القوى الناعمة وخارطة الطريق

 – النخبة 2

محمد الرمادي

فينا - النمسا

[email protected]

القوى الناعمةُ لها الصلاحية أن تكلف أحد النبهاء من ابنائها بمهام من نوع خاص ، فمنذ زمن ليس ببعيد كلفت أحد ابنائها الشرعيين بالتعرف على الغرب وعن قرب كالشغاف حين يلامس القلب ، خاصة الأوروبي منه ، لتمكينها من توجيه عملها بحكمة في القارة الأوروبية ، وكان في طي أحد عناصر هذا التكليف الذي يحمل شقين :

الأول منه تحديد وفهم القوى الصديقة

والثاني القوى المعادية ، وهذا عمل شاق مضن، والنتائج مازالت غير ملموسة ، والشجرة لم تطرح ثمرة ، إذ الرياح غالبا تأتي بما لا تشتهي السفن ، والملاح الماهر من يملك دفة السفينة بغض النظر عن ما يجري خارجها ، فطرح موضوع واحد بين افرادها يستغرق عدة لقاءات في نقاشه وبحثه وبلورته وإخراجه و التكليف يتم وفق سياسة التخصص المتبعة لديها والقدرة على إنجاز التكليف وإعتماد اسلوب أهل الخبرة والكفاءة ، وليس اهل الثقة والمحسوبية ، فمرحلة السير في إتجاه واحد معتمدة لديها بيّد أن قد يأتيها ما يجعلها تسير في عدة إتجاهات لتسريع السير ولتقريب الوصول للهدف ، لكن المؤمل فيه هو وجود هذا الكم الهائل من فيض المعلومات الكثيفة التي تملكها وبالإضافة إلى ما هو أهم إذ لديها القدرة الآن على التغلل في بعض المجالات الحيوية خاصة السياسية منها والعلمية والثقافية والإجتماعية ، هذا ما يعطيها مصداقية الوجود النزيه والتحرك الحر الواعي المدرك لإبعاد القضايا ، دون أوامر عليا تصلها من مراكز قوى خارج القارة ، وهذا يعود إلى تمييز القوى الناعمة عن غيرها بقدرتها على تحديد الهدف والوسيلة، فهي ترى الطريق وإن كانت غير مستوية وغيرممهدة ، فهي تسير عليها بغض النظر عن تبدل الأجواء وهبوب الرياح والعواصف ، وسقوط الأمطار الموسمية فهذه قدرتها التي تمتاز بها .

نعم قد تسير ببطء ملحوظ غير انها تتقدم بخطوات ثابتة ، غير الواعي من عامة البشر يظنها أنها تجدف ضد التيار ، والمعلوم ان السمك الميت هو الذي يسبح مع التيار، غير الفطن لا يفهم حديثها أو خطابها ولا يشعر بخطواتها على الطريق أو طريقة التفكير عندها.

فالقضايا المحورية هي شاغلها الأول والأهم ، وهي علامات مضاءة في خارطة الطريق ، أما الفرعية منها فلا تملك القوى الناعمة الوقت أو الجهد حتى في إلقاء نظرة عابرة عليها ، اللهم فقط للتسلية ولتخفيف أعباء ووعثاء الطريق ، إذ أن الإلتفاف لفرعيات القضايا نزيف وقت يضعف قواها ويجرح مشاعرها ويوَّتر إحساسها المرهف بين الواقع الخارجي والحكم الصحيح عليه ، وهي ترتفع عن هذا الواقع المتفشي بين الناس ، وهي تعمل على الإرتقاء من إرتفاع تل إلى قمة جبل ، فكيف تصرف مجهود وإن قل على المسائل الفرعية التي يهتم بها صبيان الأزقة الضيقة حين يلعبون الكرة الشراب وهم لا يعرفون قواعد اللعبة ولا ينتعلون الأحذية الرياضية وبالتالي فهم ـ الصبية ـ ومسائلهم الفرعية يبقون دائما في قاع وقعر المجتمع لا يرتقون ، فلا يملكون وسيلة وليس أمام أعينهم هدف ،إذ أن الإهتمام بالمسائل الفرعية التي تكبَّر بمنظار ضعاف العقول هي محاولة فاشلة من قوى مضادة لتجبر أصحاب الألباب على الإهتمام بها لتحيرهم فيها ومعها، وتطرحها بقصد أمام العقول لتشغلها عن عملها الحقيقي ، وتستوجب على أولي النهى تفسيرها فتبتعد القوى الناعمة عنها لبساطتها ، فالقوى الناعمة تعمل على بذل الجهد اللازم لإستقرار قواها العاقلة وزيادتها ، مع ثباتها على قضاياها المحورية .

والقوى الناعمة لا تدعي لنفسها زعامة على غيرها من التيارات الموجودة ، بل زعامتها محصلة طبيعية لما تقوم به من أعمال فالآخر يفقد مخزونه الروحي والحركي فهو لا يملك قوى فضلا عن قدرات خاصة ومواهب نادرة .

الصفحة الثانية من كراسة النخبة