اتركوا هيثم المالح يخرج من السجن
مرفوع الرأس كما دخله!
الأستاذ هيثم المالح
د. طارق أبو جابر
كاتب سوري
كم يطيب لي عند ذكره أن أنشد قول الشاعر:
حدثوني عن الرجال حديثا أو صفوهم فقد نسيت الرجال
من كان يجرؤ على الحديث من داخل سورية عن عشرات آلاف المفقودين في السجون السورية قبل هيثم المالح ؟ من كان يجرؤ على الحديث عن عشرات آلاف المنفيين خارج سوريا ، أو عشرات آلاف المجردين من حقوق المواطنة داخل سوريا ، قبل هيثم المالح ؟ من كان يجرؤ على الحديث عن قانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية الغريبة العجيبة ، والسلطات غير المقيدة أو المحدودة لأجهزة النظام القمعية قبل هيثم المالح ؟
لا أعرف أحدا تحدث عن هذا أمام العالم ، على قناة الجزيرة وغيرها ، تصريحا غير تلميح ، وحاكم ذلك من وجهة نظر قانونية وحقوقية وإنسانية ، قبل شيخ الحقوقيين والأحرار في العالم هيثم المالح ، الرجل العالم الخبير الجريء المقدام الذي جهر بالحقيقة - حقيقة النظام - وأماط اللثام عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها – النظام – وفضح النهج القمعي الذي ينتهجه – النظام - والذي كان المستمع إليه يتساءل : هل حقا هذا الشيخ يتكلم بهذا الكلام من داخل سورية ؟! والذي كان يعرف جيدا جيدا ، عواقب هذه المهمة التي نهد لها ، والقضية التي منحها عمره ، وهي قضية وطنه وشعبه وأمته ، وقضية الإنسان الحر المسحوق الممحوق في هذا البلد المنكوب بهؤلاء الحكام ..
لقد راعني أن أجد من يوجه رسالة يستعطف بها المستبد لـ (يعفو) عن هيثم المالح ، ثم : من يعفو عن من ؟! أيرضى هيثم المالح أن يطلب له السماح من مستبد ؟ أتظنون أيها الشفوقون ، وأنتم شفوقون حقا ، أن هيثم المالح متضايق من السجن ، ويريد أن يخرج للنقاهة ، ليمضي أواخر أيام حياته على الفراش الوثير ، مع أنه يستحق أن يحمل بالراحات ، و يرفع على الرؤوس ؟! ارفـقوا بهذا الرجل واتركوه يواصل قضيته ، أو إنكم لا ترون أن نضاله داخل السجن يعدل أضعاف نضاله خارج السجن ، إن الذين عرفوا هيثم المالح ،وعرفوا القضية التي يناضل من أجلها ، وتعاطفوا معه بعد أن سجن ، أضعاف الذين عرفوه وعرفوا قضيته ، وتعاطفوا معه قبل أن يسجن ، وإن السجن أو القتل ، أو التشريد ، أو التنكيل لازمة منطقية عند هؤلاء الحكام ، لمن يحمل قضية شعبه العادلة ويدافع عنها , ويتصدى للطغاة ، ويكشف حقيقتهم ، ويناضل من أجل ردعهم ، وهو هدية الطغاة إلى المناضلين والأحرار، في الدنيا ، وهو تاج للأحرار يتوجون به نضالهم وكفاحهم وجهادهم .. أو إنكم تظنون أن هيثم المالح لم يكن واعيا ومدركا لهذه النهاية ؟ وايم الله لو لم يقبض هذا النظام على هيثم المالح ، ويرمى به داخل السجن مع اللصوص والمجرمين ، لظننا به الظنون .. على الرغم من معرفتنا بالرجل وتاريخه الناصع الزاهي النظيف .
أتستعطفون باسم الرجولة الذين لا يملكون ذرة من رجولة ، تمكنهم من الخروج من وراء الدبابات ، ليواجهوا الشعب المنكوب بهم ؟ أرجولة يفتخر بها الحاكم ، أن يواجه شعبه من وراء دبابة ! أرجولة يفتخر بها الحاكم أن يدفن أحرار شعبه في مقابر الأحياء أو الأموات ، أو ينكل بهم ، ويشردهم في الأصقاع والبلدان ؟
اتركوا هيثم المالح يخرج من السجن شامخا مرفوع الرأس ، كما دخله شامخا مرفوع الرأس رغم أنف المستبد ، بعد أن يدرك المستبد ، أنه بسجنه وتنكيله بهيثم المالح وأمثاله من الوطنيين الأحرار، يفضح نفسه بنفسه ، ويعجل بنهايته وزواله ومحاكمته .. انشروا قضية هيثم المالح ، التي هي قضية شعب سوريا ، وقضية الأحرار في كل مكان على أوسع نطاق ، وفي كل صعيد ، واجعلوها همسكم وجهركم ، وخبزكم وماءكم ، ونفسكم وهواءكم .. ودللوا من خلاله على المأساة الفظيعة التي يعيشها شعب هيثم المالح ، ولا تفرطوا بهذه الهدية التي قدمها لكم النظام الذي التقط هيثم المالح ورمى به ، كما التقط غيره من الأحرار ليتخلص منهم .. ثم ليكونوا حزنا له وحسرة .. وكذلك يجزي الله الظالمين .