أضواء على الانتخابات المحلية القادمة
صلاح حميدة
يقترب موعد إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية بقرار من الحكومة هناك، ويعلن القائمون عليها أنّ هذه الانتخابات ستأتي في باب "تعزيز الدّيمقراطية"، ولأنّها خدماتية ولا علاقة لها بالسياسة، فيجب تنظيمها حيثما هو ممكن - أي في الضّفة الغربية فقط - وتأجيلها إلى وقت لاحق حتى يمكن ذلك في قطاع غزة، حسب وجهة نظر المؤيدين لإجرائها.
قامت لجنة الانتخابات المركزية بفتح أبواب تحديث سجل النّاخبين، وفتحت باب الاعتراض، وتسجيل هيئات الرّقابة، وأعلنت أنّ نسبة التسجيل كانت " ضمن المتوقّع بسب حالة الانقسام السياسي على السّاحة الفلسطينية"، ولكنّها لم تعلن ما هو " المتوقّع" في بيانها في حينه.
من الواضح أنّ هذه الانتخابات تأتي في سياق الانقسام الدّاخلي الفلسطيني، وليست بمعزل عنه - بالرغم من كونها انتخابات لمجالس خدماتية صرفة - فلا يوجد في الحالة الفلسطينية فصل بين السياسي والخدماتي، خاصة في الظّروف الحالية، ولو كان الوضع مستقراً ولا يوجد انقسام وخلافات، لكانت الانتخابات أخذت الصّفة السياسية أيضاً، فالشّعب الفلسطيني شعب مسيّس حتى لقمة الخبز كما يقولون.
بالرّغم من أنّ لجنة الانتخابات كانت حريصة على توصيف فضفاض لقلة عدد المسجّلين، واعتبار من استنكفوا عن التّسجيل بأنّهم غير معنيين بالانتخابات أصلاً، إلا أنّ الايماءة " ضمن المتوقّع" أوحت بأنّ اللجنة كانت تتوقع أنّ الاقبال على التّسجيل سيكون منخفضاً، كما أنّ الاقبال على الانتخابات أيضاً سيكون كذلك بدرجات متفاوتة، سآتي على ذكرها لاحقاً.
ففي ظل الانقسام السياسي الحالي، لن تكون الانتخابات ذات صفة تنافسية بين الأطراف الفاعلة على السّاحة، بل ستكون بين طرف واحد مع نفسه، وبالتّالي فهي أقرب لما يطلق عليه التّزكية، وبالتالي فإن التوصيف بأنّ " الانتخابات القادمة ستعزّز الديمقراطية" توصيف ليس في محله حسب رأي الخبراء في الانتخابات والدّيمقراطية، لأنّ أبجديات الدّيمقراطية تقول بوجود تنافس بين قوى تحظى بنفس الفرصة للترشيح والانتخاب والحشد والدّعاية والتّمويل والتّسهيلات من السلطة القائمة، وهذا كله غير موجود حسب وجهة نظرهم، وبالتّالي ستشكل هذه الانتخابات فرصة للتراشق الاعلامي الدّاخلي، وستعزز الانقسام والأحادية والتّفرّد بدلاً من تعزيز الدّيمقراطية.
يشكل عدم وجود منافس حقيقي في الانتخابات، سبباً رئيسياً لاستنكاف الناس عن المشاركة في التّسجيل و المشاركة في الانتخابات فيما بعد، وهذا يعود بشكل رئيس إلى أنّ هناك قطاع مهم غير معني بالمشاركة لأسباب سياسية، وقطاع آخر غير معني بها من باب أنّ النتيجة محسومة، فالمشاركة وعدمها سيّان بالنّسبة لهم.
وعندما يغيب أو يغيّب طرف فاعل عن الانتخابات، يستفيد من هذه الحالة عدة أطراف، أحدها هو الطّرف الرئيس الذي نظّمها الذي سيفوز عملياً بالتّزكية، ولكن هناك أطراف سياسية هامشية ضعيفة التأثير ستستفيد من هذا التّغييب، وهذا ما يفسّره حرصها الشّديد على الانتخابات في ظل الانقسام، بالرغم من أنّها ذات شعبية منخفضة وإمكانيات حصولها على نتائج ذات شأن شبه معدومة، فهذه الأطراف ستستفيد من إمكانية إضافتها للقائمة الانتخابية الرئيسية و بالتالي فوزها بمقاعد محدودة تبقيها ضمن الصورة السياسية العامّة، كما أنّ هذه الأطراف قد تحظى بأصوات من لا يجرؤون على مقاطعة الانتخابات وفي نفس الوقت لا يريدون انتخاب التيار الرّئيسي الذي نظّمها، وتبعاً لذلك ستتجه أصوات هذه الفئة من النّاخبين لهذه الحركات الصّغيرة، نكاية في الحركة الكبرى - مثلما حصل في أحد الجامعات الفلسطينية قبل فترة قصيرة - حسبما يعتقد أصحاب هذا التحليل.
يضاف إلى هؤلاء المستفيدين، فئة أخرى تبرز وتقوى عندما تغيب السياسة والتنافس الحزبي والبرامجي عن الحياة العامة، وهي فئة العشائر والمناطقيين والعائلات الممتدة، وأصحاب منطق إبن البلد والغريب، وإبن الريف وإبن المدينة، وإبن المخيم والمدني......إلخ، فعندما تغيب أو تغيّب القضايا العامة ذات الهمّ المشترك، يتّجه هؤلاء نحو قضاياهم الخاصة، فهذه الفئة تعتبر أكبر المستفيدين من هذه الحالة، وتعتبر الانتخابات القادمة بوضعها كما هي من أفضل الحالات لها للبروز، ولذلك يلحظ - في الوقت الحالي - النّشاط الكبير للعائلات والمناطقيين في محاولات ترتيب القوائم الانتخابية وعقد التحالفات، أملاً في الحظوة بجزء أو بكل المقاعد في المناطق التي يقيمون فيها، وبالتالي فهذه الانتخابات ستنقل النّاخبين من الاهتمام بالحالة العامة إلى حالة التّفتيت وإحياء الخلافات الأسرية والحمائلية والجهوية والطّبقية والمناطقية بين أفراد المجتمع، وتنقلهم لحالة من الصّراعات الجانبية بعيداً عن القضية الأم، وبالتالي ستغيب البرامج الخدماتية والسياسية في ظل استحضار ثقافة داحس والغبراء.
كما يتوقّع في هذه الانتخابات أنّه سيحدث انقسام وتفاوت في كثافة المشاركة بين المناطق الريفية والمناطق التي تسود فيها ثقافة العائلة والمناطقية التي من المتوقع أن تشهد إقبالاً أكبر على الانتخابات، وبين المواقع الحضرية في المدن والتّكتلات السّكانية الكبيرة، التي من المتوقع أن تشهد إقبالاً أقل على المشاركة، لأنّ سكان هذه المناطق يهمهم الشأن العام السياسي بدرجة أكبر من الشّأن العائلي والمناطقي.
قد تجري الانتخابات - حسب ما هو معلن- وقد يتم إرجاؤها و التّوافق على تنظيمها فيما بعد، ولكن من المسلم به أنّ هذه الانتخابات لن تكون معززاً للدّيمقراطية، ولن تقرّب المختلفين على السّاحة الدّاخلية، بل إنّ التّباعد والشّقاق سيزداد إتساعاً بين الفرقاء، و من شبه المؤكد أنّها ستأتي بمشهد جديد في الصورة البلدية والمحلّية الدّاخلية، ولكن بشكل عام لن تحدث هذه الانتخابات انعطافة هامّة وجوهرية في الخدمات المحلية، والتي من المتوقع أن تستمر في وضعها الحالي، وربما تزداد أو تقل سرعتها، حسب تسارع وتباطؤ وتيرة المساعدات الخارجية التي لها أجندتها الخاصة في التّمويل وفي نوعية المشاريع التي يحرص مموليها غالباً على أن تكون في مجال الترفيه و تعبيد الطّرق فقط؟!.