محطات في مسيرة حيدر العبادي

محطات في مسيرة حيدر العبادي

المحطة الأولى

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

لن نتصيد في الماء العكر ونجمع أخطاء حيدر العبادي، ولكن التجربة المرة السابقة مع سلفه رئيس الوزراء السابق جودي المالكي تتطلب من العراقيين الحذر كل الحذر من الطارئين على الحياة السياسية،  كي لا تتكرر مسرحية ( أكبر كذاب)، وهو وصف مقتدى الصدر لرئيس الوزراء المالكي مع إنه كان السبب الرئيس في عدم سحب الثقة من أكبر كذاب.

عندما يكذب مسؤول أمام شعبه فإنه وفقا للدستور يكون قد إنتهكه، ومن وجهة نظر الشرع الإسلامي فإنه قد حنث بيمينه. ومن وجهة نظر علم الإجتماع هو إنسان فاشل لا يصلح لقيادة زريبة خنازير وليس شعب كالعراق، ومن وجهة نظر علم النفس هو مريض نفسيا وبحاجة إلى عدة جلسات لشفائه. الكذب على مستوى الإنسان العادي هو من  الكبائر ولا ينسجم مع الأخلاق العامة، فكيف بمن يقود شعبا! تنص معظم دساتير الدول على القسم التالي" أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى (أو الملكي) وأن احترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه.. الخ".

إن حنث اليمين الدستوري هو أشد هولا من غيره، ولو من وجهة نظر السماء على أقل تقدير، لأنه يخص شعبا بالملايين وليس فردا أو عدد من الأفراد. كما إنه يجمع عدة كبائر منها الكذب والنفاق والإحتيال والخيانة وغيرها، لذا كان رادعها قويا. فقد جاء في القرآن الكريم ((ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين)) سورة آل عمران/ 61،  وجاء في سورة النحل/ 105 (( إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون)) . كما قال رسول الله (ص) الحديث الشريف" من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقى الله عزٌ وجلٌ وهو عليه غاضب". إذن هو غضب الله في السماء، وغضب الشعب في الأرض.

لقد شبع الشعب العراقي وعودا وعهودا من قبل الأحزاب الإسلامية الحاكمة التي تلاعبت بمصائره وثرواته وأجلسته بكل إقتدار في بيوت الصفيح أو ما يسمى بالعشوائيات، يتغذى من المزابل وهو من أغنى شعوب العالم. ويتعالى صوت تكبير المنطقة الخضراء" حي على الفساد لننهب العباد، ونفلس البلاد". ولم يقصروا في تكبيراتهم!

لاشك إن الحكومة برئاساتها الثلاث وكل مسؤوليها من وزير فنازلا أثبتوا إنهم لا يتقنون سوى الكذب، والكذب أصل الكوارث، لأن جرائم القتل والنهب والإغتصاب والتدمير والحرق والتزوير والتهريب والإعتقال والإتهام بالإرهاب والرشوى وغيرها من الكبائر والصغائر تدخل تحت عباءة الكذب.

نعترف جميعا بأن العبادي تسلم تركه ثقيلة من رفيق دربه جودي المالكي، بل حتى اللحظلة الأخيرة من حكم المالكي كان يتفنن في وضع مصائد المغفلين والألغام أمام رفيق دربه القادم، ولولا حب السلطة والتمتع بمزاياها، والإنتقال من أسفل الهرم إلى قمته، لما تجرأ العبادي على أن يتسلم الوزارة الميؤس منها، وهو العالم علم اليقين خفايا سلفه وخبائثه، وإنه سوف لا يتوانى ولا يكف عن حياكة سجادة الفشل ووضعها تحت مقعده الضخم!

لم يكن العبادي بعيدا عن المالكي فهو شريكه في الفساد الحكومي والحزبي، وكلاهما يعرف أسرار الآخر ويمكنه الإيقاع برفيقه اللدود بسهولة، وهذا هو السبب الرئيس في تخوف العبادي من مواجهة جودي المالكي وإزاحته عن طريقه، رغم شكواه المستمرة منه. والمالكي بحكم خبرته في الوزارة خلال ثماني سنوات، تعلم كل فنون الدجل والدسائس والتآمر. كما إنه حصل على مناعة خاصة وحصانة من الخامنئي، وما يقوله الأخير هو حكم الله حسبما يدعي أقزامه في مشهد وقم والنجف وكربلاء. صحيح إن العبادي حصل أيضا على حصانة أيضا من الولايات المتحدة، لكن الحصانة الأمريكية ضعيفة أمام الحصانة الإيرانية، بل يمكن الجزم بأنه لا قيمة لها. فالرئيس أوباما نفسه ليس له ثقل أمام الجنرال سليماني في العراق الجديد وحكومته، وهذه حقيقة يعرفها الأمريكان قبل غيرهم.

لكن هذه التركة الثقيلة لا تبرر للعبادي ان يتخذ نفس النهج الذي سار عليه المالكي في الكذب على شعبه، بل كان من المفروض عليه ان يتجنب هذا الخصلة المرذولة، وان يُبيض صفحته المضبضبة والمشوهة سابقا بسبب إنجرافه كليا مع سياسة المالكي خلال حكم الأخير الأسود، والذي ما يزال الشعب العراقي يدفع فاتورته المكلفة، مع إنه أي الشعب، إنتخب المالكي للمرة الثالثة في واحدة من أعاجيب الدنيا.

ليس أمام العبادي ومن راهن عليه وهو يعلم إنه راهن على الحصان الخاسر الا طريقين، أما ان يخرج من تحت جلباب المالكي وينظف أدرانه من قاذورات الماضي القريب، ويصارح الشعب بكل الحقائق، وبما له وبما عليه، والشعب العراقي من هذه الناحية نائم ورجله في الشمس أي لا خشية منه! أو ان يكن عند حسن ظن الجميع فيعترف بفشلة ويستقيل من الحكومة! إن بائع كبة ناجح في لندن أفضل وأشرف من رئيس حكومة فاشل في العراق.

سوف نبدأ من الحلقة الأخيرة في مسلسل كذبات العبادي متجاهلين الكذب الذي يتعلق بسيرة دراسته وعمله في لندن. مكتفين بعتاب أحد زملائه في لندن " لم أجد عنوان اطروحة باسمك، ولم اجد اي اثبات لإدعاءك بحيازة شهادة الدكتوراه التي نسيت ان ملفات الشهادات مفتوحة على الانترنيت و يمكن لأي شخص في دول الكومنولث الاطلاع عليها و انا اعيش في اكبر دولة من دول الكومنولث استراليا و لدينا مداخل لاسماء خريجي الدراسات العاليا في عموم المملكة المتحدة". وسوف نتجاهل أيضا آخر كذباته عندما صرح للصحفيين في (بلير هاوس) في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بأنه لا منطق من حرب عاصفة الحزم، وأن البيت الأبيض يشاطره قلقه حول أحداث اليمن، فإنتفض (اليستر بانسكي) الناطق بإسم مجلس الأمن القومي من كرسيه ليرد بأقصى سرعة " الرئيس أوباما لم ينتقد عمليات السعوديين ولا مجلس التعاون الخليجي في اليمن، بل أن الرئيس نقل لرئيس الوزراء العراقي رغبته في عدم تحول النزاع إلى حرب حدود، وأن النزاع سيتم حله في النهاية عبر المفاوضات السياسية". ولجهل العبادي بالأعراف الدبلوماسية فإنه لم يصرح في بيان لاحق بأنه أساء فهم الرئيس أوباما ويقدم إعتذاره عن غفلته. الحقيقة إن جميع زعماء حزب الدعوة لا يعرفون سياسة الإعتذار إلا لجانب واحد وهو إيران. وسبق أن أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي في 25/9/2014 "  أن العراق تلقى معلومات مخابرات ذات مصداقية بأن داعش يخطط لتنفيذ هجمات على شبكات المترو في باريس والولايات المتحدة". ونقلت وكالة رويترز عن (جون ميلر) المسؤول عن إدارة شرطة نيويورك قوله أن "مدينة نيويورك تعمل عادة عند مستوى عال من الأمن ونقوم بتعديل هذا الموقف يومياً استناداً إلى تقييمنا للمعلومات التي نتلقاها". لم يحدث شيء من هذا القبيل! ولم يوضح العبادي مصدر معلوماته المخابراتية الأممية، فإن كان مصدرها عراقي مثلا، عليه أن يوضح لنا  كيف تمكنت مخابراته من كشف هذه الخيبة الدولية، ولم تتمكن من معرفة خيبة سقوط الموصل وصلاح الدين بيد التنظيم!؟

1. زفٌ العبادي للعراقيين بشرى تحرير تكريت من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية وتسليمها للحشد الطائفي ليحرق وينهب ويدمر ويثأر للحسين بن علي وأبنائه من معاوية وأبنائه وأحفاده، ويعيد ترميم أضلاع فاطمة المكسورة، أي كأنك يا أبو زيد ما غزيت.

تجارب الحروب السابقة تنبه بأنه ليس المهم أن تحرر مكانا من العدو وتسلمه لمجرمين وقتلة ولصوص ليعبثوا به، لأن النتيجة واحدة. وفي أبجديات العلوم العسكرية، المهم في الحرب ليس تحرير الأرض بل مسكها، وليس النصر بل المحافظة عليه، وليس الهجوم بل إدامة الزخم. ومن البلاهة والسذاجة الإبتهاج المبكر، فقد تهب العاصفة من جديد وتقتلع كل ما أنجزته سابقا. فعلا فقد تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من جمع فلوله وفرض سيطرته ثانية على الكثير من أراضي تكريت التي لم تحرر كاملا كما إدعى العبادي! فقد أشارت مصادر  عدة إلى استمرار العمليات العسكرية بين القوات المسلحة والحشد الطائفي من جهة، وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى سيما في حي القادسية الذي يمثل أكثر من ثلث مساحة تكريت. وأشارت المصادر أيضا " إن الصور التي نشرت بشأن تحرير تكريت بالكامل لم تظهر سوى الجزء الجنوبي من المدينة فقط! حيث دخلت القوات من المدخلي الغربي والجنوبي، أما الأحياء الشمالية فلا زالت تشهد اشتباكات". والذي نود أن نلفت النظر اليه ان تحرير تكريت مجددا ليس من السهوله أبدا، بعد أن تبين للأهالي ان الحشد الطائفي لم يكن أكثر رحمة بهم من تنظيم الدولة الإسلامية، بل ربما البعض من المتضررين سوف ينضموا للتنظيم إنتقاما لما أصابهم من قتل ونهب وحرق وتدمير، او يدافعوا بإستماته عن ممتلكلتهم واعراضهم وأموالهم.

2. تعهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وفقا لتوجيهات البيت الأبيض، بمنع استخدام أجواء العراق لدعم أي من أطراف النزاع في سورية، وهذا الأمر له صفة دستورية أيضا فقد ورد في المادة الثامنة منه " يرعى العراق مبادئ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النـزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية". لكن العبادي لم يلتزم لا بالتوجيه الأمريكي ولا بالدستور، وإنما بتوجيهات ملالي إيران، سيما إن جزار دمشق على حافة الهاوية. الحقيقة إن تعيين باقري صولاغي كوزير للنقل بدلا عن هادي العامري زعيم ميليشيا بدر، وكلاهما من أزلام الولي الفقية يحمل بين طياته رفض العبادي تغيير سياسة سلفه المالكي بتسهيل مرور المرتزقة والسلاح الإيراني لدمشق عبر العراق.

وقد إعترف برلماني عراقي أن " إيران لم تستأذن العراق، في عبور طائرات تابعة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية (إيران آيرز)، محملة بالمئات من المقاتلين الأفغان والإيرانيين الى دمشق، بعد أيام من مغادرة مقاتلي مليشيا الخرساني العراقية الى دمشق، عبر مطار بغداد، بحجة زيارة السيدة زينب هناك. وإن ما لا يقل عن 500 مقاتل شيعي، سافروا من إيران الى دمشق عبر الأجواء العراقية، من بينهم نجل عضو بمجلس الشورى الإسلامي الإيراني، كان برفقته مقاتلون من الحرس الثوري الإيراني، ومصورون من محطة تلفزيونية إيرانية".

3. ذكر حيدر العبادي في23/2/2015 بأن " الحشد الشعبي ليست ميليشيات ومن يطلق ذلك فانه اما ان يريد خلط الاوراق او انه لا يفهم الامور! وأكد " عدم تسلمنا اي تقارير سلبية عن اداء الحشد ولم نسجل أي حساسية بين القوات الامنية والمتطوعين مع اهالي المناطق ونحتاج الى دعم الاعلام في هذا الجانب كونه يسهم في توجيه الرأي العام". حديث العبادي آنف الذكر يضم كذبتين لا واحدة:ـ

أولهما: إن الحشد الشعبي ميليشيا طائفية وليس جهة رسمية وقت تصريحه، لأنه بتأريخ 7/4/2015 صرح مصدر حكومي " ان مجلس الوزراء قرر في جلسته الإعتيادية المنعقدة اليوم تحويل هيئة الحشد الشعبي الى هيئة رسمية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة الذي يشرف على قيادتها و تنظيم عملها". وأضاف المصدر ان " المجلس قرر توجيه الوزارات بالتعامل مع هيئة الحشد الشعبي كهيئة رسمية ترتبط بشكل مباشر بالقائد العام للقوات المسلحة، وان كل الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي اخذت الصفة الرسمية". كما إن عقد مجلس الوزراء عقد جلسته الاعتيادية في 24/2/2015 برئاسة رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، واصدر الموافقة على تنفيذ مشروع بناء قدرات الحشد الشعبي المدرج في جدول الموازنة الاستثمارية استثناء من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014، وتعليمات تنفيذ الموازنة لعام 2015، والايعاز الى وزارة المالية لإطلاق مبلغ (60) مليون دولار. هذا البذخ الحكومي في ظل الوضع المالي السيء للعراق أثار دهشة القيادي في اتحاد القوى، محمد الجبوري بقوله " التخبط يبدو واضحاً على سياسات الحكومة التي قالت قبل أيام إنها ستضرب بيد من حديد المليشيات الخارجة على القانون، لكنها منحتها مبالغ مالية كبيرة تزيد من قدرتها على شراء الأسلحة والعتاد". كما كشف تقرير جديد أعدته بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بالتعاون مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة؛ عن انتهاكات فظيعة مارستها القوّات الحكومية والميليشيات التابعة لها تجاه المدنيين

ثانيهما: إن العبادي نفسه صرح بعد الهجوم على تكريت في  6/4/2015 " إن عدد المنازل والمحال التي تم التجاوز عليها حسب الأرقام التي وصلت من قيادة العمليات وأكدها محافظ صلاح الدين ورئيس مجلس المحافظة وقائد الشرطة هي 67 منزلا و85 محلا في تكريت، لكننا نعتبر هذه النسبة قليلة"!  لاحظ إن لم يستخدم كلمة القتل والثأر والحرق والنهب  والتدمير بل كلمة التجاوز! فمن الذي يخلط الأوراق يا عبادي؟

الطريف في هذا الأمر ما صرحت به المتحدثة باسم الخارجية الاميركية (جينيفر بساكي) بأن " العبادي جاد أكثر مما كانت عليه الحكومة السابقة، ويعترف بأن وجود تلك الميليشيات هو مشكلة حقيقية للعراق". لا تعليق على ملاحظة بساكي وقوة تحليلها!

ولنا محطة أخرى.