حول الرواية الإسرائيلية
بعدم وجود أزمة إنسانية في قطاع غزة!!!
عمر شعبان
رئيس بال ثينك للدراسات الاستراتيجية غزة
تحاول الحكومة الإسرائيلية من وقت لآخر تقديم روايات و تصريحات مختلفة لتبرير حصارها على قطاع غزة المفروض منذ ثلاث سنوات , فمرة تقول إنه عقاب لحركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة في يوينو 2007 , و مرة أخرى تزعم أنه لمنع دخول أسلحة أو منتجات يمكن أن تستخدم في تصنيع الأسلحة . وبعد انكشاف زيف هذه الروايات , فقد سوقت الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الماضية رواية جديدة تزعم فيها عدم وجود أزمة إنسانية في قطاع غزة . بل يتوفر في قطاع غزة كميات هائلة و أنواع متعددة من الغذاء , وأضافت أن في غزة توجد مطاعم وفنادق فاخرة تقدم وجبات شهية و راقية لزبائنها .
وقد دعا مكتب الصحافة الإسرائيلي كل الصحفيين الذي يطلبون تصريحا لزيارة قطاع غزة إلى التوجه إلى هذه الأماكن للتأكد من صحة الرواية الإسرائيلية التي دعمت بمقطع فيديو يصور أحد مطاعم غزة وهو يقدم وجبة شهية لزبائنه . مما دفع بعشرات , إن لم يكن بمئات الصحفيين و المراسلين الأجانب للقدوم إلى القطاع . حيث كان جل اهتمامهم مركزا على فحص مدى صحة الرواية الإسرائيلية , في حين قد بدا واضحا أن البعض منهم قد جاء إلى قطاع غزة وهو مقتنع تماما بالرواية الإسرائيلية مركزا اهتمامه في البحث عن دلائل تؤكد الرواية الإسرائيلية دون أن يبذل أي مجهود يذكر لفحص الجوانب الأخرى للأزمة . كان يتسائل البعض منهم بخبث " كيف يمكن القول بوجود أزمة إنسانية في قطاع غزة في حين تمتلئ محلات التجزئة و السوبرماركات بكل ما لذ و طاب ليس من الغذاء فقط، بل و من الأصناف الكمالية كالشوكولاته و العصائر بأنواعها ؟ . وفي متابعتي للتقارير التي نشرتها هذه الصحف فيما بعد , تأكدتُ أن الكثير من هذه التقارير قد خلا من الواقعية و الأمانة في نقل الواقع , حيث لم تتطرق هذه التقارير للجوانب المتعددة لــمصطلح " الأزمة الإنسانية" في قطاع غزة .
إن الحكومة الإسرائيلية بزعمها أن " لا وجود لأزمة إنسانية في القطاع " تهدف إلى القول :
· قطاع غزة غير محاصر أو أن حصاره شكلي , و هذا يتناقض تماما مع الواقع فهناك حصار إسرائيلي متواصل منذ ثلاث سنوات على القطاع وهو الحصار الأشد في التاريخ . هو حصار يمنع بموجبه دخول و خروج البضائع و الأشخاص و الأفكار و الكتب و الدفاتر و المرضى و كبار السن و النقد و أجهزة الحاسوب و كرة القدم ,و الادوات االموسيقية .. إلى أخر القائمة . و هو من ناحية أخرى اعتراف من الحكومة الإسرائيلية باقتصاد الأنفاق الذي يوفر معظم السلع المتواجدة في سوق قطاع غزة . و هذا ينفي تماما المزاعم الإسرائيلية بمحاربتها للأنفاق. بل يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية معنية برواج تجارة الأنفاق لأسباب عديدة منها تخفيف حدة الضغط الدولي عليها.
· إن إدعاء الحكومة الإسرائيلية بعدم وجود أزمة إنسانية بسبب امتلاء رفوف محلات التجزئة و السوبر ماركت في القطاع بكل ما لذ و طاب , هو تقزيم للحالة بحيث يقصر مفهوم الأزمة على عدم توافر الغذاء . عندما تزعم الحكومة الإسرائيلية بأن قطاع غزة لا يعاني من " أزمة إنسانية" فكأنها تقول عكس ذلك وهو أن سكان قطاع غزة ينعمون بــ" الأمن الإنساني " و هو المصطلح الذي يستخدم عندما لا يكون هنالك أزمة إنسانية. لذا فإن حالة " الأزمة الإنسانية" تتحقق بغياب أحد عناصر الأمن الإنساني وهو المصطلح الذي يعبر عن حالة التضاد. إن ذكاء الحكومة الاسرائيلية في استخدام المفردات منعها من استخدام مصطلح التأكيد " أمن إنساني" مفضلة استخدام مصطلح النفي " لا توجد أزمة إنسانية" في محاولة منها لتضليل عقولنا ومنعها من الإبحار أبعد من حدود المصطلح . لتوضيح الامر فإن الأمن الإنساني يشمل عناصر عديدة منها :
· الأمن الغذائي والذي يتحقق من خلال ثلاث شروط هي:
§ ِا) توافر الغذاء بكميات معقولة.
§ ب) إمكانية الوصول له , إمتلاك القدرة الشرائية و الجسدية للحصول عليه .
§ ج) جودة الغذاء من حيث التنوع و الجودة و السلامة بحيث يتضمن كل ما يحتاجه الجسم
· الأمن المدني والسياسي ويقصد به الشعور بالأمن الشخصي و ممارسة الحقوق السياسية و المدنية .
· الأمن الاقتصادي و يقصد به توافر فرص العمل و حماية الممتلكات و الاستفادة من برامج الاعانات .
· الأمن الثقافي و يقصد به القدرة و الحرية على حماية و ممارسة الثقافة الوطنية و الثفافات الاخرى .
· الأمن الصحي و البيئي . و يقصد به العيش في بيئة نظيفة حاضرا و مستقبلا .
بمقارنة الواقع مع مكونات الامن الانساني من خلال المؤشرات التالية :-
· إن السلع المتوافرة في سوق قطاع غزة تأتي من مصادر غير معروفة و دون رقابة على مستويات الجودة بما يمثل تهديدا للصحة العامة . تسمح إسرائيل بدخول حوالي مائة صنف في حين أن قطاع غزة بحاجة إلى أكثر من 4000 صنف قبل الاغلاق .
· تمنع إسرائيل دخول جميع المدخلات اللازمة للصناعة مما سبب تعطل القطاعات الانتاجية مما حرم مئات الالاف من فرص العمل . بعد الحصار توقفت مشاريع الاعمار التي كانت تحت التنفيذ و قدرت قيمتها في حينه بمائتي مليون دولار . كذلك توقف قطاع النسيج و الخياطة والذي كان يعمل به 35,000 عامل قبيل الاغلاق . لقد تعطلت 90% من المصانع و الورش التي كانت تعمل قبيل الاغلاق و يقدر عددها ب 4000 منشأة .
· إن ثلثي سكان قطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر و هم بالتالي ليس لديهم إمكانية الوصول إلي الغذاء , و يعتمد 80% من سكان قطاع غزة على المساعدات الاغاثية , لذا فهم خارج القوة الشرائية حيث لا يمتلكون المال الكاف للشراء , هذه الفئة لا يعنيها كثيرا مدى توافر المواد الغذائية طالما لا يمكنهم شرائها . فما الفائدة من رفوف مليئة بالبضائع دون إمتلاك القدرة على الشراء , فهي بالنسبة لهم للفرجة وإمتاع العين و حسرة القلب فقط .
· تسمح إسرائيل و بشكل إستثنائي للحالات الانسانية بالدخول إلى إسرائيل و الضفة الغربية و الاردن من خلال معبر بيت حانون إيرز .في حين حرم مئات الطلبة من مواصلة تعليمهم وحرم مئات المواطنين من الالتحاق بأماكن عملهم في الخارج لعدم تمكنهم من السفر . في حين يفتح معبر رفح بمعدل 5 أيام كل شهرين مما سبب إزدحاما و معاناة شديدين للذين يتمكنوا من السفر , في حين بقي عشرات الالاف دون ممارسة هذا الحق .
· إن سكان قطاع غزة يعيشون حالة من القلق و الخوف الشديدين بشكل دائم وذلك بسبب التهديدات الإسرائيلية المتواصلة بشن حرب جديدة على قطاع غزة أو بسبب الاجتياحات المتكررة للمناطق الحدودية وعمليات القصف العشوائي من وقت لآخر على مناطق القطاع المختلفة.
· تؤكد الدراسات أن 75% من المخزون الجوفي للمياه في قطاع غزة غير صالحة للشرب و أن الحصة المخصصة من المياه للمواطن في قطاع غزة أقل من الحد الادني الذي حددته منظمة الصحة العالمية إضافة إضافة للتهديد الخطير للصحة العامة نتيجة إرتفاع نسبة النترات فيها.
· تسبب الحصار في منع دخول الصحف و الكتب و الاصدارات الجديدة كذلك الادوات الموسيقية و الترفيهية الاخرى و هي مصار لا غنى عنها للتطور الثقافي و العلمي و الحضاري و تعزيز الشعور بالادمية و الانسانية .
هذا غيض من فيض لدحض الرواية الاسرائيلية الزاعمة بعدم وجود أزمة إنسانية في قطاع غزة .....