خمس سنوات ..
الضربة القادمة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
خمس سنوات مرت على احتلال العراق ، وسقوط عاصمة الرشيد ، وجلوس قادة الصليبية الجديدة على كرسي الرجل الذي كان يخاطب السحابة قائلاً : أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك . وهو الرجل ذاته الذي علّم الصليبيين الأوائل كيف يستحمون ، أو كيف يستخدمون الحمامات ، وكانت بغداد في عهد خلفه المأمون لا تعرف أمياً واحداً ولا أمية واحدة ، كما يقول " آدم ميتز " .
خمس سنوات ، تم فيها تدمير العراق وتفتيته ، وتشريد أربعة ملايين من أبنائه في أرجاء العالم ، وقتل مليون عراقي ، وترمّل نصف مليون زوجة ، وتيتم مليوني طفل ، عدا مليوني جريح ومعوق فضلاً عن انعدام الأمن ، وانهيار الخدمات فلا مياه ولا كهرباء ولا وقود ( في بلد يملك ربع احتياطي العالم من البترول ) ، وتراجع التعليم ، وتم قتل أكثر من ألفى أستاذ جامعي وتشريد بقية الأساتذة بالتهجير ، أو البقاء رهينة الخوف والجوع لدرجة بيع بعضهم مكتباته في شارع السعدون لشراء ما يمسك الرمق !
القيادة الصليبية الاستعمارية الهمجية ممثلة في الولايات المتحدة ، حرصت على تدمير التراث العراقي وسرقته ، وتكريس الأوضاع الطائفية والعرقية والمذهبية ، كي تبقى جاثمة مطمئنة على أرض الرافدين ، وتنزح ثروة العراق ، وتمنعه من بناء نفسه وقوته ، لتضمن لقاعدتها العسكرية في فلسطين المحتلة البقاء الآمن المحصّن !
كانت الولايات المتحدة ، قد هيّجت العالم قبل احتلال العراق ، لتسويغ ضربه وتدميره وإسقاط حكومته بذرائع متعددة : امتلاك أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية ، التحالف مع تنظيم القاعدة ، المشاركة في تفجيرات نيويورك وواشنطن ... وثبت بعد دخول القوات الأمريكية أرض العراق عدم صحة هذه الذرائع جميعاً ، فبدأ الحديث عن تحويل النظام العراقي من الاستبداد إلى الديمقراطية ، ذريعة جديدة ، وسقطت هذه الذريعة أيضاً .. ليظهر الدافع الحقيقي لاحتلال العراق ، وهو الاستيلاء على بتروله ، وسرقة تراثه الحضاري ، وتأمين الكيان النازي العدواني اليهودي في فلسطين المحتلة ؛ فضلاً عن استئصال الإسلام وتنصير المسلمين في العراق على المدى الطويل ، وكانت كتائب المنصّرين في مقدمة طلائع قوات الغزو الصليبي لأرض الرافدين !
يوم كان صدام حسين التكريتي نائباً لرئيس العراق في السبعينيات من القرن الماضي ، بدأ مرحلة بناء وتعمير للعراق ، فأنشأ المصانع والمدارس والجامعات ، ومدّ الجسور ، وقوى الجيش ، وأخذ يحل مشكلة شط العرب مع إيران باتفاقية الجزائر ، وصار العراق قوة يحسب لها حساب في المجال الإقليمي ، وحين صار رئيساً للجمهورية ، ونجحت الثورة الإيرانية في إسقاط الشاه ، ومثلت أملاً للشعوب المقهورة في الحرية ، ضحك عليه الأمريكان ، وأقنعوه بدخول حرب ضارية ضد الفرس المجوس (!) وزوّدوه – وإيران أيضاً – بالسلاح ، وشجعوه على صناعة المدفع العملاق ! ومع أن إيران بدت في السنوات الأولى للثورة والحرب مهيضة الجناح ، تعانى ويلات الهزيمة والانكسار ، إلا إن القوة الروحية التي بثها الإيمان في نفوس الإيرانيين جعلهم ينهضون ، ويصمدون ، ويقاومون ، واستطاعوا أخذ زمام المبادرة ، وهددوا البصرة ، ودخلوا أجزاء من جنوب العراق ، وصار الوضع العراقي حرجاً ، مما استدعى التدخّل المصري ، مع كل مواقف صدام العدوانية ضد القيادة المصرية آنئذ ، وتحسّن الموقف العسكري العراقي ، واستعاد المبادرة ، مما جعل " الخميني " يقبل وقف إطلاق النار ، ويتحدث بمقولته الشهيرة عن " تجرّع السمّ! " وما كاد الشعب العراقي الذي خسر كثيراً من أبنائه وثرواته ، يلتقط أنفاسه ، حتى دبّرت له أمريكا " فخ " الكويت وشجّعته السفيرة الجميلة " جلا سبى " على احتلال " الإمارة " المتغطرسة ، وصحا العالم فجر أول أغسطس 1990م على تحويل الكويت إلى المحافظة التاسعة عشرة من جمهورية العراق ، وهروب معظم سكانها إلى الدول المجاورة .. وكان الصيد الأمريكي الذي استعان بالعرب ، فضلاً عن الدول الصليبية ، ثميناً وغالياً ، وتم سحق القوات العراقية ، وحصار الشعب العراقي وحرمانه من حياته الطبيعية ، حتى الأدوية منعت عن مرضاه ، وظل الحصار ثلاثة عشر عاما حتى دقت جيوش الحلف الصليبي الوحشي أبواب بغداد عام 2003م ، واقتيد صدام إلى المشنقة ، وتولى العملاء حكم المنطقة الخضراء والدويلات التي انقسم إليها العراق التعيس !
ونشطت الصليبية الاستعمارية الوحشية ، ومعها قادة القاعدة الصهيونية في فلسطين المحتلة ، لتحقيق خططهم الشريرة في شتى أرجاء العراق ، والاستعداد لضربة أخرى ..
والضربة الجديدة تستهدف " إيران " التي حققت إنجازات مهمّة في بناء قوتها العسكرية والصناعية والزراعية ويستعد التحالف الصليبي الصهيوني لتوجيه ضربة قاصمة يضمن بها امتلاك قوس البترول بدءًا من بحر قزوين ( حيث يسيطر على أفغانستان الناشز ) إلى الخليج المطيع ، مروراً بإيران المزعجة التي ما زالت مستعصية عليه ، وعلى الاستسلام لإرادته .
وتقول الأنباء إن هذا التحالف الشرير سيوجه ضربته القاصمة لإيران هذا الشهر ( إبريل 2008 م ) أي بعد خمس سنوات كاملة من احتلال العراق ، وقد أعد المسرح العسكري والدولي إعداداً جيداً للبدء في توجيه الضربة ، فقد رصدت المخابرات الروسية سلسلة من النشاطات والتحركات العسكرية الأمريكية في المناطق المتاخمة للحدود العراقية الإيرانية . ووجود استعدادات عسكرية أمريكية جدية مشابهة لاستعدادات غزو العراق عام 2003م مع تزايد حجم الوجود البحري الأمريكي ونوعه في مياه الخليج العربي طوال الشهور الماضية ، فقد وصلت السفينة الحربية الأمريكية " سينس " وعلى متنها 3200 عنصر ، وتجهيز 800 طائرة إف 16 ، إف 1 للمشاركة فى الهجوم ، وثماني بوارج حربية أمريكية تعمل فى مجال الدعم والإسناد ، وأربع غواصات نووية ، ومجموعة من بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ .. فضلاً عن مشاركة " القاعدة الصهيونية " والحلفاء الصليبيين بإمكاناتهم العسكرية واللوجيستية المؤثرة ، وخاصة القاذفات والمقاتلات والصواريخ !
تدمير إيران هدف استراتيجي فوق إرادة بوش أو أي حاكم أمريكي لأنه إستراتيجية صليبية وصهيونية تهدف إلى السيطرة العسكرية والاقتصادية والثقافية على الشرق الأدنى كله ، وبالطبع فإن الوحشية الصليبية الصهيونية لا تبالي بالدماء والخراب والموت ، ولكنها معنية بإخضاع المنطقة كلها والقضاء على بؤر المقاومة فى فلسطين ولبنان ، وقد نجحت فى تمهيد المنطقة لصراعات عرقية وطائفية ومذهبية مذ وصلت قواتها إلى المنطقة الخضراء فى بغداد ، فضلا عن خلق نخب خائنة من المثقفين والإعلاميين والإداريين يدينون لها بالولاء الكامل والمطلق ، ولو جاء ذلك على حساب أمتهم وأوطانهم وشعوبهم ، ووجودها ومستقبلها !
والأيام حبالى بما هو مجهول أو معلوم !