبة.
وهذه العزلة الإقليمية الوشيكة سوف تؤثّر في موقف إيران في المسألة النووية أيضا، وبات من المنطقي على نظام طهران أن يقبل بحل عن طريق المفاوضات. ولكن يبدو أن القوى الإيرانية ستزداد تشبثا ببرنامجها النووي رغم ضعف الموقف الاستراتيجي للبلاد.ويضيف فيشر "ربما كان لزاماً على حكام إيران أن يتوجهوا بالشكر إلى جورج دبليو بوش، وديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وأنصارهم، الذين يسروا لهم التحالف مع العراق، ولكن في نهاية المطاف لن يكون هذا التحالف كافيا". فالتحالفات من وجهة نظره لا تكفي لضمان بقاء النظام، من ذلك التحالف السوري الروسي. وقد برهنت الأحداث في سوريا على أن التحالف مع روسيا لا يكفي لضمان بقاء نظام الأسد، بل إن هذا التحالف قد يعود بالضرر العميق على الكرملين أيضا، فسقوط الأسد قد يعني انهيار المسار الجديد لسياسة موسكو الخارجية، الذي تبناه الرئيس فلاديمير بوتين بهدف استعادة قوة روسيا ونفوذها العالمي.
وفي تقرير لها حول الدور الروسي في الأزمة السورية قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن السبب الحقيقي وراء دعم روسيا لنظام بشار الأسد يكمن في أن موسكو تخشى من تقويض مكانتها كدولة عظمى في العالم. ووصفت الصحيفة الأميركية التكهنات التي تشير إلى أن سبب دعم روسيا لدمشق يكمن في أن روسيا تبيع الأسلحة لنظام الأسد أو أنها تسعى للحفاظ على منشآتها البحرية في ميناء طرطوس السوري، بأنها تكهنات سطحية ومضللة، مشيرة إلى أن روسيا بسقوط الأسد ستخرج من قائمة الدول العظمى.
سوريا والانتخابات الأميركية
أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات العربي – الأوروبي في باريس أن اللجنة الرباعية لن تجد حلا للأزمة السورية ورأى 87.5 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع أن مفاتيح الحل بيد القوى العظمى وليست بيد القوى الإقليمية الصغرى . فيما توقع 9.3 في المئة أن نجاح اللجنة الرباعية في إيجاد حل للأزمة السورية أما 3.2 في المئة رأوا أن الحسم والنصر لإرادة الشارع السوري. وخلص المركز إلى نتيجة مفادها أنه: تلبية لمبادرة أطلقها الرئيس المصري محمد مرسي لإنقاذ سوريا مما تتخبط به والتي دعا بموجبها إيران وتركيا والسعودية إضافة إلى بلاده لعقد اجتماع يتم فيه البحث عن المخارج المناسبة ولقد استجابت جميع الدول المعنية وعقدت حتى الآن اجتماعين على أن تليهما اجتماعات أخرى دون أن تظهر حتى الساعة بوادر مبادرة حل معينة وأغلب الظن أن اللجنة الرباعية لن تتمكن من التوصل إلى وضع أطر معينة للحل لأسباب عدة أهمها أن مصر والسعودية وتركيا ترى أن الحل يكون برحيل نظام الرئيس بشار الأسد فيما تدعم إيران هذا النظام وتمده بالمال والسلاح.
إن المعركة المفتوحة في سوريا هي إقليمية في كثير من أبعادها وذات ارتباط وثيق بالصراع في منطقة الشرق الأوسط سواء ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بالملف النووي الإيراني أو بالشكل الجديد المرسوم للشرق الأوسط. والمعركة المفتوحة في سوريا أصبحت تدار بشكل مباشر من واشنطن وموسكو وفق خيار استراتيجي لهاتين الدولتين. وأصبح النظام السوري أعجز من أن يستطيع الإمساك بالبلاد وكذلك المعارضة المشتتة والمفتتة، وفي خضم هذا الموقف المتأزم يتطلّع المراقبون إلى نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية مشيرين إلى أن كل ما يطرح الآن بشأن الملف السوري مجرد تمضية للوقت ريثما يحسم أمر السباق نحو البيت الأبيض وعند ذلك سيتضح فيما إذا كانت الأمور ذاهبة إلى التصعيد أم إلى تسوية ما.