لعن الله من غيّر منار الأرض

"لعن الله من غيّر منار الأرض"..

شعار للمرحلة

مخلص برزق*

[email protected]

عنوان يغري كثيرين بالغوص في مضمون ومحتوى هذا المقال، عنوان يوفر مادة دسمة لأقلام أدمنت قلب الحقائق وتلبيس المواقف وبث الأكاذيب والأضاليل والترويج لزمن الهزيمة والانكسار وحقن الأمة بجرعات زائدة من الخور والوهن..

أقلام تستقي مدادها الآسن من دهاليز المكاتب المظلمة الخاضعة بإرادتها أو بغير إرادتها لقرارات الحاكم (الأمريكي) بأمره ليسجل لهم التاريخ أنهم كانوا حشرات قذرة حطت على لوحة زاهية بديعة لتشويه تفاصيلها الجميلة بفضلاتهم النجسة التي ليست إلا تلك السموم التي يبثونها في صحف ومجلات ومواقع تحت مسمى مقالات!!

إنهم الذين وصفهم الرافعي بقوله: "إن كثيراً من كلام الصحف لو مسخه الله شيئاً غير الحروف المطبعية، لطار كله ذباباً على وجوه القراء!"[1]

إنهم أولئك الذين أفلسوا ولم تقم لهم حجة أمام الحق الأبلج والحقيقة الساطعة التي يتسلح بها أتباع نهج الجهاد والمقاومة والممانعة ممن خطوا بدمائهم وأشلائهم صفحات للمجد على ثرى الأرض المباركة قبل أن يخطوا بمدادهم مقالات أو بيانات تنشر، وصدحت فوهات بنادقهم وقاذفات صواريخهم قبل أن تتكلم حناجرهم..

كعادتهم المقيتة في اجتزاء الأمور سيرفع أولئك عقيرتهم مهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور بأننا نرفع سوط التكفير والتخوين على رؤوس الأشهاد وأننا نصبنا أنفسنا قضاة في محاكم تفتيش لا ترحم!!

والحق أنهم ينفذون سياسة إعلامية خبيثة تم التخطيط لها جيداً لتوفير الغطاء اللازم للمتاجرين بالأوطان والمتلاعبين بمصائر الملايين من أبناء شعبنا، المفرطين بحقوقنا وثوابتنا ومقدساتنا في أسواق النخاسة التي ترعاها الإدارة الأميركية تحت مسمى المفاوضات، ليكون جلّ ما هو مسموح أن نقول لهم آمين.. وهو ما لن ينعموا أبداً بالوصول إليه مادام فينا عرق ينبض.

إننا عندما نسوق شواهد واستدلالات من القرآن الكريم وصحيح السنة إنما نرسخ بذلك سياسة قائمة على ركن ركين وأساس متين لا تنبع من أهواء بشرية أو مصالح حزبية أو إملاءات خارجية.. سياسة لا تعرف المداهنة والكذب والسخاء للأعداء بالأرض والعرض والثوابت مقابل امتيازات شخصية وتهليل وترحيب وثناء واسع على ما يزعمون أنها مرونة وواقعية أزرت بنا بين الأمم والشعوب وزادت مآسينا والخطوب.

بقي على أسد "حماس" الرابضة في عرينها ألا يتأثروا ولا يبالوا بما يثيره المرجفون من أن خطابهم يغلب عليه الطابع "الأيديولوجي" كما يحلو للبعض تسميته فمجرد الإشارة لرعاية الله ومعيته ونصره وتسديده يثيرهم ويستفزهم ويضجرهم تماماً كما قال ربنا عنهم "وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون"[2].. إنهم يريدوننا أن نتعامل مع قضية فيها من البعد الديني والطهارة والقداسة اللا محدودة كتعاملنا مع بورصة الأسهم والسندات أو سباقات الخيل والهجن أو كتعاملهم هم مع حفلة قمار لا يضيرهم أن يقامروا فيها على القدس والأقصى وحق ملايين اللاجئين والمشردين في العودة.

وعود على بدء.. فقد جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لعن الله من غير منار الأرض"[3].. لعن الله من تلاعب بحدود الأرض التي تحدد الأملاك المسماة "منار الأرض"، لعنه الله كما لعنه رسوله صلى الله عليه وسلم القائل أيضاً: " من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين"[4].

إنها لعنة تصيب من يتلاعب في ملكية الأرض وإن صغرت.. فكيف بذلك الذي يتجرأ على تغيير ملكية أرض رسم الله منار سمائها مع أرضها برحلة الإسراء، أرض منارها دماء وأشلاء وشهداء.. أرض منارها قدس وأقصى والخليل.. وغزة والنقب والجليل..

إنه ليس التلاعب في منار الأرض الذي يقتطع بضعة مترات أو حتى كيلومترات من شخص لآخر ولكنه تزوير لحق أمتنا الإسلامية المطلق بكامل أرض فلسطين المباركة لصالح الأمة الخبيثة المغضوب عليها.

إن منار تلك الأرض لا يمكن أن يكون محكوماً بقرارات هيئة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو الاتفاقيات الهزيلة التي يحاول البعض تسويقها على الأمة كأمر واقع لا فكاك عنه في ظل الضعف الذي تمر به أمتنا.. ولعل ما بدأ يطفو على السطح حول القبول بمبدأ تبادل الأراضي بيننا وبين الصهاينة هو آخر ما وصل إليه سماسرة المفاوضات الآثمة مع العدو من خلال محاولاتهم تسويق بضاعة قذرة بائسة على شعبنا وأمتنا من أنهم يقبلون مبدأ تبادل أراض من القدس وأخرى من الضفة الغربية المحتلة أقيمت عليها مجموعة من الكتل الاستيطانية الكبرى مقابل مثيلها من حيث المساحة في صحراء النقب أو حتى في سيناء!!

وفي ظل تصاعد وتيرة الاستيطان الصهيوني في مدينة القدس وأكنافها لم نلمس أي تغير دراماتيكي لمواقف أولئك الذين أدمنوا شد الرحال بسياراتهم ومواكبهم الفارهة للقاء أعدائهم الأصدقاء والتي كان آخرها تلك اللقاءات التي عقدت في القدس رغم تمسك الجانب الصهيوني بالحق في إقامة وتوسيع المستوطنات، وتمسك عباقرة النضال التفاوضي بمسيرتهم التفاوضية السقيمة.

في مقابل هذيانهم ذلك لا نجد أبلغ من الرد عليهم بالحديث "الشعار" لهذه المرحلة الحساسة : "لعن الله من غير منار الأرض".. فالتفاوض مع من يطالب بالاعتراف بيهودية دولة على أرضنا المقدسة لا يكون إلا بالإعلان الواضح الصريح أن تلك الأرض كانت ومازالت وستبقى لأمة الإسراء لا لقتلة الأنبياء.

               

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.

[1] وحي القلم الجزء الثالث –  صعاليك الصحافة2 ص 947.

[2] الزمر 39.

[3] رواه مسلم في صحيحه.

[4] حديث صحيح رواه مسلم وغيره.