إيران بين التراجع والتشدد
وتدخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية
تابع البرنامج النووى الإيرانى:
(1)
طهران تتراجع ثم تتشدد
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
فى 15 يوليو 2003 أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني غليا مالي خوسر أثناء زيارته لموسكو ان بلاده تحبذ توقيع بروتوكول إضافي يسمح للمفتشين الدوليين بالقيام بعمليات تفتيش أكثر صرامة ، لكن ذلك لن يتم إلا بعد توضيح حقوق كل من إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية . كما شدد خوسر على أن إيران غير ملزمة في الوقت الراهن إلا بقبول عمليات تفتيش يتم الترتيب لها مسبقا للمواقع التى أعلن عنها.
وفيما يتعلق بالتهديدات الأوربية لإيران أعلن حميد رضا أصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية فى 20 من يوليو 2003 أن ايران لن تقبل في مفاوضاتها أن يفرض عليها الطرف الآخر شروطا أو أن يستخدم لهجة التهديد ( يقصد بذلك التهديد الاوربى ) . وفى 22 يوليو 2003 أعلن وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي أن إيران ستقرر موقفها من بروتوكول التفتيش المفاجئ على منشآتها النووية ، وذلك بعد الاستماع إلى خبراء قانونيين من الوكالة الدولية للطاقة النووية الذين تمت دعوتهم لزيارة طهران .
فى نفس الوقت طالب نائب الرئيس الإيراني للشؤون النووية غلام رضا أغا زاده من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تكون أكثر دقة فيما يتعلق بمطالبها من إيران.
واشنطن تحذر النظام الإيراني:
فى 23 يوليو 2003 حذرت واشنطن من اتباع طهران لسياسة التلكؤ والمماطلة ووضع العراقيل . وشددت الادارة الامريكية على استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران بدعوى أن الأخيرة تسعى الى تطوير ترسانتها من أسلحة الدمار الشامل بما فى ذلك سعيها لانتاج السلاح النووي ، اضافة الى تشجيعها للإرهاب وعرقلة عملية السلام فى الشرق الأوسط . واكدت واشنطن أنها ستسعى للحد من نفوذ ايران فى آسيا الوسطى ، اضافة الى ممارسة كافة الضغوط عليها فى منطقة بحر قزوين للحد من استفادتها بثروات هذه المنطقة . وهددت واشنطن بأنها ستعمل على إثارة الخلافات بين ايران ودول بحر قزوين بما يضعف من القوة الإيرانية فى تلك المنطقة الهامة بالنسبة لإيران .
تشدد إيراني ضد الولايات المتحدة:
فى 28 يوليو 2003 أعلن حميد رضا أصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن ايران لا تعتزم الانسحاب من معاهدة نزع الأسلحة النووية. جاء ذلك بعد ان أعلن محمد رضا بهونار أحد المسئولين السياسيين المحسوبين على التيار المتشدد بأن الضغوط الخارجية على ايران سوف تجعلها فى النهاية تنسحب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. إلا أن أصفي قلل من هذه التصريحات بالقول أن هناك اختلاف في الرأي وهذه قواعد الديمقراطية. لكن فى 4 أغسطس 2003 قال عبد الله رمضان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي يملك القرار الفصل في قبول أو رفض طهران عمليات التفتيش على المنشآت النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية . واكد رمضان على أن قرار الانضمام إلى البروتوكول الإضافي سيتقرر بناء على المصالح الوطنية التى يقررها المجلس الأعلى للأمن القومي ( يتكون هذا المجلس من كبار قادة البلاد ومعظمهم من المحافظين المتشددين) ، وشدد على أن هذا القرار لن يكون نافذا إلا بعد موافقة المرشد الأعلى .
اتهامات أمريكية بقيام ايران باستقطاب علماء الذرة العراقيين:
فى 5 أغسطس 2003 أعلنت الادارة الامريكية أن ايران جادة فى إنتاج أسلحة الدمار الشامل ، واشارت فى ذلك الى تقرير للاستخبارات الامريكية يفيد بأن طهران سعت جاهدة لاستقطاب العلماء العراقيين الذين كانوا يعملون فى برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية أثناء حكم صدام حسين . واوضح التقرير أن فيلق بدر ( الشيعي) العراقى والذي كانت تأويه ايران قبل الغزو الامريكى للعراق فى 20 مارس 2003 قد لعب دورا هاما فى تعاونه مع قادة الجيش الإيراني خاصة فى مجال هروب علماء الذرة العراقيين من نظام صدام حسين والتوجه الى ايران عبر المناطق القبلية الواقعة شمال شرق بغداد الى مناطق الحدود، ومنها الى الأراضي الإيرانية حيث تم لقاءهم بكبار المسئولين بالجيش الإيراني الذين عرضوا عليهم التعاون مع القوات الإيرانية . وذكر التقرير أن ايران كانت تركز على كافة التخصصات وخاصة العاملين فى مجالات الوقود الصلب للدفع الصاروخي وتكنولوجيا الصواريخ التى حققت فيها العراق تقدما ملموسا . وقد ذكر التقرير اختفاء علماء عراقيين بارزين مثل اللواء صادق صبيح والدكتور مظهر صادق التميمى وغيرهم . ويشير التقرير الى تواجد عشرات العلماء من خارج ايران وخاصة من كوريا الشمالية وباكستان وروسيا والصين وغيرها .
************
(2)
الوكالة الذرية تحذر إيران
خاتمي يعلن إصرار طهران على مواصلة البرنامج النووي:
فى 6 أغسطس 2003 بدأ خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية محادثات في إيران بشأن إمكانية إخضاع المنشآت النووية الإيرانية للتفتيش المفاجئ عليها من قبل مسئولي الوكالة (أى توقيع ايران على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي ) . ووصفت مصادر إيرانية المحادثات التي جرت بأنها إيجابية وبناءة. فى نفس الوقت واثناء وجود خبراء الوكالة الدولية بإيران نفى الرئيس الإيراني محمد خاتمي بشدة الاتهامات الأميركية لبلاده بأنها تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل . وأكد أن بلاده لن توقف برنامجها النووي المخصص لأغراض سلمية. وأوضح خاتمي أن إيران تعارض تماما أي شكل من أشكال أسلحة الدمار الشامل ، كما أنها تدين أي ادعاءات كاذبة لا أساس لها عن أن إيران تنتج أسلحة نووية . وأضاف أن ايران لن تعدل عن التقنية النووية التي تشكل إحدى دعائم قوة الشعب. وهاجم الرئيس الإيراني بشدة الولايات المتحدة وإسرائيل واتهمهما بمحاولة إثارة مشاعر العداء تجاه إيران. وانتقد خاتمي الإدارة الأميركية الحالية ووصفها بأنها على استعداد مستمر لخوض الحروب.
الوكالة الدولية تحذر من قيام ايران بتطوير أسلحة نووية:
فى 27 أغسطس 2003 أشار تقرير سري لوكالة الطاقة الذرية(تم تسريبه للإعلام الامريكى ) إلى إمكانية قيام ايران بتطوير أسلحة نووية. وأوضح التقرير أن الدلائل التي جمعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال عمليات التفتيش التي أجرتها بطهران مؤخرا تشير الى تورط شركات باكستانية قامت بتزويد طهران بالتقنية اللازمة ، اضافة الى مواد أساسية لتخصيب اليورانيوم . كما كشف تقرير الوكالة عن اعتراف إيران للمرة الأولى بتلقيها مساعدات خارجية هامة للغاية في بناء منشأة نووية سرية جنوبي طهران . وأوضح التقرير أن هذه المنشأة بدأت الآن في تخصيب اليورانيوم ليصبح جاهزا كمكون أساسي في صنع سلاح نووي. ولم تكشف إيران (حسبما جاء فى التقرير) عن مصدر المساعدة الخارجية التي تلقتها ، لكن الأدلة التي جمعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال عمليات التفتيش التي أجرتها هناك أشارت إلى تورط شركات باكستانية وأخرى أسيوية .
هذا ولقد تزامن الكشف الأخير مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أن إيران لم تستجب سوى جزئيا لمطالب الوكالة بفتح منشآتها النووية أمام عمليات التفتيش، وهو الأمر الذي أكد مخاوف الوكالة من أن إيران تطور سرا أسلحة نووية، حسب ما جاء في التقرير.
ضغوط إسرائيلية:
فى 3 سبتمبر 2003 أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلى شارون اعتزام بلاده وقف خطر البرنامج النووي الإيراني الذي بات يهدد أمن اسرائيل القومي . فى نفس الوقت تم تسريب تقرير لشعبة الاستخبارات بهيئة الأركان الإسرائيلية يشير الى ان ايران ستصل بعد عام الى نقطة اللاعودة حيث تستطيع إنتاج المادة المشعة اللازمة لصناعة القنابل النووية ، وانه بحلول عام 2006 ستحوز ايران على السلاح النووي القابل للاستخدام . فى نفس الوقت أشار التقرير الاسرائيلى الى رفع القدرات الاستراتيجية للقوات الجوية الإسرائيلية لتوجيه ضربة جوية لأهداف إيرانية . (يذكر أن اسرائيل خصصت منذ عشر سنوات عدة ملايين من الدولارات لشراء الطائرات والمعدات والأجهزة اللازمة لضرب المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية ، وقد أعلن قادة وجنرالات اسرائيل اكثر من مرة حول طبيعة ذلك المشروع ) . وتقوم اسرائيل حاليا بالتدريب على تلك المهمة الجوية مستخدمة فى ذلك طائرات من طراز (اف-15 )، و (اف-16) .
طهران ترفض تقديم تعهدات بتوقيع بروتوكول التفتيش:
فى 8 سبتمبر 2003 أعلن مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أكبر صالحى أن بلاده لن تقدم تعهدا بالتوقيع على البرتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي، لكنها قد توقع عليه قريبا. فى نفس الوقت شددت الحكومة الإيرانية على حسن نواياها في التعاون مع الوكالة الدولية حيث طلبت من الوكالة أن تأخذ مخاوف طهران في الاعتبار. وفى هذا السياق جدد الناطق باسم حكومة طهران عبد الله رمضان زاده التأكيد على أن البرنامج النووي الإيراني هو لأغراض مدنية محضة. وطلب رمضان من مجلس أمناء الوكالة عدم تسييس مسألة البرنامج النووي الإيراني خاصة وان ايران أبدت التعاون الضروري مع وكالة الطاقة وعرضت مواقفها بوضوح وشفافية كما سمحت للمفتشين الدوليين بزيارة مواقع المنشآت النووية داخل ايران .
الوكالة الدولية تطالب ايران بمزيد من الشفافية:
وفى 9 سبتمبر 2003 طالب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي من الحكومة الإيرانية ضرورة إبداء شفافية تامة في تعاملها مع الوكالة بخصوص برنامجها النووي. ودعا البرادعي طهران قبيل افتتاح أعمال مجلس الأمناء الى الإجابة عن كل التساؤلات المطروحة بخصوص برنامجها المتعلق بتخصيب اليورانيوم وكشف كل أنشطتها المتعلقة بهذا المجال. فى نفس الوقت استبعدت الوكالة الدولية أن يقرر مجلس الأمناء إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي خاصة وان مشروع واشنطن لا يتمتع بتأييد كاف داخل مجلس أمناء الوكالة ، وهو المشروع الخاص بأن طهران لا تلتزم بتعهداتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.
مزيد من الضغط الامريكى على ايران:
وفى 10 سبتمبر 2003 تقدمت واشنطن بمشروع قرار الى مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية . ويطالب المشروع إيران بأن تجيب على جميع الأسئلة المعلقة بشأن برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم وأن توقع حكومة طهران على البروتوكول الإضافي الذى يتيح إجراء عمليات تفتيش مفاجئة وأكثر تدقيقا لمنشآتها النووية. وقد أخذت واشنطن تضغط في المناقشات المغلقة لمجلس الأمناء الذي يضم 35 عضوا لاتخاذ موقف متشدد تجاه إيران بشأن برنامجها النووي وقبول التفتيش المفاجئ لمنشآتها النووية. فى نفس الوقت هاجمت مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس حكومة طهران بشدة ووصفت ايران بأنها مصدر للإرهاب وتمثل مشكلة صعبة ليس فقط للولايات المتحدة فحسب بل ولبقية العالم . وشددت كوندوليزا على أن واشنطن ستواصل مطالبة الحكومة الإيرانية بتسليم الإرهابيين الذين تحتجزهم من تنظيم القاعدة . وطالبت بضرورة اتخاذ كافة التدابير حيال هذا البلد بعد قيامه بإنشاء برنامج سرى لصناعة أسلحة نووية .
وفى 11 سبتمبر 2003 واصلت الادارة الامريكية ضغوطها على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكي تصدر قرارا يمنح إيران مهلة حتى 31 من أكتوبر 2003 لإثبات أنه ليس لديها برنامج سري لصنع أسلحة نووية . وقد أيدت أكثر من عشرين دولة حليفة للولايات المتحدة بالوكالة هذا القرار، ومن تلك الدول اليابان وتركيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الذين وافقوا دون قيد أو شرط على مسودة القرار الذي صيغ بعبارات قوية تطالب إيران بالامتثال الكامل لمعاهدة حظر الانتشار النووي وإلا واجهت حكومة طهران عقوبات اقتصادية من قبل مجلس الأمن .
روسيا توافق باستحياء على المشروع الامريكى:
وفى نفس اليوم (11 سبتمبر 2003 ) وافقت روسيا على إستحياء على مشروع القرار الامريكى ، وأكدت لواشنطن أن أقصى ما يمكنها عمله هو عدم التصويت ضد القرار الامريكى . وقال مسؤول بوزارة الطاقة الذرية الروسية في موسكو أن روسيا لا تريد إثارة حكومة طهران دون داع وأنه يجب إعطاء إيران مجالا للمناورة حتى لا يتم دفعها نحو ركن الحائط مثل كوريا الشمالية مما يجعلها تضطر الى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. فى نفس الوقت طالبت روسيا من الولايات المتحدة تخفيف لهجة القرار الصادر من مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى لا يضر ذلك بصفقة روسيا مع إيران لبناء محطة كهرباء تعمل بالطاقة النووية في بوشهر، وهو مشروع يؤدي لتوفير 20 ألف وظيفة في روسيا.
الوكالة الدولية للطاقة تؤيد مشروع القرار الامريكى:
وحول موقف الوكالة من المشروع الامريكى فقد أكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أنه يوجد اتفاق واسع النطاق بين أعضاء مجلس المحافظين بالوكالة يؤيد منح طهران مهلة حتى 31 أكتوبر 2003 للكشف عن كل تفاصيل برنامجها النووي. (يذكر أن خمس عشرة دولة فقط عارضت المشروع الامريكى وهم أعضاء بالوكالة الدولية وأعضاء أيضا بحركة عدم الانحياز) . فى نفس الوقت أشارت مصادر الوكالة الدولية الى أنه فى حال ما إذا قرر أعضاء مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنهم أصبحوا غير قادرين على التحقق من أن البرنامج النووي الإيراني لا يستخدم للأغراض السلمية فسيكون علي مدير الوكالة ضرورة إبلاغ مجلس الأمن الدولي بذلك مباشرة وسوف يقوم الأخير بدوره بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على إيران.
ايران ترفض مشروع القرار الامريكى وتحذر:
فى 12 سبتمبر 2003 رفض علي أكبر صالحي سفير إيران لدى وكالة الطاقة الذرية فكرة إعطاء ايران مهلة حتى 31 أكتوبر للكشف عن برامجها النووية . وقال : إن القرار الذى اتخذته كل من فرنسا وألمانيا بالانضمام إلى الدول التي وافقت على مشروع القرار الامريكى يعد محاولة واضحة للتودد إلى واشنطن على حساب ايران ، وذلك على الرغم من ان باريس وبون رفضتا تأييد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق . فى نفس الوقت ذهب وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي إلى مدى أبعد وقال : إن إيران ستضطر إلى إعادة النظر في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا حرمت من برنامجها النووي للأغراض السلمية.
من جانبه حذر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران من اعتماد منطق القوة في التعامل مع الملف النووي الإيراني. وقال : يجب على جميع المعنيين أن يتحملوا مسؤولية العواقب الوخيمة المترتبة على استخدام منطق القوة في التعامل مع الملف النووي الإيراني وما يتبع ذلك من ضغوط غير منطقية .
وفى 13 سبتمبر 2003 أعلنت إيران رسميا أنها تعيد النظر حاليا في تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن البرنامج النووي الإيراني. وصرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا أصفى أن بلاده تدرس حاليا طبيعة التعاون مع الوكالة . وأكد على عدم التوصل إلى قرار نهائي بهذا الشأن حتى الآن. ويأتي ذلك ردا على المهلة التي منحتها الوكالة لطهران حتى نهاية شهر أكتوبر 2003 لإبداء مزيد من التعاون في الكشف عن الحقائق المتعلقة ببرنامجها النووي.
وفى 14 سبتمبر 2003 حذرت الحكومة الإيرانية في هذا السياق من أنها قد تحذو حذو كوريا الشمالية وتنسحب من اتفاقية حظر الانتشار النووي. وقال سفير إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي أن قرار هيئة الوكالة بإمهال إيران حتى نهاية الشهر المقبل يظهر أن واشنطن تعتزم غزو إيران كما فعلت مع العراق. (يذكر أن قرار مجلس أمناء الوكالة يطالب طهران بالكشف عن برامجها السرية ، وايضا وقف برنامج تخصيب اليورانيوم والكشف عن مدى تطوره واستخدامه فى التسلح النووي ، اضافة الى ضرورة توقيع طهران على البروتوكول الإضافي الذى يسمح بعمليات تفتيش مفاجئة على المنشآت النووية الإيرانية ) .
ولكن فى 15 سبتمبر ( اى بعد 24 ساعة من تحذير ايران بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ) أعلن رئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانية غلام رضا آغا زاده في الاجتماع السنوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا أن إيران ستواصل محادثاتها مع الوكالة بشأن توقيع بروتوكول إضافي يسمح بعمليات تفتيش مفاجئة للمنشآت النووية الإيرانية( وهو ما يثير العدد من علامات التعجب والإندهاش على العلاقات الخلفية بين طهران ودول الغرب عامة وليس واشنطن فقط) .
الوكالة الدولية تحث ايران على التعاون:
فى نفس التوقيت ايضا (15 سبتمبر 2003) حث المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي حكومة طهران على أن تثبت للعالم أن برنامجها النووي خاص للاستخدام فى الأغراض السلمية . وقال البرادعي خلال المؤتمر السنوي الـ 136 للوكالة : من المهم والملح إغلاق ملف كل القضايا الهامة خاصة تلك المتعلقة باليورانيوم المخصب بأسرع ما يمكن . وشدد البرادعى على ما ورد في قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مطالبة إيران بإزالة كل الشكوك المثارة حول برنامجها النووي بحلول يوم 31 أكتوبر ، ووقف كل أنشطة تخصيب اليورانيوم وإلا تعرضت لعقوبات تفرضها الأمم المتحدة.
************
(3)
الدول العربية تطالب الوكالة الدولية بمراقبة
البرنامج الاسرائيلي وطهران تتراجع
ومع تصعيد المسألة الإيرانية شهد المؤتمر الـ 136 فى 15 سبتمبر 2003 وعلى غير المتوقع قيام الدول العربية المشاركة فى مجلس الأمناء بزعامة ايران بإدراج البرنامج النووي الإسرائيلي على جدول أعمال الاجتماع للمرة الأولى وذلك فى سابقة تعد الأولى من نوعها(بالنسبة للجمهور العادى وليس المراقبون المقربون من الحدث ) . يذكر انه عند مناقشة المسألة النووية الإسرائيلية ساد جدل شديد مما جعل مجلس الأمناء يرجئه الى وقت آخر ، وهو المطلوب . ففى هذا الإجتماع رفضت إسرائيل التوقيع على معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970 ، ولم تسمح بإخضاع برنامجها النووي لإشراف الوكالة. فى الوقت نفسه شددت الدول العربية على خيبة أملها فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي صمتت طويلا عن البرنامج النووي الإسرائيلي وذلك فى الوقت الذى تأخذ موقفا رادعا ضد كل من العراق وإيران وغيرهما.
وحول المسألة النووية الإسرائيلية شكك المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي في إمكانية إحراز تقدم فيما يخص موضوع جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وشدد على أن هذا الموضوع مرتبط بتسوية سياسية في المنطقة.
طهران ترغب في تجنب نقل ملفها إلى مجلس الأمن:
فى 16 سبتمبر 2003 أعلن ممثل إيران الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية السفير علي أكبر صالحي أن طهران لا ترغب في نقل ملف برنامجها النووي إلى مجلس الأمن . وأكد انه لو حدث ذلك فسوف يصبح الموضوع أكثر تعقيدا في نيويورك . ورفض صالحي ازدواجية المعايير حيث يتهم المجتمع الدولي إيران، في حين يتغاضى عن الملف النووي الإسرائيلي الموضوع حاليا على جدول أعمال اجتماعات فيينا الحالية. جاء ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه الرئيس الإيراني محمد خاتمي أن بلاده لن تتخلى عن برنامجها النووي السلمي، مشيرا إلى أن امتلاك التكنولوجيا ومنها التكنولوجيا النووية جزء أساسي من رسالة الحكومة الإيرانية. وأكد خاتمي في اجتماع له مع مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني على أن إيران لا تريد الطاقة النووية لتدمير الآخرين . كما أعرب خاتمى عن قلقه إزاء اتهام الأمريكيين للآخرين(يقصد بذلك ايران) ، اضافة الى ممارسة الادارة الامريكية العدوان على الآخرين باسم محاربة الإرهاب. وشدد خاتمى على التزام بلاده بتعهداتها الدولية.
الموقف الروسي من شبكة الصواريخ الإيرانية:
فى 17 سبتمبر 2003 أعلنت أجهزة الأمن الروسية أنها أحبطت محاولة قام بها مواطن إيراني لشراء حصة من اسهم شركة (لانسر جوماشى) المتخصصة فى تصنيع التقنيات الفضائية الخاصة بمحركات الصواريخ . وكانت تلك الشركة الروسية قد حصلت منذ عدة سنوات على عقد لتزويد صواريخ (أطلس 3 ، وأطلس 5 ) الامريكية التى تستخدم لاطلاق الأقمار الصناعية ، وهى المحركات التى تستخدم فى دفع الصواريخ أثناء مرحلة الانطلاق الأولى . ويقارب سعر المحرك الواحد نحو عشرة ملايين دولار. يأتى ذلك فى الوقت الذى تقوم فيه روسيا بمساعدة ايران فى تطوير صواريخ شهاب وتحديدا ( شهاب 4، وشهاب 5) ، بالإضافة الى مشاركة ايران فى تطوير صاروخ (زلزال 3) .
كما تقوم روسيا والصين بمساعدة ايران فى تطوير صاروخ(SS-4)وهو الصاروخ المعروف فى حلف الناتو باسم (ساندال) حيث يتم تصنيعه فى المركز السري الخاص بتصنيع الصواريخ فى منطقة (باركين) قرب طهران ، ويبلغ مدى هذا الصاروخ نحو 2000 كيلو متر ( ويأمل الإيرانيون فى زيادة مداه الى 300 كيلومتر وذلك بمساعدة الخبرة الصينية).
حوافز أوروبية لإيران للتخلي عن برنامجها النووي:
فى 18 سبتمبر 2003 خرج تقرير من مقر الاتحاد الاوربى يشير الى قيام كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا بإجراء مباحثات مكثفة مع الحكومة الإيرانية حيث عرضت الدول الأوربية الثلاث على إيران صفقة تمثلت فى إمكانية حصول حكومة طهران على تقنية نووية متطورة للاستخدام السلمي مقابل تخليها عن برنامج تخصيب الوقود النووي ، ثم قيام الحكومة الإيرانية بالتصديق على البروتوكول الإضافي الخاص بعمليات التفتيش المفاجئة التى تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وذكر التقرير الاوربى أن وزراء خارجية الدول الثلاث قاموا بتسليم رسالة مشتركة إلى طهران بهذا الخصوص في أوائل أغسطس2003 رغم معارضة واشنطن لذلك. وأوضح التقرير الاوربى أن الدول الأوربية الثلاث لم تتلق حتى الآن (أى حتى 18 سبتمبر 2003) أي رد محدد من إيران ، ومع ذلك لا زال العرض الاوربى قائما على الرغم من تحديد الوكالة الدولية للطاقة الذرية مهلة لطهران تنتهي يوم 31 أكتوبر2003 لتثبت عدم امتلاكها برنامجا نوويا سريا.
روسيا تهدئ من مخاوف واشنطن بخصوص التعاون الروسي الإيراني:
في 19 سبتمبر 2003 حاولت روسيا أن تهدئ مخاوف واشنطن من تعاونها النووي مع إيران ، وذلك عندما أعلن وزير الطاقة الذرية الروسي الكسندر روميانتسيف بأن محادثات استكمال اتفاق التعاون النووي مع إيران قد يستغرق وقتا طويلا . وشدد على أن الشكوك الامريكية فى قيام ايران بتصنيع أسلحة نووية لا تستند الى دليل . جاء ذلك أثناء لقاء روميانتسيف مع وزير الطاقة الأميركي سبنسر إبراهام الذى حاول إقناع وزير الطاقة الروسي بانسحاب موسكو من مشروع بوشهر الذي يعد نقطة توتر فى العلاقات بين موسكو وواشنطن . ويذكر أن المحادثات الروسية الإيرانية دارت حول اتفاق ثنائي يمهد فور توقيعه الطريق أمام شحن وقود نووي روسي إلى محطة الطاقة الإيرانية في بوشهر التى يبلغ طاقتها ألف ميجاوات.
تباين المواقف الإيرانية الداخلية حول قرار الوكالة:
منذ إعلان الوكالة الدولية للطاقة بالموافقة على المشروع الامريكى الخاص بإعطاء مهلة لإيران حتى 31 أكتوبر 2003 والخلافات داخل ايران أخذت فى التصاعد التدريجي بين الأجنحة السياسية المتصارعة خاصة التيار المحافظ المسيطر على السلطة الإيرانية الذى يرى أن أميركا وإسرائيل هما السبب الرئيس وراء قرار الوكالة الدولية للطاقة المحدد المدة والذي طالب ايران بالرد سواء بالنفي أو الإيجاب . كما يرى التيار المحافظ ضرورة عدم إبرام البروتوكول الإضافي لأن فيه مذلة لإيران لانه سوف يفتح المجال للمفتشين الدوليين ليصولوا ويجولوا في أي بقعة داخل ايران بحجة التفتيش عن اليورانيوم المخصب ، كما يرون في ذلك تكرارا لما حدث في العراق والذي من شأنه أن يؤدى في النهاية إلى إسقاط النظام الإسلامي في إيران . ويؤمن التيار المحافظ إيمانا راسخا بأن الادارة الامريكية تسعى من وراء ما يطلقون عليه بسياسة المفاوضات وبناء الثقة ثم التجسس (عن طريق مفتشي الوكالة الدولية)على كل كبيرة وصغيرة داخل ايران خاصة القوات المسلحة الإيرانية ويهدف فى النهاية الى العمل على تفكيك قوة الردع الإيرانية ثم القضاء عليها نهائيا كما هو الحال فى اليابان وكوريا الجنوبية وايضا الاتحاد الاوربى الضعيف من الناحية العسكرية مقارنة بالولايات المتحدة . لذلك تطالب الشخصيات المتشددة مثل ممثل مرشد الثورة حسين شريعت مداري بانسحاب إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية خاصة بعد صدور قرار مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة فى 12 سبتمبر 2003 .
أما الجزء المعتدل فى التيار المحافظ والذي يوجد به شخصيات معتدلة مثل وزير خارجية إيران السابق والمستشار السياسي لمرشد الثورة علي أكبر ولايتي والمساعد الدولي لرئيس السلطة القضائية محمد جواد لاريجاني ، فان هذا التيار يدعو إلى حل وسط هو إبرام البروتوكول لكن بشرط رفع الحظر عن التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية في إيران. فى نفس الوقت يوجه الاصلاحيون أصبع الاتهام الى المحافظين المتشددين بأن محاولاتهم القضاء على الإصلاح السياسى وقمع الصحفيين والسياسيين وانتهاك حقوق الإنسان قد ساعد ذلك الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وإسرائيل على التنسيق ضد إيران .
وعلى الصعيد نفسه تطالب الأحزاب الإصلاحية والعلمانية بإبرام البروتوكول الإضافي وفقا لطلب مجلس الحكام ، بينما هناك شخصيات كالرئيس خاتمي ووزير خارجيته كمال خرازي تشارك المعتدلين من التيار المحافظ رأيهم في هذا المجال.
ونظرا لأن السلطة الإسلامية في إيران تعاني من الانقسام بين التيارات الحاكمة وكذلك تشعر بالحصار الأميركي المعادي لها ، اضافة الى سوء تدبير المتشددين وعملياتهم القمعية ضد الحركة الإصلاحية وهو ما ساعد على انتشار التذمر والاستياء بين فئات واسعة من الشعب الإيراني، كل ذلك أدى الى تمنى العديد من الشعب الإيراني بتدخل الولايات المتحدة الامريكية فى الشأن الإيراني الداخلي .
هذا ولقد اعتقد المراقبون أن كافة التناقضات الداخلية السابقة ستؤدى في النهاية الى قبول ايران بقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية .
ايران تتعهد بالتوقيع على البروتوكول الإضافي:
فى تطور غير متوقع أعلنت الحكومة الإيرانية فى أول أكتوبر 2003 عن تعهدها بالتوقيع على البروتوكول الإضافي . جاء ذلك بعد جدل شديد داخل النظام الإيراني خاصة بعد قيام وزراء خارجية كل من بريطانيا وفرنسا والمانيا بزيارة ايران . لكن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أكد أن القوانين الإيرانية تفرض الكثير من الخطوات والإجراءات قبل تنفيذ مثل تلك الاتفاقات . وأوضح مسئول الخارجية الإيرانية أن البروتوكول الإضافي سوف يعود بعد توقيع الحكومة عليه إلى البرلمان للموافقة عليه وهو إجراء متبع فى النظام الإيراني ، على أن يتم عرض البروتوكول بعد ذلك على مجلس الأوصياء الذى يسيطر عليه المتشددون حتى يأخذ دورته النهائية كى يصبح قانونا (طبقا للدستور الإيراني لابد من إقرار وتصديق كل من البرلمان ومجلس الأوصياء على اى اتفاق دولي قبل الشروع فى تنفيذه داخل الأراضي الإيرانية) . لكن فى 21 أكتوبر 2003 أعلنت الخارجية الإيرانية عن تأجيل عملية التوقيع على البروتوكول الإضافي نتيجة لوجود خلافات بين التيارين المتشدد والإصلاحي حول هذا الموضوع ، وأشارت الخارجية الإيرانية إلى أن إيران فى حاجة إلى مزيد من الوقت .