الحزب المستحيل .. وفقه الاصطياد 5
الحزب المستحيل .. وفقه الاصطياد – 5
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
يُعد الباب الخامس فى الحزب المقترح للإخوان المسلمين ، وعنوانه " الدين والمجتمع "
من أهم أبواب البرنامج فيما أتصوّر ، لأنه يتناول مؤسسة الأزهر وهيئة الأوقاف ، وما
يُسمى الشئون الدينية ، وقضايا ومشكلات : الفقر ، والبطالة ، الجريمة ، الأمية ،
الطفولة ، الأسرة والمرأة ، والشباب ، والمعاقون ، والمسنون ..الفصل الأول عنوانه
الشئون الدينية والوحدة الوطنية . وأتمنى تغيير العنوان إلى شئون الدعوة والأقليات
؛ لتكون الدلالة مطابقة للمطلوب ، فالشئون الدينية تشمل جميع النشاط الإنسانى
بالنسبة للمسلم فى حياته اليومية والاجتماعية ، أما مصطلح الوحدة الوطنية ، فهو
مصطلح غريب ، ويفترض أن يكون في الوطن الذي يتكون من أعراق مختلفة ومتمايزة ، أما
المغايرة العقدية ، فلا تعنى مفاصلة بين أفراد وطن واحد ينتمون إلى عرق واحد ، وأصل
واحد ، وتراب واحد ، مهما ادعى المدّعون ، وزعم الزاعمون .
وبالنسبة للأزهر ، فكنت أتمنى أن يركز البرنامج على استقلال الأزهر واستعادته من
خاطفيه ، الذين اختطفوه بالقانون 103 لسنة 1961م ، وجعلوه مجرد فرع من فروع السلطة
، وصلت بأحد مسئوليه أن يقول إنه موظف لدى الحكومة !
إن
استقلال الأزهر ، وعودته إلى معهد متخصص للعلوم الشرعية واللغة العربية ، أمر ضرورى
لإصلاح الوطن ، أفراداً وجماعات ، ويمثل قدوة للشعوب الإسلامية فى شتى أنحاء العالم
، وما جرى عقب اختطافه يُمثل كارثة كبرى ، أصابت هذه المؤسسة العلمية العريقة فى
مقتل ، حيث انهار مستوى علمائه وطلابه ، وتحدثت الركبان عن هذا الانهيار من خلال
الحوادث المؤلمة فى تزوير نتائج الامتحانات ، وتفشي الغش ، وتسطيح المقررات ،
وتلاشى حفظة القرآن الكريم .
إن
الجوانب التى اقترحها البرنامج للنهوض بالأزهر ، وتبلغ ثلاثة عشر جانبا ، لا يمكن
أن تتحقق إلا إذا كان الأزهر يملك قراره ، ويضع مناهجه ، ويستعيد قدراته السابقة
على قانون الخطف عام 1961م ، مع استعادة أوقافه المسروقة ، وتشجيع المواطنين على "
الوقف " لحساب الأزهر من خلال ضمانات قانونية ودستورية تمنع السرقة والنهب والتأميم
تحت أى ظرف من الظروف .. ولذا يجب أن يكون استقلال الأزهر البند الأول فى إصلاحه .
إن
الكلام عن " تفعيل " دور مجمع البحوث الإسلامية ، لا ضرورة له ، لأن المطلوب هو
إعادة هيئة كبار العلماء المستقلة ، التى تجتهد فى القضايا المستجدة ، ومعالجة
الأمور القائمة – ايا كانت – بحياد العلماء ، وإخلاص المجتهدين دون تأثير عليهم من
هذه الجهة أو تلك . على أن يسند إلى هذه الهيئة انتخاب شيخ الأزهر ، ونائبه ، وحق
عزلهما أو أيهما ، إذا رأت الهيئة انحرافاً يستوجب ذلك .
أما
ما يتعلق بكليات الأزهر التجريبية ( العلوم ، الهندسة ، الطب ، الزراعة ، ..... ) ،
فيجب أن تفتح لجميع الراغبين ، بما فيها غير المسلمين ، شريطة الالتزام بحفظ أجزاء
من القرآن الكريم ، ودراسة المقررات الشرعية والأدبية التى تضاف إلى مقرراتها
الأصلية ، وتكون تقديراتها مؤثرة فى النتيجة العامة للطالب .
ثم
إن إعادة نظام " الجراية " – أعنى المقابل المادى – بالنسبة للطلاب مسألة ضرورة
للتشجيع على الدراسة فى كليات الأزهر النظرية والتفوق فيها .
ورد
البند ثالثا بعنوان ( الشئون الدينية ) في هذا الفصل ، وأرى أن يكون ( شئون الدعوة
) . ويجب النص فى بداية الكلام عن تطوير دور العبادة على : رفع يد الأمن عن وزارة
الأوقاف والمساجد ، فلا يتحكم فى اختيار الخطباء أو الأئمة ، ولا يتدخل فى حركة
المسجد والمنبر ، ومن العار أن يصعد شيخ الأزهر المنبر بتصريح من أجهزة الأمن ،
وإلا أحيل إلى المحاكمة بحكم القانون . إن هذه الأجهزة لا تستطيع أن تتدخل فى شئون
الكنيسة أو الكنيس ، ولا يمكنها أن تأمر بإغلاق الكنيسة أو الكنيس فى أى وقت من
أوقات الليل أو النهار ، وهو ما تفعله بالمسجد لدرجة إغلاق دورات المياه التى
يستخدمها جمهور الناس البسطاء في القرى والغرباء فى المدن .
فيما يتعلق بالكنيسة المصرية ، فقد نسى البرنامج فى غمرة مديحه لها ، وبيان دورها
فى توثيق علاقاتها بالمجتمع والمشاركة فى دعم الفئات المعوزة ، أن استقلال الكنيسة
المصرية ضرورة وطنية ودينية بالنسبة لأتباعها ، والمصريين جميعاً .
لقد
نجح مجلس الكنائس العالمى ، الذى يبسط هيمنته وسيطرته على كنائس العالم جميعاً ، فى
استدراج الكنيسة المصرية إليه فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ، وضمن لأول
مرة منذ ميلاد سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام ، إخضاع الكنيسة الأرثوذكسية لسلطانه
، وأهدافه . أما سلطانه فعنصرى استعمارى ، وأهدافه فتنصيرية تعصّبية .. ولعل ما
يُعرف الآن " بالفتنة الطائفية " فى مصر والسودان ولبنان ، نتاج غير مباشر ، لإدارة
هذا المجلس وهيمنته .. وتبدو خططه – المدعومة من حكومات الغرب الاستعمارى – أكبر
من الإحاطة بها فى الظروف الراهنة على الأقل ، ولكن المؤكد أن انهيار الكتلة
الشيوعية الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتى قد حدث بعد قيام هذا المجلس !وأن تجليات
التعصب الدموى الوحشى ضد المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفة والشيشان وآذر بيجان
، مع انتصار الأحزاب الصليبية في أوربة الغربية وأميركا ، قد جاءت عقب قيام هذا
المجلس !
يجب
أن يدعو البرنامج لاستقلال الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ، واسترداد ممتلكاتها فى
القدس المحتلة ، واستعادة سيادتها على الكنيسة فى إثيوبيا . لأن هذا استقلال للوطن
بأكمله .
يتناول الفصل الثانى من الباب الخامس معالجة بعض القضايا الاجتماعية ، وفى مقدمتها
الفقر ، ويرى أن المحور الأول للتصدى لهذه المشكلة يبدأ من التنمية ، وأرى أن
المحور الأول يجب أن يبدأ من مكافحة الفساد ، والضرب بيد من حديد على أيدى الفاسدين
المفسدين ، الذين ينهبون ثروة البلاد ، وحقوق العباد ، وتهريبها إلى الخارج . لقد
نجحت حكومة " العدالة والتنمية " فى تركيا ، فى مكافحة الفساد فحققت التنمية ،
وقبلها وفرت أكثر من 46 مليار دولار ، كان يُهرّبها الفاسدون ، ويحرمون منها الشعب
التركى ..
إن
التنمية مهما بلغت فى ظل الفساد ، لن يعود خيرها على الشعب ، لأن المستفيد بها هم
الفاسدون . وإذا عرفنا أن الفساد صار متجذراً فى التربة المصرية ، ومتحصناً فى معظم
الأحيان بترسانة من القوانين التى تحميه ، فإن معالجة الفقر تبدأ بمكافحة الفساد
والمفسدين .
فيما يتعلق بالزكاة أرى أن يكون هناك بند مستقل فى البرنامج يدعو لإنشاء مؤسسة
أهلية مستقلة للزكاة والصدقات ، لها برنامجها الخاص الذى يستثمرها فيما ينفع الناس
، ولها قانونها الذى يُحصّنها من التأميم ، ويضمن الرقابة الفعّالة من الجهاز
المركزى للمحاسبات .
إن
الشعب لديه استعداد قوى لبناء مؤسسة الزكاة والصدقات وتنميتها ، وإمدادها بالكثير
من العطاء شرط أن تكون تحت إدارة مستقلة نزيهة ، تملك رؤية ثاقبة ، وقدرة جيدة
لاستثمار الأموال والحفاظ عليها .
ويُضاف إلى ما سبق تشجيع الأوقاف الأهلية ، وتحصينها بالقانون ضد ميكروبات السرقة
والنهب والاغتيال ، فلا تستخدم إلا فى الأغراض التى أوقفت من أجلها ، ولا تمتد
إليها يد الدولة تحت أى ظرف من الظروف .
ومن
البدهى أن يسبق ذلك استعادة الأوقاف المنهوبة والضائعة والتائهة ، لتؤدى دورها الذى
أوقفها أصحابها من أجله .. ونواصل بإذنه تعالى .