حوار الطرشان بين أزمتي السلطة والمعارضة السورية

حوار الطرشان بين أزمتي السلطة

والمعارضة السورية

خليل حسين

 تعالت في الآونة الأخيرة أصوات المنادين من بعض المهتمين بالشأن السوري العام تحض المعارضة على فتح باب الحوار مع السلطة، وتضمنت نداءاتهم مقولات تطرح على السلطة والمعارضة القيام بحوار مباشر حول الأزمة الراهنة في سوريا. وبافتراض أن أبواب السلطة مشرعة أمام الصوت الوطني الحريص، لابد من تشخيص ملامح الأزمة العامة بشقيها المعارض والسلطوي، بينما نلاحظ بالعين المجردة أن الأزمة بمفهوم قوى المعارضة هي أزمة سياسية-اقتصادية-اجتماعية، أما السلطة القائمة فلا ترى أن هنالك أية أزمة تتعرض لها سوريا. وحين تتجرأ بعض أبواق النظام بتسمية شكل الأزمة، يؤكدون أن هناك أزمة عابرة نتيجة للضغوطات الدولية على "نظام الممانعة!" المتصدي للمشروع الصهيو-أمريكي إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة. ويروج أزلام السلطة بضاعتهم بنسب جزء من هذه الأزمة العابرة إلى المعارضة نفسها.

لا يجهل عاقل أنه لبداية ومباشرة أي حوار بين الأطياف والمجموعات البشرية" يجب استيفاء شروط التحاور الدنيا، والإقرار بثلاث مسلمات جوهرية:

* الاعتراف العملي الواقعي بالآخر.

* الإقرار بأن الحقيقة ليست كتلة صلبة يحتكرها طرف واحد.

* خلق جو لحوار متكافئ على قاعدة الرغبة والاحترام المتبادل في الحدود الدنيا بالتعاون للوصول إلى الأهداف وتذليل المصاعب التي تعترض طريق الحوار.

وبالعودة لدعاة الحوار، وبالرغم من الأبواب الموصدة من جانب السلطة وعدم الاعتراف بطلاب الحوار قلبا وقالبا، لكنهم اصطفوا متجمهرين على العتبات لاهثين منبهين بعدم تفويت فرصة الحوار التي تعشعش بأذهانهم وحدهم..

إن كان ولابد من تسمية فعل السلطة حوارا، فهو بمثابة "قبلة الكوبرا" حيث حاورت الشعب السوري خمسا وأربعين سنة بعثية بالبسطار والحديد والنار، حاورت سجناء تدمر العزل الذي خبرته لسنوات، وحاورت ألوف المغيبين في السجون وتترفع السلطة عن حتى الإفصاح عما آل إليه حالهم، أهم أحياء أم هم في عداد الأموات، ومؤخرا حاور النظام أهل ربيع دمشق ومازال يعاني الدكتور عاف دليلة من أضرار هذا الحوار "البناء" في زنزانته، وحاورت الشعلة الشبابية ممثلة بطارق وماهر وزملائهم وسجنتهم سبع سنوات، وكذلك ميشيل كيلو، محمود عيسى، أنور البني والآخرين، والآن تحاور السلطة على طريقتها المعهودة مجموعة إعلان دمشق وتقتنصهم واحدا تلو الآخر.

تتعرض سوريا اليوم لنفس الوضع الأمني المخابراتي في ثمانينات القرن المنصرم .  في هذا الوضع المأزوم الذي يتسم بالاستجواب (الحوار) فقط في أقبية المخابرات ترتفع أصوات هؤلاء للحوار مع السلطة..  كما لو كان مرحب بهم فيه. وفي الوقت الذي تعامل السلطة المواطنين كغرباء في الوطن، بل كأسرى حرب وتماس عليهم شتى صنوف التجويع والترهيب والتهجير..  هل هذا الحوار المنشود يا سادة يا كرام..! يا له من حوار بناء ومجدي..!

هل حاورت أهل ربيع دمشق؟  هل ما تعرض له رواد المنتديات هو حوار!

 وهكذا أجدني أمام بعض التساؤلات المحيرة:

هل شروط الحوار متوفرة في سوريا من وجهة نظر السلطة؟

هل يوجد حامل داخل النظام للتغيير؟

هل المعارضة السورية متفقة على رؤية التغيير ضمن سوريا؟

هل يعترف النظام بوجود أزمات تعصف بالمجتمع السوري؟

هل هناك تشخيص سياسي واقعي من قبل المعارضة للنظام: دكتاتوري، استبدادي، طائفي؟

هل النظام في سوريا يمثل شريحة اجتماعية بغض النظر عن انتمائها العرقي أو الديني في سوريا؟

هل استطاعت القوى السياسية الاتفاق على الحد الأدنى من المهام؟

هل توصلت المعارضة إلى أن المحور الرئيسي في نشاطها هو الإنسان أولا؟

هل تراجع حالة الجزر تعود فقط لقمع السلطة؟

لماذا عندما كانت السلطة في أوج قوتها كان الحراك السياسي متناميا؟

لماذا عندما كانت سوريا صندوقا أسودا كان مئات الشباب السوري في سجون النظام، وعندما أصبح العالم قرية كونية تسمع خلال ساعات أخبار الكرة الأرضية من شمالها إلى جنوبها تراجعت وتيرة العمل السياسي؟

هل بوسع القوى السياسية القول بوضوح أنها فشلت بقيادة العمل السياسي في سوريا؟

لماذا صرنا نسمع بين فترة وأخرى من أوساط المعارضين بالخارج محاولة التقرب من النظام بحجج مثل سوريا مهددة خارجيا؟

 لماذا كلما بدأ النظام بحملة اعتقالات انكفأ العمل السياسي وتراجع للوراء مع العلم أن كل الظروف مهيأة لدفع العمل السياسي للأمام؟

 أتمنى على المعارضة السورية بكل أطيافها الوصول إلى قناعة أن النضال من أجل الإنسان أولا وقبل كل شيء.

               

* رئيس رابطة حقوق الإنسان والمجتمع المدني - صوفيا