ماذا بعد أيها المناضلون و الجهاديون

ماذا بعد أيها المناضلون و الجهاديون

منير مزيد

[email protected]

كنت عائدا من أمسية ثقافية فلسطينية والتي غادرتها في  بداياتها والحزن يعتصرني على ما وصل إليه حال الشعب الفلسطيني عموما وحال أبناء الجالية الفلسطينية هنا في رومانيا ، فالكل يدعي انه وطني أو مناضل أو بطل و الآخر بالنسبة له خائن أو عميل أو كافر  حتى بات الشعب الفلسطيني منقسما على نفسه ، ومن شدة حزني غادرت مسرعا دون أخبار أو وداع أحد حتى أنني نسيت تغطية وجهي ورأسي من شدة البرودة في بخارست حتى شعرت بأن وجهي قد صار رقائق زجاجية هشة. وحين وصلت إلى البيت دخلت مسرعا إلى مكتبي إلى عالمي الخاص للكتابة عن الأمسية الثقافية فوجدت أحداً قد اقتحم بريدي الالكتروني ، مرسلا لي فيلما وثائقيا يتناول الأحداث الأخيرة التي وقعت في غزة . حقيقة ، لا أدري نوعية الشعور الذي أنتابني ،غير مصدق تلك الصور فشعرت بالغثيان والتقيء، وللمرة الأولى في حياتي ، أعترف بأنني شعرت بالخجل من نفسي كوني فلسطينيا ، ومن دون وعي أرسلت رسالة إليكترونية إلى مرسل الفليم الوثائقي كتبت فيها : "حقيقة وأنا أشاهد الفليم شعرت بالخجل كوني فلسطينيا..شيء مخجل ومقرف ومحزن .. حماس وفتح أسوء من اسرائيل ...خسارة يا شعب ..اي نضال هذا الذي يقتل الأخ فيه أخاه .. اللعنة عليكم جميعا وإلى جهنم جميعكم ايها السفلة. "

لو أن هذا الفليم عرض على شاشات التلفزة الأوروبية ، لبصق علينا كل موطن أوروبي مؤيد لقضيتنا وانحاز إلى الكيان العنصري المسخ الذي  اغتصب أرضنا، وشرّد أهلنا من ديارهم، وسفك الدماء، وانتهك الحرمات، ودمّر البيوت وأحرق المزارع، وعاث في الأرض فساداً . فالفليم يظهرنا على أننا قطعان من عصابات القتل لا تقيم وزناً أو احتراماً  للحياة الإنسانية  ومتناسين عظمة الآيه الكريمة "  ولقد كرمنا بني آدم " .

ما أن ارسلت تلك الرسالة شعرت بالندم تجاه تصرفاتي وانفعلاتي وعدم قدرتي على السيطرة على نفسي وإخفاء مشاعري وأحاسيسي، فكل من يعرفني يرى بأنني إنسان مفرط الحساسية تجاه الاشياء وأن اي شعور ينتابني يكون واضحا على ملامحي وتصرفاتي ، فربما هذه التصرفات والانفعلات هي جزء من كوني فلسطينيا ،عاش وتربى في بيئة وظروف معيشية غير طبيعية ، عاش القهر والتشرد واختبر كل التجارب النفسية ، القلق ، الخوف ، فقدان الطمأنينة، الحيرة، الضياع .. حتى أصبح إنساناً يعج بالخراب في داخله . فلماذا أذن ، هذا التجني على أخوتي وعلى تصرفاتهم وعلى قتالهم لبعضهم البعض وكل واحد منهم يحمل في داخله سلة خراب ،في المقابل ، ألم نقرأ عن قتال صحابة الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله)  لبعضهم البعض زمن الفتنة ؟

ربما  كنت أحاول أن اجد عذرا  لأخوتي أو التخفيف عن نفسي هول المشاعر التي انتابتني لرؤية تلك الصور الا ان هناك ما يدفعني لرفض تلك الذريعة مهما كانت الأسباب .

المصيبة الحقيقة والكبرى هي الصراع على  السلطة والتي باتت الهدف الأكبر للتنظيمين الرئيسيين علي الساحة الفلسطينية حماس و فتح وظهور قيادات جديدة لا تعرف من السياسة واصولها وآدابها غير التحريض على  الآخر، وهدر دمه واستخدام مفردات مثلث الرعب" الخيانة والعمالة والتكفير "

في المقابل ، وحسب مفاهيم الفيلسوف الصيني العظيم لاو تسي  مؤسس ديانة الطاو ومؤلف اهم الكتب الفلسفية كتابِ التغييراتِ أو كلاسيكيةِ التغييراتِ والذي  يعتبر الأقدمُ مِنْ النصوصِ الكلاسيكيةِ الصينيةِ. فهو نظام رمزِ صمّمَ لتَمييز الطلبِ فيما يبدو مثل الأحداثِ العابرةِ، فهو وصف لـ نظامَ قديمَ مِنْ الكوزمولوجيا والفلسفةِ الذي هو في قلبِ الإعتقاداتِ الثقافيةِ الصينيةِ. تَتركّزُ الفلسفةُ على أفكارِ الميزانِ الديناميِ للنظراءِ، وتطور الأحداثِ كعملية كونية ذاتية وقبول حتميةِ التغييرِ ... وبالتالي تم تصنيف الاشياء على اساس ( الشيء ونقيضة )  ين و يانغ...

في الفلسفة الـ (ين و يانغ) الصينيةِ  والتي تعني السماء والأرض ، هي النقائضِ أَو الإرتباطاتِ المتبادلةِ في التصوّراتِ الإنسانيةِ مِنْ الظواهرِ في العالمِ الطبيعيِ، يَجْمعُ لخَلْق وحدة النظراءِ فالمفاهيم الثنائية لـ  (ين و يانغ)   يَصِفانِ المبدأين المعارض ، لكن مكمّلان أساسيان إثنان أَو قواتَ كونيةَ نجدهما في كُلّ الأجسامِ غير الخشخشة والعملياتِ َ في الكونِ ... هذا المفهومِ المتناقضِ حجرُ الزاوية وأكثر فروعِ الفلسفة الصينيةِ .. ين (ظلام) ويانغ (ضوء) أوصافَ النظراءِ المكمّلينِ بدلاً مِنْ مُطلقاتِ  ... أيّ ين / يانغ إنقسام يُمْكِنُ أَنْ يُنْظَرَ مِنْ المنظورِ الآخرِ. فكُلّ القوى في الطبيعةِ تمتلك

 ين / يانغ  ...

وبدلا من ظهور نقيض لمفردات مثلث الرعب حسب  كتابِ التغييراتِ ، ظهر مفردات مثلث رعب آخر،  موازيا له ولا يقل رعبا عن المثلث الأول ، ومفردات مثلث الرعب الموازي :" الظلامية ، التطرف ،  التعصب " حتى انقسم العرب إلى معسكرين  : معسكر حماس والذي يمثل " الظلامية ، التطرف ، التعصب " ومعسكر فتح  والذي يمثل "الخيانة والعمالة والتكفير " وباتت الافكار تولد من هذين المعسكرين وبقائهما يهدد وجودنا القومي والإنساني .. ففكر هذين المعسكرين جاء نتيجة ثقافة التجهيل والتسطيح ووجود أنظمة استبدادية عملت على تغذية هذا الغول ، وزرع الخوف وعدم الثقة بلآخرين واستخدام اساليب القمع وتقييد الحريات و العنف الدموى الذى يحفل بالمؤامرات والدسائس والاغتيالات السياسية . نحن لسنا بحاجة إلى جنرالات وقادة حروب خاسرة ولا بحاجة إلى كهنة وشيوخ ، اصحاب الجبة والعمامة واعفاء اللحي وحف الشوارب ، لسنا بحاجة إلى عرابيين اوسلو أو إلى الجهاديين الجدد ِ. ما نحتاجة الآن  مثلثين جديدين  مثلث " التسامح ، الرحمة والعفو " ومثلث " الصدق ، الحب ، الايمان " ونحتاج إلى ثورة تقودنا في البحث عن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، دين الرحمة والتسامح

والعدل . وما أحوجنا إلى صوت العندليب الأسمر ليعلمنا الحب ، فالحب أسمى غايات الوجود الإنساني  ، والبحث عن قيم الحب والجمال والحرية .

وختاما ، لن أنسى حلم أبي رحمه الله الذي مات حزينا ومقهورا على ما حل في أرضه في فسطين مهما حاولوا قتل الحلم فينا ومهما حاول المناضلون والجهاديون الجدد تزيف الحقيقة....