رأس الكنيسة .. وسيادة الدولة
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
منذ
صدر الحكم القضائي عن المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة الأرثوذكسية التصريح
مرة ثانية للمطلّقين كي يتزوجوا ، وصنّاع الفتنة الطائفية لا يتوقفون عن إهانة
الإسلام والسلطة وإبداء العجرفة التي تؤكد على الاستقواء بالغرب الصليبي المتوحش .
لقد
قلت من قبل ؛ إن موقف " الأنبا شنودة " وولاءه للإنجيل كما يفهمه ويتصوّره ،
وتقديمه على القانون المدني ، يُحسب له ، لأنه يُدافع عن عقيدته ، ولا يستسلم أمام
السلطة – أيا كانت – كما يستسلم ، بل يتطوع بالاستسلام بعض القائمين على شئون
الدعوة الإسلامية ، إسهاماً منهم في استئصال الإسلام ، وإقصائه بوصفه الخطر الأكبر
على الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والتزييف الثقافي .
بيد
أن الأمور أخذت اتجاهاً آخر ، يؤكد على الموقف الخيانى الممالئ للغرب الصليبي ،
ويُثبت بما لا يدع مجالاً للشك ، أن القوم جادون في إلغاء الإسلام بدعوى القضاء على
الاحتقان الطائفي !
أدلى الأنبا شنودة بأحاديث صحفية عديدة تؤكد موقفه الأول وشرح وجهة نظر الكنيسة
إزاء المطلقين ، وحاول إقناع راغبى الزواج الثاني بحكم الإنجيل القائم .. وسواء
اقتنع الناس أو لم يقتنعوا بما قاله ، فإن الذين يتحدثون باسم الكنيسة ، أو يعبرون
عن وجهة نظرها ، راحوا يُفسّرون الأمر تفسيراً يخدم رغباتهم الشريرة ، ويُحقق
أهدافهم الإجرامية ، في بث العنف واستفزاز المواطنين والتمهيد لأشياء لا تُحمد
عقباها ، والخاسر فيها هو البسطاء وعامة الناس بعد إشعال نار لا تبقى ولا تذر .
قال
أحدهم : إن الدولة اصطدمت مع رأس الكنيسة للمرة الثانية ( المرة الأولى بحسب رأيه
كانت في عهد السادات ) لأن الإسلام السياسي هو جزء من نظام الحكم الذي وضع الدولة
بسلطاتها الثلاث في مواجهة عقيدة الأقباط ، وأقحم القضاء في مسألة دينية خارجة عن
ولايته !
وهذا خلط ودجل وتدليس ، فالذي ذهب إلى القضاء ليحكم له شخص مسيحي – يعنى غير مسلم –
وطلب من المحكمة أن تفصل في موضوع الزواج الثاني وفقاً للقانون ، ووصل في التقاضي
إلى المحكمة الإدارية العليا ، أي أعلى سلطة قضائية في مجال تفسير القانون الإداري
.
أما
حكاية الإسلام والوطن ، فلا يوجد في الإسلام ما يُسمى الإسلام السياسي ، لأن
الإسلام القائم إسلام واحد ، يعمل في ظلاله المسلمون وغير المسلمين ، وفقاً لدستور
البلاد الذي أقرته الأغلبية الساحقة ، وليس الأغلبية المطلقة ، وهو دستور لا يهضم
حقوق غير المسلمين ، بل يكاد يضع بعضهم في خانة الامتياز والأفضلية على الأغلبية
المسلمة . فضلاً عن أن واقع النظام السياسي القائم كما قلت مراراً ، يُضفى حصانة
على غير المسلمين ، لا يحظى بها المسلمون .
ومن
ثم ، فإن من يطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو
الدين الرسمي للدولة ، والمصدر الرئيسي للتشريع ، ليمكن تطبيق ما يُسمى الزواج
المدني على المواطنين جميعاً في دولة مدنية تفصل الدين عن الدولة ، وتلغى أية إشارة
إلى الدين في الدستور .. يُصبح طلبه تجاوزاً خطيراً ووقاحة سافرة ، تؤكد على
الاستقواء بالعدو الصليبي الهمجي في الغرب ، والامتثال لإرادته الشريرة في تمزيق
الوطن وصب النار على الزيت حيث لن يستفيد أحد أمام الهشيم المتخلف عن الحريق !
وفى
الوقت الذي يتوقح فيه صناع الفتنة الطائفية ، ويتمسكون بعقيدتهم ويرفضون الخضوع
للقانون العام ، فقد شهدت البلاد حالة عجيبة وغريبة من عدم المسئولية السياسية
والخلقية والفكرية صنعها بعض المنتمين إلى شئون الدعوة الإسلامية والتشريع النيابي
والعمل الصحفي .
فقد
باغتت إحداهن ، وتدعى أنها أستاذة شريعة إسلامية ، وهى ليست كذلك ( لأن تخصصها في
الفلسفة العامة ، وألحقت قسرا بالفلسفة الإسلامية كي تحتل منصباً في كلية عريقة ،
لها تقاليدها الجامعية الراسخة التي استبيحت من أجل المدعية بالتخصص في الشريعة
الإسلامية ) ، لتقول للناس في عز أزمة الخبز ، التي سقط فيها العديد من القتلى ،
إنه يجب الاكتفاء بشهادة امرأة واحدة بدلاً من امرأتين – كما ورد في القرآن الكريم
– ويجب أن ترث المرأة غير المسلمة زوجها المسلم ، مع السماح بسماع شهادة غير
المسلمين في قضايا الأحوال الشخصية الإسلامية ..
وهذا الكلام يؤكد أن صاحبته لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية من قريب أو بعيد ،
وأنها لا تحفظ القرآن الكريم ولا تفقهه ، ونرجح أنها تقوم بدور أنيط بها ، لتكون "
بالون " اختبار ، يرصد ردّ الفعل الإسلامي العام ، تجاه مخطط مجرم وخبيث يسهم في
تغيير الشريعة الإسلامية ، لحساب جهات معادية .
فضيلة الجنرال الوزير ، الذي وصف التشريع الإسلامي الخاص بالشهادة والميراث بأوصاف
رخيصة غير علمية ، مؤيداً لتغيير الشريعة ، ومهاجماً لعلماء الإسلام وجهودهم التي
تراكمت عبر القرون ، وأحكام الدين التي أجمعت عليها الأمة جيلاً بعد جيل .. وفى
الوقت ذاته يسكت عن كلام سخيف يطلقه بعض الذين لم يدرسوا الشريعة ولم يفقهوها ، ولا
علاقة لهم بها ، ويدّعون ما ليس حقيقياً ، مثل جواز القبلة بين الشباب وتحليل الزنا
لأول مرة ، وإباحة التدخين في رمضان ، وتحويل الإسلام إلى نظام غربي السمات
والملامح . ولا ندرى هل هذا السكوت إقرار بالكلام السخيف وموافقة عليه ، أم خوف من
الجهات المعادية التي انتعشت في هجومها على الإسلام وعقيدته وتشريعاته ؟
وقد
دخل إلى الساحة نفر من الصحفيين المعروفين بتوجهاتهم المعادية لدين الأمة ونبض
الشارع العربي والمصري فضلاً عن الإسلامي ، والولاء للصهيونية والغرب الصليبي
المتوحش . وقد طرحوا الأمور طرحاً مضحكاً يدل على ضعف في مهنة " التدليس " التي
اشتهر بها آخرون ، فيزعمون أن المسألة لا تمسّ جوهر العقيدة ، ولأن المرأة صارت
متعلمة فيجب أن تتطور " المواقف " الشرعية لتتفق مع المكانة التي تشغلها المرأة ،
لأن الالتزام بالشريعة وحرمان غير المسلمة التي بذلت جهدها مع زوجها وقاسمته "
الحلوة والمرة " من الميراث لا يتفق مع روح العصر..! وهذا تدليس سخيف ورخيص يدل على
وعى ضحل بالشريعة، وسوء نية مبيت ..
ولكن المسألة في النهاية من جانب صناع الفتنة غير المسلمين ، والمفرطين في الإسلام
من المنتسبين إليه ؛ تشير إلى صدام قد يكون وشيكاً ، ليس بين رأس الكنيسة ، وسيادة
الدولة ، ولكن بين طوائف شعب ، أنهكه الفقر والجوع والظلم والقهر والاستبداد الأعمى
!
قاطعوا ودافعوا
أحباءنا في كل مكان : قاطعوا العالم الصليبي الصهيوني ، لا تسمعوا للأصوات التي
تقلل من قيمة المقاطعة فالأعداء هم الذين شرّعوها وسنّوها .. قاطعوا كل بضاعة يمكن
الاستغناء عنها ، وكل نشاط لا يعود علينا بفائدة ملموسة.. نحن نستورد مثلا بمليارات
الدولارات أدوات تجميل نسائية ورجالية وملابس حريمي ، وهذه يمكن استخدام بدائل لها
محلية أو من دول غير معادية ، السيارات الأميركية و الفرنسية و الألمانية ،
استغنوا عنها واستخدموا بدلا منها سيارات دول أخرى ، بل اصنعوا ما تحتاجون إليه ..
ثم انشروا ثقافة الدفاع عن النفس سياسيا وثقافيا واقتصاديا في الوقت المناسب
والمكان المناسب ، ولا تخافوا أو ترتجفوا فلديكم العقول والأفكار والشباب والمال،
حتى لا يستهين بكم هؤلاء الهمج . واعملوا والله في عونكم ، ولا تنتظروا من حكوماتكم
أن تعمل ، فالضرب في الميت حرام .. حرام ..حرام !!