الناصرة، أمسية حول الشخصيّة الإشكاليّة
سعيد عقل
الناصرة - الموقد الثقافي: نظّمت دائرة المراكز الجماهيريّة في النّاصرة، وبلديّتها ومركز محمود درويش الثّقافيّ، يوم الأربعاء الماضي، أمسية أدبيّة، تمحورت حول "الشخصيّة الإشكاليّة، الشاعر سعيد عقل".
عقدت الأمسية في قاعة مكتبة "أبو سلمى" في الناصرة. قُدّمت من خلالها ثلاث محاضرات للأدباء، محمّد هيبي، عطا الله جبر والمشرف على إدارة هذا النّشاط، مفلح طبعوني. كما شارك فيها لفيف من المثقّفين والمهتمّين بالشّعر والعديد من الأدباء، برز من بينهم: الدكتور بطرس دلّة، الدكتور محمّد خليل، الأديب جودت عيد والشّعراء، سيمون عيلوطي، وفاء حزّان، يحيى عطا الله وغيرهم.
تولّى إدارة الأمسية، الشاعر مفلح طبعوني الذي قدّم مداخلة بعنوان: "العقل المسكون بالشّيطان"، جاء فيها: "لم تمرّ الذّكرى الألف لوفاة المتنبي في الجّامعة الأمريكيّة في بيروت، سنة 1965، بسلام بسبب سعيد عقل الذي شارك فيها مع بشارة الخوري (الأخطل الصّغير) وآخرين. استهلّ سعيد عقل محاضرته في تلك الاحتفاليّة بالإعراب عن استهتاره واستخفافه بالشاعر بشارة الخوري وبغيره من المشاركين" وأضاف: قام الجمهور ولم يقعد احتجاجًا على ما بدر من "عقل" الذي أجبر على ترك القاعة، فقام بعض الحضور بحمل بشارة الخوري على أكتافهم، تعبيرًا عن تضامنهم مع شاعرهم الذي أنشد:
(ومعشرٍ حاولوا هدمي ولو عقلوا ------- لكـــان أكثر ما يبنــون من أدبـــي
تركتهم فــي جحيمٍ من وساوسهم ------- ورحت أسحب أذيالي على السّحب)
تابع الطبعوني قائلاً: سعيد عقل يسكنه شيطان "زوربا". يلتهم لحم الأطفال المقهورين، خصوصًا الفلسطينيين منهم، يتصيّد الطّفولة الفلسطينيّة ليغتصبها مع أزيز الطائرات الإسرائيليّة وقاذفاتها.
بعد ذلك، تحدّث الأديب عطا الله جبر عن إشكاليّة الإنسان والشاعر عند سعيد عقل، مقارنًا بين إبداعه وشخصيّته، متوقّفًا عند جوانب عديدة من أوزان شعره، غنائيّته وطبيعة لغته العربيّة التي تنكّر لها، محاولا خلق إبداع بأحرف لاتينيّة بدلا من الحروف العربيّة، على مثال تركيّا - أتاتورك، مشيرًا إلى قصيدة "يارا" التي كتبها بأحرف لاتينيّة وقال: "القصائد التي تغنّى فيها بالشام وفلسطين، كتبها بناء على طلب من الأخوين رحباني، لكي تغنيها فيروز في المهرجانات الغنائيّة التي كانت تقيمها في دمشق، وكان لا بدّ من أن تخصّها بأغنية مثل:
(شامُ يا ذا السَّـيفُ لم يغبِ ------ يا كَـــلامَ المجدِ في الكُتُبِ
قبلَكِ التّاريــخُ فــي ظُلمــةٍ ------ بعدَكِ استولى على الشُّهُبِ)
أشار "جبر" بعد ذلك، أن شعر سعيد عقل لم يحظَ بدراسات أكاديميّة موضوعية. الدراسات القليلة التي تناولت شعره، لم تخرج عن العرض الانطباعي، سوى دراسة جادة واحدة، وهي أطروحة دكتوراه للباحثة، هند أديب.
ثمّ قرأ بعضًا من قصائد "عقل". اختار منها تلك التي ابتكر فيها الشاعر، سعيد عقل، أوزانا شعريّة جديدة.
أما النّاقد محمّد هيبي، فقد اعتبر في محاضرته، أنّ شخصيته سعيد عقل ليست إشكالية بقدر ما هي مزيج من المرض والتناقض، سواء كان ذلك في الشعر أو النثر أو الممارسة، وأن من ينظر إليه كشاعر، لا يثبت على موقفه الإيجابي منه، عندما يتعرّف على شخصيته الموبوءة بجنون العظمة، أو عندما يقرأ تاريخه مع التنظير السياسي أو يسمع دعوته إلى إبادة الفلسطينيين، أو إشادته ببطولة "بيغن" وجيشه الذي غزا لبنان عام 1982، كجيش جاء، لا ليستعمر ويدمّر، بل ليخلّص اللبنانيين من العنصرية الدموية الفلسطينية، حسب زعمه. وقال: سعيد عقل من ناحية، شاعر كبير، كتب بالعربية قصائد تستحقّ الثناء. تغنّى بلبنان والشام والأردن وفلسطين. وتغنّى، وهو الشاعر المسيحي، بمكة وأهلها والمسلمين جميعا، ولكنّه من ناحية أخرى، سجّل مواقفَ، كتابة وممارسة، جرّدته من مصداقيته، ونحن، الفلسطينيين بالذات، مهما تعالينا على الجراح، يظلّ علقم كلماته، يصمّ آذاننا ويحزّ في نفوسنا. لنا أن ننسى ونغفر إذا أردنا، ولكن لا يحقّ لأحد أن يعتب علينا إذا لم نفعل، لأنّ سعيد عقل رحل عن الدنيا ولم يُغيّر من نهجه شيئا، ولم يعترف بخطئه تجاهنا، ولم يعتذر عنه أيضًا.
الجدير بالذّكر، أن المحاضرات التي قدّمت في هذه الأمسية، فتحت أمام الحضور بابًا واسعًا للنقاش. تباينت فيه المواقف ووجهات النظر، بين معجب بشعر سعيد عقل ومتحفّظ من سياسته، وبين رافض لمواقفه الأدبية والسياسيّة جملة وتفصيلا وبين متردّد من اتّخاذ موقف من هذا الشاعر الإشكالي الذي فجّر في القاعة بين الحضور، نقاشًا إشكاليًا حادًا، لكنه لم يخرج عن أصول احترام الرأي، والرأي الآخر.