مؤتمر موسكو .. وحيلة عمرو
محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة
قد يكون في بعض الإسقاط التاريخي على واقعنا نوع من الإجحاف بحق تاريخنا ورجاله، ولكنه مهم إذا اتفقنا على أن التاريخ لاستخلاص الدروس والعظة والعبرة، لا للتقديس وتكرار الأخطاء، مع حفظ مكانة القامات التاريخية، ومع الفارق في قياس الحوادث.
وفي ضوء التحضيرات لمؤتمر موسكو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصالح الروسية والإيرانية في بلاد الشام، بعد أن وصل سوء حال عميلهم بشار وجيشه إلى حدّ لجوئه إلى تمثيليات مفضوحة في قصة زيارته التفقدية لجبهاته في حي جوبر الدمشقي، لرفع معنويات جنده ومؤيديه التي انحدرت إلى الحضيض!
في ضوء ذلك.. نستذكر حيلة عمرو بن العاص في معركة صِفِّين لإنقاذ جيش معاوية بن أبي سفيان، بعد أن كاد النصر يُحسم لصالح جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكيف تفتقت براعة عمرو عن حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح وصدور الخيل بزعم طلب التحكيم، ما تسبب في خلخلة صفوف جيش علي رضي الله عنه، الذي فطن للخدعة واعتبرها "كلمة حق أريد بها باطل" بعد أن كاد الحق يَغلب بالسلاح، ولكن تلك الحيلة فرقت جيشه وأضعفت قوته، وأرغمته إرغاماً على قبول التحكيم الذي لم يكن هو الآخر نزيهاً، وفيه تم اغتصاب الحق مرةً أخرى!
أوجه المقارنة واضحة لذي عينين.. مع فارق أن المعارضة السورية ليست في موضع تقدّم كبير يضعها في كفة جيش علي رضي الله عنه، إلا أن طبيعة الصراع بين نظام الأسد والثورة السورية تختلف باختلاف التشكيل العسكري لكل منهما، فلنظام الأسد جيش منظم يمتلك كل أنواع السلاح المؤثر، بينما لا تكاد تمتلك فصائل المقاومة الثورية حتى أسلحة دفاع متواضعة، فضلاً عن التشتت في صفوفها وانعدام التمويل، إلا أنها رغم ذلك تمكنت من استنزاف قدرات جيش النظام بالضربات الموجعة المستندة إلى أسلوب حرب العصابات، وبدا أن ذلك هو الأسلوب الأمثل الذي تمتلكه، حتى لو استغرق ذلك وقتاً أطول من المأمول، إلا أنه كفيل بتحقيق النصر واجتثاث النظام بكافة رموزه وأدواته وآثاره، وتلبية طموحات الثورة وأهدافها، وبلا مِنَّة ولا خضوع لأجندة أحد من "الوسطاء" أو "المنقذين".
الدعوة إلى مؤتمر موسكو هو حيلة عمرو مرةً أخرى، محاولة لإنقاذ شيء من نظام الأسد وما يحميه من مصالح أجنبية، ثم سيتبع ذلك خبث ومكرٌ في تقرير بنوده ورسم معالمه، ليتبع ذلك غدرٌ من النظام وتهرّب من استحقاقاته كالعادة.
والأنكى من كل ذلك.. أن من سيزعم تمثيل الطرف المعارض للنظام في هذا المؤتمر، لا يكاد "يمون" على أهل بيته! فضلاً عن أن يمثل معارضة بهذا التشتت وهذا التنوع!
الخيار الوحيد المتبقي أمام الشعب السوري.. هو متابعة العمل العسكري ولو بالإمكانيات الضئيلة الكفيلة باستمرار حرب الاستنزاف، وتجميع الجهود وتوحيد الكلمة، وعدم الالتفات إلى مثل هذه المبادرات التي تفرّق الكلمة وتعطل الإنجاز وتؤخر النصر، ولا تُطرح إلا حين يكون النظام في مأزق!