بوش والبرنامج النووي الإيراني-6

بوش والبرنامج النووي الإيراني

وتحذير روسى من عودة الحرب الباردة

تابع البرنامج النووي الإيراني

 (1)

انفراجة أمريكية إيرانية وغضب أوربي

حسين علي محمد حسنين

كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر

[email protected]

أشرنا سابقا إلى مدى السخونة فى العلاقات الأمريكية والدول التى تتعاون مع إيران فى الشأن النووى وذلك نتيجة تدهور العلاقات الأمريكية الإيرنية. لكن بعد أن أفرزت الإنتخابات الأمريكية عن نجاح جورج بوش الإبن ، هنا رأى الرئيس الإصلاحى محمد خاتمى بداية عهد جديد مع رئيس جديد قد يقبل برجال الثورة الإسلامية الجدد.   ففى 16 يناير عام 2001 قدم وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي نداء شفهيا للرئيس الأميركي بوش بعد فوزه فى انتخابات الرئاسة الامريكية طالبه فيه بتعديل سياسة بلاده تجاه طهران. وأشار خرازى فى خطابه الموجه للرئيس بوش الى أن السياسة التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون تجاه إيران قد فشلت وأن إدارته فقدت فرصة تاريخية لتحسين علاقاتها مع طهران . وأوضح خرازى أن الحصار الذى فرضته واشنطن ومازال قائما لا يشكل إلا جزء  تافه  على التجارة بين البلدين . (كانت إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون قررت السماح بدخول سلع إيرانية مثل الكافيار والسجاد ومنتجات خفيفة أخرى للأسواق الأميركية فى عام 1999 ).  كما شدد خرازى على أن الرأي العام والشركات الأميركية الكبرى باتت تعارض صراحة تلك العقوبات المفروضة على إيران .  ورفض خرازي قلق واشنطن من تطور العلاقات الإيرانية الروسية، وقال إن  : " الجمهورية الإسلامية تهتم بمصالحها الوطنية عندما يتعلق الأمر بتعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى".

انفراجة أمريكية محدودة تجاه ايران:

وفى 18 يناير 2001  أعلن وزير الخارجية الأميركي كولن باول أثناء جلسة ترشيحه في مجلس الشيوخ أن الإدارة الأميركية الجديدة ستبحث سبل تعزيز الاتصالات مع إيران. فى نفس الوقت أكد  باول وجود خلافات كبيرة بين طهران وواشنطن تتعلق بالقضايا السياسية والمصالح والأمن الامريكى فى منطقة الشرق الأوسط ، لكن هذه الخلافات لا تمنع وجود تفاعل سواء عن طريق زيادة التبادل التجاري بين البلدين أو زيادة الحوار. وشدد باول على أن إدارة بوش تعتبر إيران دولة مهمة تمر بتغييرات داخلية كبيرة .

تفاؤل إيراني حذر:

كمال خرازي

وفى 21 يناير عام 2001  أعلن حامد رضا أصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن تصريحات كولن باول وزير الخارجية الامريكية تعد خطوة إيجابية . وجدد أصفى دعوة بلاده للرئيس الأميركي بوش إلى التحلي بالشجاعة واتخاذ خطوات تساعد على إعادة بناء العلاقات بين البلدين . واكد أصفى على أن هناك فرصة جيدة لتحسين العلاقات مع واشنطن في ظل الإدارة الجديدة للبيت الأبيض ، كما شدد على ان إيران سترد الرد المناسب إذا رفعت واشنطن الحظر المفروض عليها وغيرت سياستها تجاه الجمهورية الإسلامية.

غضب أوربى  من النظام الإيراني لانتهاكه حقوق الانسان:

لكن يبدو أن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن بالنسبة لإيران فقد تصاعدت حدة الاتهامات الغربية خاصة من قبل المانيا وإنجلترا وفرنسا إزاء انتهاك النظام الإيراني لحقوق الانسان وذلك بعد ان وجهت محكمة إيرانية اتهامات لنائب وزير الداخلية الإيراني مصطفى تاج زاده  بالتحريض ومساندة اضطرابات طلابية جرت غرب إيران فى عام 2000 ، كما اٍتهم زاده أيضا بأنه وصف مجموعة من التيار المحافظ في إيران بـ الفاشيين لمنعهم اثنين من أساتذة الجامعات الإصلاحيين من الحديث مع طلابهم . بالإضافة الى اعتقال  عدد من المتظاهرين في اشتباكات وقعت بين محافظين وإصلاحيين حيث حاول المحافظون العاملون بتلك الجامعات منع الطلاب الإصلاحيين من عقد مؤتمر وطني في المدينة. وكان وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر قد استدعى السفير الإيراني في برلين فى منتصف يناير 2001 للتعبير عن قلق برلين البالغ من صدور أحكام مشددة صدرت بحق سبعة إيرانيين لحضورهم ندوة في ألمانيا فى عام 2000 حول مستقبل الإصلاحات في ايران.

وردت إيران باستدعاء السفير الألماني في طهران لإبلاغه احتجاجها على رد الفعل الألماني والتدخل المباشر فى شئون البلاد .

ايران تسعى للتهدئة مع المانيا:

في 8 فبراير 2001 وصل وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي إلى برلين لإجراء محادثات مع كبار المسئولين الألمان وذلك من أجل تحسين العلاقات بين البلدين بعدما طرأ عليها توتر ملحوظ فى ذلك الوقت بسبب قضايا حقوق الانسان داخل ايران وتحديدا بعد صدور أحكام مشددة بحق سبعة إيرانيين حضروا ندوة بألمانيا عام 2000 حول مستقبل الإصلاحات الإيرانية ، وهو ما دفع المستشار الألماني شرودر الى تأجيل زيارته لإيران بعد ان كان مقررا لها صيف عام 2001 ، وقررت المانيا تجميد زيارته الى حين حصولها على تأكيدات بعدم المساس بحق السبعة الإيرانيين المحتجزين بسجون ايران . وقد أكد خرازى للمسئولين الألمانيين خلال زيارته  لبرلين أن مسألة المحتجزين فى طريقها للحل. وكان من نتيجة ذلك أن أعلن يوشكا فيشر وزير خارجية المانيا ان بلاده حريصة على تحسين العلاقات مع إيران رغم التوترات الأخيرة ، لكن فيشر أكد فى نفس الوقت أن ألمانيا تتعاطف مع الإصلاحيين المحيطين بخاتمي.  ( يذكر أن العلاقات الإيرانية الألمانية قد منيت ببعض الانتكاسات في السنوات القليلة الماضية أهمها ما حدث عام 1997 بعد أن قضت إحدى المحاكم الألمانية بأن إيران أمرت باغتيال أربعة من الأكراد المنشقين في برلين عام 1992) .  وقد تركزت محادثات خرازى فى برلين طبقا لما أعلنته الخارجية الألمانية في بيان لها على العلاقات الإيرانية الألمانية والموقف الإيراني من مسائل إقليمية، بالإضافة إلى السياسة الأمنية ونزع السلاح. الجدير بالذكر أنه بعد وصول الإصلاحيين الى الحكم فى طهران  وزيارة محمد خاتمي لبرلين فى عام 2000 أصبحت طهران أكبر شريك تجاري لألمانيا  ، وقد أعلن شرودر أثناء لقائه بـ خاتمى فى ذلك الوقت أن بلاده ستضاعف ضماناتها التصديرية للاستثمار في إيران الى خمسة أضعاف لتصل إلى مليار مارك ألماني .

(2)

روسيا تعلن تعاونها  العسكري مع إيران

وخاتمى فى أول زيارة لرئيس إيراني الى موسكو

فى 12 فبراير عام 2001 أعلن رئيس الهيئة الروسية لتصدير الأسلحة فيكتور قمر الدين أن موسكو سوف توقع اتفاقا للتعاون الفني العسكري مع إيران ، واكد أن اتفاقات الأسلحة مع إيران سوف تعود على موسكو بنحو 300 مليون دولار سنويا ، وانه تم بحث تلك الاتفاقات أثناء زيارة وزير الدفاع الروسي إيجور سيرجييف إلى طهران في ديسمبر 2000. وأشار قمر الدين أن التوقيع على العقود سوف يتم في يوليو 2001 مؤكدا أن فرنسا وألمانيا قد تنشطان أيضا في مجال صفقات الأسلحة لإيران.  ( يذكر أن روسيا أبلغت الولايات المتحدة فى عام 2000 أنها لم تعد ملتزمة بشروط الإتفاق الذى وقعته مع نائب الرئيس الأميركي السابق آل جور عام 1995 والذي يقيد مبيعات أسلحتها لإيران ) .

رد الفعل الامريكى:

دونالد رامسفيلد

وفى 14 فبراير 2001 أعربت واشنطن عن استيائها إزاء صفقة الأسلحة الروسية التى أعلن عنها قمر الدين رئيس الهيئة الروسية لتصدير الأسلحة . وقد شدد دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكى على أن إيران تعد من الدول التي ترعى الإرهاب وأن قيام الروس ببيع تكنولوجيا الصواريخ النووية ووصولها لإيران يعنى ان الأمن القومي الامريكى والأوربي والشرق الأوسط قد أصبح فى خطر ، وانه يجب على الحكومة الروسية وضع ذلك فى الاعتبار .   فى نفس الوقت أعلنت واشنطن بنبرة تحدى أنها تقوم حاليا بوضع برنامج ضخم للدفاع الصاروخي للرد على التهديدات الإيرانية للمصالح الامريكية فى المنطقة. (يلاحظ أن القيادة الروسية تعارض برنامج الدفاع الصاروخي الامريكى حيث ترى إنه قد يقضي على معاهدة الحد من الصواريخ البالسيتية الموقعة بين واشنطن وموسكو عام 1972).

موسكو ترفض لهجة التحدي الامريكية

فى 15 فبراير 2001 رفض مسؤولون عسكريون روس اتهامات وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد المتعلقة بتشجيع روسيا لانتشار تكنولوجيا الصواريخ والأسلحة النووية، وقد حذر هؤلاء المسئولون الروس من العودة الى فترة الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة.  وفى هذا الصدد أعلن المسؤول الثاني في قيادة الأركان الروسية الجنرال فاليري مانيلوف: إن روسيا لم ولن تخالف تعهداتها في الحفاظ على عدم انتشار الأسلحة النووية ، وأن موسكو طلبت أكثر من مرة من المسؤولين الأميركيين عدم الإدلاء بتصريحات  معدة للاستهلاك الشعبي . وأكد مانيلوف أن بلاده غير مستعدة لتليين موقفها في ما يتعلق بنشر الولايات المتحدة للمظلة المضادة للصواريخ. فى نفس الوقت أعلن رئيس دائرة التعاون الدولي بوزارة الدفاع الروسية الجنرال ليونيد إيفاتشوف فى نبرة تحدى : إن موسكو يمكن أن تتكيف مع درع الدفاع الصاروخي هذا الذى تشير إليه الإدارة الامريكية إذا اقتضى الأمر. إلا انه عاد وقال:  إن روسيا تنفذ بدقة كل التزاماتها الدولية بما فيها الالتزامات في مجال الحد من انتشار الأسلحة وإن الاتهامات الأميركية بعيدة عن الحقيقة لأنها غير موثقة وليس لديها اى إثبات.

إيران تطلب من روسيا سرعة بناء محطة بوشهر النووية:

ألقت السخونة بين واشنطن وموسكو بظلالها على العلاقات الروسية الإيرانية  . ففي 10 مارس عام 2001 انتقدت الحكومة الإيرانية بعض الشركات الروسية لتباطئها في بناء محطة كهرباء بوشهر النووية ، وقد جاء على لسان كبار المسئولين الإيرانيين أن الشركات الروسية لم تنجز من المشروع النووي بإيران سوى 50% فقط رغم مرور سبعة أعوام على توقيع عقد إنشائها.  فى نفس الوقت أكد نائب رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية أسد الله صبوري أن الخبراء الروس يتقنون تماما التكنولوجيا النووية، لكن إدارتهم وتخطيطهم ليست على مستوى كفاءتهم التقنية. وقد بدا واضحا استياء الحكومة الإيرانية  من بطء العمل في بناء محطة كهرباء بوشهر . حدث ذلك فى الوقت الذى حاولت الولايات المتحدة العمل على إلغاء البرنامج النووي الإيراني عبر الضغط على روسيا التي كانت تجري محادثات مع إيران لبناء مفاعل آخر بديل في بوشهر.

خاتمى فى أول زيارة الى موسكو:

فى محاولة لتهدئة سخونة العلاقات الإيرانية الروسية ودفعها للأمام قام الرئيس محمد خاتمى فى 12 مارس 2001 بزيارة رسمية إلى روسيا اعتبرت الأولى التى يقوم بها زعيم إيراني لموسكو منذ أربعين عاما، كان هدفها المعلن تعزيز التعاون التجاري والفني بين البلدين ، بينما الغير معلن فقد تمثل فى محاولة التوصل الى مزايا استراتيجية تحد من الضغوط الغربية على النظام الإيراني . وقد ركزت الزيارة على احتياطيات النفط لمنطقة آسيا الوسطى والأسلحة والطاقة النووية والوضع في القوقاز وبحر قزوين ، اضافة الى الحصول على تراخيص لتجميع معدات عسكرية روسية مثل طائرات ميج 29 المقاتلة ودبابات تي 72 وبحث عقود أسلحة روسية جديدة مع إيران تصل قيمتها إلى سبعة مليارات دولار، وهو ما يعنى طبقا لتقارير مبيعات الأسلحة لدول العالم الثالث أن إيران ستكون أحد أكبر مستوردي الأسلحة الروسية بعد الصين والهند. وقد رافق خاتمى فى هذه الزيارة كل من وزير الدفاع على شمخاني ووزير النفط بيجن زنجانه. وفى تلك الزيارة أكدتا إيران وروسيا عزمهما على مواصلة التعاون العسكري . (يذكر أن الدولتين أشارتا فى بداية عام 2000 إلى مشروع للتعاون يقوم على تطوير علاقاتهما لإحداث توازن مع النفوذ الغربي لا سيما الأميركي في المنطقة).

رد الفعل الامريكى:

اعتبرت واشنطن الإتفاقات الروسية الإيرانية بمثابة تحد صريح لها ، وعليه قررت واشنطن تطوير التعاون مع حلفائها الأوربيين ووضع مزيد من الضغوط على روسيا حتى توقف موسكو بيع أسلحة متطورة الى ايران . وعليه قررت واشنطن وضع ايران ضمن قائمة الدول المارقة والراعية للإرهاب وهو ما أعلنته فيما بعد الخارجية الامريكية وتلقفته وسائل الإعلام التى شددت على أن إيران فى طريقها لإنتاج أسلحة نووية (يذكر أن حملة انتخابات بوش الابن فى عام 2000 ركزت على حظر مبيعات الأسلحة الى النظام الإيراني ). وتزعم واشنطن أن طهران ربما تستخدم التقنيات الروسية لتطوير أسلحة نووية وذلك فى الوقت الذى تصر موسكو وطهران على أن تعاونهما النووي يقتصر على الأغراض المدنية فقط.

روسيا تزود ايران بالأسلحة:

فى 13 مارس 2001 أعلنت روسيا أنها تنوي المضي قدما بتزويد إيران بإحتياجاتها العسكرية في مجال الدفاع وسوف تتعاون معها في مجال الطاقة النووية للإستخدامات السلمية ، وشددت موسكو على أنها لن تنتهك التزاماتها الدولية. فى نفس الوقت برر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعاون العسكري والنووي مع ايران قائلا:  تهتم روسيا لأسباب اقتصادية بالتعاون العسكري مع ايران ، أما الأسباب السياسية فإننا نعتقد أن إيران دولة مستقلة قادرة على الدفاع عن مصالحها الوطنية . كما أشار تقرير لوكالة صادرات السلاح الروسية أن الصفقات العسكرية لإيران قد تتضمن قطع غيار لكل من عربات مدرعة، ودبابات وطائرات سوخوي 24 و25 وميج 29 وثلاثة أنواع من طائرات الهليكوبتر، إضافة الى بيع عدد غير محدد من المدرعات والصواريخ التكتيكية، وغواصات تعمل بالديزل. أما الاتفاق الذى وقعه بوتين وخاتمي والذي يستمر لمدة عشر سنوات فهو يقضي بالتعاون في مجال الطاقة النووية لغايات سلمية، وقيام روسيا ببناء محطات كمحور أساسي للتعاون، وعلى رأسها استئناف العمل في مفاعل بوشهر.

خاتمى يرد:

فى نفس الوقت أكد الرئيس الإيراني محمد خاتمى أثناء زيارته لروسيا ان اتفاقية التعاون العسكري مع روسيا تأتى فى إطار اعتزام طهران على تطوير قطاع الطاقة النووية على أساس الاتفاقات الدولية، وأن أنشطة روسيا في هذا المجال تستند فقط إلى قواعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتتم تحت إشرافها. وشدد خاتمى على أن تنمية العلاقات بين البلدين ليست ضد مصلحة أي دولة أو منطقة. وقال : إن منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى قدر أكبر من الهدوء والاستقرار، وان أي وجود أجنبي يمكن أن يؤثر على الاستقرار( كان ذلك إشارة إلى الوجود الأميركي في دول الخليج) .

(3)

روسيا وإيران وبحر قزوين

خلال زيارة خاتمى لموسكو فى 12 مارس 2001، وقعا الرئيسان الإيراني والروسي على بيان مشترك بشأن الوضع فى بحر قزوين ، وقد أشار البيان الى عدم الاعتراف بأي حدود بحرية قبل إيجاد إطار قانوني ، إلا ان البيان اغفل الوضع السياسي المتشابك المحيط ببحر قزوين الغنى بالنفط والذي إستمر الخلاف بشأنه منذ عهد الاتحاد السوفيتي السابق . كما شدد البيان على ان اى اتفاق بشأن الوضع فى بحر قزوين لن تكون له قوة القانون إلا إذا وافقت الدول الخمس المطلة على البحر . أيضا اتفقت الدولتان على عدم مد اى خطوط للنفط أو الغاز فى بحر قزوين لان ذلك سيكون له أضرارا بيئية . يأتى ذلك فى الوقت الذى ترغب فيه كل من أذربيجان وجورجيا وتركيا بمد خط أنابيب للنفط بين الشرق والغرب حتى يصل الى ميناء جيهان التركى .

بوش فى أول مواجهة رسمية ضد النظام الإيراني:

جاءت أول مواجهة علنية بين الرئيس الامريكى الجديد جورج بوش والنظام الإيراني فى 14 مارس 2001 عندما أعلن بوش عن تجديد الحظر على التجارة والاستثمارات الأميركية مع إيران ، وقال: إن ذلك الحظر سوف يستمر حتى يتم الانتهاء من إجراء مراجعة شاملة للسياسة الامريكية نحو ايران . وقد أكدت ذلك المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الامريكى ماري إيلين كانتريمان بقولها : أن الرئيس بوش وقع أمرا  بتجديد العقوبات الاقتصادية السارية التى فرضها الرئيس السابق بيل كلينتون في عام 1995 والتي ينتهي أجلها فى 15 مارس 2001  ، وأوضحت أن تجديد العقوبات لا يحد من خيارات سياستنا فيما يتعلق بإيران . لكن الجديد فى تصريحات مارى كانتريمان أن بوش احتفظ بإمكانية تعديل أو رفع تلك العقوبات، وهو ما يعنى ان الإدارة الجديدة ستراجع السياسة الامريكية إزاء إيران .

فى نفس الوقت اكد الرئيس الامريكى الجديد بوش : أن الأزمة التي نجمت عن أعمال وسياسة الحكومة الإيرانية فى السابق بما فيها دعم طهران للإرهاب الدولي وسعيها إلى نسف السلام في الشرق الأوسط وحيازة أسلحة الدمار الشامل هي مسائل لم تحل بعد . وشدد بوش على أن مثل هذه الأعمال تهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة خاصة الحيوية منها والمتعلقة بمجال الأمن القومي .

إيران تحث الإدارة الامريكية على رفع العقوبات الاقتصادية عنها:

على ضوء تحذيرات الإدارة الامريكية الجديدة المتعلقة بفرض العقوبات الاقتصادية على ايران ، أخذت حكومة محمد خاتمى تلوح بورقة فتح الأسواق الإيرانية للسلع الامريكية . ففي  18 مارس 2001 قال وزير التجارة الإيراني محمد شريعة مداري : إن رفع هذه العقوبات عن ايران سوف يضمن مصالح الكثير من الشركات الأمريكية ، وأنه فى حال فتح الأسواق الأمريكية أمام السلع الإيرانية فإننا سنشتري سلعا مثل القمح والأرز والسكر والزيوت النباتية من أمريكا خاصة وأننا قمنا بتخصيص خمسة مليارات دولار لاستيراد أغذية وقطع غيار سيارات خلال السنة الإيرانية الجديدة التي ستبدأ يوم 21 مارس2001(وهو مبلغ يسيل له اللعاب) . وشدد وزير التجارة الإيراني شريعة مداري على أن التجارة الثنائية بين إيران والولايات لمتحدة اكتسبت قوة دافعة لتخفيف واشنطن للعقوبات منذ عام للسماح باستيراد السلع الإيرانية مثل الكافيار والفستق والسجاد.  (يلاحظ ان حجم التبادل التجاري بين إيران والولايات المتحدة كان يتجاوز المليار دولار في صورة سلع أهمها النفط قبل أن يفرض الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عقوبات على التجارة والاستثمار بموجب الحظر على إيران في عام 1995 ).

مزيد من الضغوط الأميركية على إيران:

فى 23 مارس 2001 إنتقد توم لانتوس النائب الديمقراطي بلجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الأميركي إيران لعدم سعيها لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، وزعم أن إيران مستمرة في تطوير الأسلحة الكيماوية ودعم الإرهاب . وقال أنه سيعمل مرة أخرى على مساندة مد العمل بقانون يقيد الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط الإيراني .  وعلل لانتوس موقفه هذا بأن طهران أخفقت في الرد بالمثل على النوايا الحسنة التي أبدتها واشنطن فى عام 2000 عندما رفعت الإدارة الأميركية السابقة برئاسة بيل كلينتون حظرا تجاريا كان مفروضا على واردات الكافيار والبندق والسجاد من إيران. وقال لانتوس إذا لم تتخذ القيادة الإيرانية خطوات ملموسة للعودة مرة أخرى إلى مجموعة الدول المحبة للسلام والملتزمة بالقانون واحترام حقوق الإنسان والأعراف الدولية المتعلقة بالعدل فان العلاقات الامريكية سوف تأخذ موقفا اكثر تشددا فى المرحلة القادمة وسنعمل على مد العمل بالقانون الأميركي الخاص بفرض عقوبات على إيران وليبيا، والذي يقضي أيضا بمعاقبة الشركات الأجنبية التي تستثمر أكثر من 20 مليون دولار سنويا في قطاع النفط والغاز الطبيعي الإيراني .  

وعلى الصعيد نفسه قال هنري هايد رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب (النائب الجمهوري عن ولاية الينوي) إنه سيبذل جهودا حثيثة كي يجدد مجلس النواب العمل بقانون العقوبات الذي فرض لأول مرة عام 1995.   جاء ذلك تدعيما لقرار الرئيس الأميركي جورج بوش الخاص بتجديد الحظر الامريكى على الاستثمار والتجارة الأميركية مع إيران إلى حين إجراء مراجعة للسياسة تجاه الجمهورية الإسلامية .

(4)

إيران تمد يدها نحو دول الخليج

جاءت سخونة الإدارة الامريكية الجديدة ضد النظام الإيراني على عكس ما توقعه قادة طهران .  ففي 25 مارس 2001 وصف سفير إيران لدى الأمم المتحدة هادي أتجاد حسنيان قرار الرئيس الامريكى الجديد بمد العمل بالعقوبات الاقتصادية ضد ايران بأنه قرار " مخيب للآمال ". وشدد حسينيان على ان هذا القرار يظهر أن الولايات المتحدة تفتقر إلى النية الحسنة تجاه إيران.      وبناء على ما تقدم قررت الحكومة الإيرانية توسيع نطاق تعاونها مع الدول الخليجية المجاورة لها . وبالفعل تم عقد اجتماع اللجنة السعودية-الإيرانية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والثقافي ( وهو امتداد لاجتماع 15 يناير 2001) ، أيضا تم تفعيل أعمال اللجنة الاقتصادية المشتركة البحرينية-الإيرانية التى عقدت فى(فبراير 2001) ،  ثم بحث مشروع نقل المياه من ايران الى الكويت لضخ المياه العذبة من سد كاركى فى شمال ايران الى الساحل الجنوبي للكويت عبر خط أنابيب طوله 540 كم يشمل 330 كم داخل ايران و210 كم من الأنابيب تحت مياه الخليج وينتج المشروع نحو 200 مليون جالون يوميا . بالإضافة الى تعميق التعاون التجاري مع الامارات وتحديدا إمارة دبي التى تعد شريكا تجاريا مهما لإيران . ولقد بدا واضحا أن رسالة ايران قد وصلت الى الولايات المتحدة وإسرائيل .

وواشنطن تدعم إسرائيل أملا فى ردع ايران:

فى أوائل ابريل 2001 قامت الادارة الامريكية بتسريب معلومات تفيد بتوقيع خمس اتفاقيات مع حكومة تل أبيب فى مجال التعاون الإستراتيجي. يذكر أن الوفد الاسرائيلى الذى حضر تلك الاتفاقيات فى واشنطن تكون من مدير عام وزارة الدفاع عاموس يارون والمستشار السياسى لرئيس الحكومة شفى شناوير ورئيس لجنة الدفاع القومي ديفيد عبرى ، وايهود ميرنى رئيس قسم الميزانيات بوزارة المالية . وتضمنت الاتفاقيات الخمس البنود التالية: الاتفاق الأول وينص على: (1) تعويض جزئي عن النفقات التى تكبدتها اسرائيل بسبب الانسحاب من جنوب لبنان. (2) تعويض اسرائيل عن عدد من الأسلحة والمواقع التى تركها جيش جنوب لبنان الموالى لإسرائيل والجيش الاسرائيلى نفسه بعد قرار الانسحاب. 

(3) دفع تعويض مادي لإسرائيل خاص بالخسائر الاقتصادية التى تكبدتها بعض الشركات التى كانت تمتلك فروعا لها فى جنوب لبنان. 

أما الاتفاق الثاني فقد تضمن تجديد الاتفاق الإستراتيجي الذى عقد عام 1988، وقد نص الاتفاق الجديد على الآتى: (1) قيام الادارة الامريكية بتقديم جميع المساعدات المدنية والعسكرية والاستخباراتية. (2) مع المحافظة على قدرات اسرائيل فى عمليات الردع العسكري بمنطقة الشرق الأوسط .    والاتفاق الثالث نص على تقديم أسلحة متطورة  للجيش من اجل ضمان قدرة اسرائيل على مواجهة التهديدات التى قد تواجهها من الدول المجاورة . والاتفاقية الرابعة  تضمنت تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل حسب خطة تمويل تم الاتفاق عليها خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق بنيامين نيتانياهو والتى بموجبها سوف تتزايد المساعدات العسكرية لتصل الى 2 مليار و400 مليون دولار على ان يتم فى نفس الوقت خفض المساعدات المدنية لإسرائيل .     أما الاتفاق الخامس فقد نص على المشاورات والرقابة من قبل البلدين على بيع الأسلحة ، وذلك لضمان عدم وصول التكنولوجيا العسكرية الامريكية او الإسرائيلية الى أيد غير مرغوب فيها ، مع التزام اسرائيل بالتشاور مع واشنطن حول مبيعات اسرائيل للأسلحة الى اى من الدول التى تمثل حساسية لأمريكا.

ايران تنفتح على السعودية:

جاءت الاتفاقيات الامريكية الإسرائيلية بمثابة ورقة ضغط جديدة تمارسها واشنطن ضد النظام الإيراني كعقاب له نتيجة توسيع نشاطه مع الدول المجاورة، خاصة ما يتعلق بأمن الخليج ، اضافة الى تعميق التعاون العسكري بين موسكو وطهران . وعليه قرر محمد خاتمى (إمعانا فى التحدي) توسيع وتوثيق العلاقات الإيرانية السعودية وذلك عندما قامت ايران فى أول مايو 2001 بتوقيع  الاتفاق الأمني الإيراني السعودي الشهير . فقد وضعت تلك الاتفاقية قاعدة للأمن والاستقرار فى منطقة الخليج ، اضافة الى فتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي بين البلدين فى جميع المجالات . وقد تركزت الاتفاقية الأمنية على عدة محاور أهمها : (1) التعاون فى مجال مكافحة الجريمة المنظمة . (2) ومكافحة تزوير الوثائق الرسمية والإرهاب ومحاربة جرائم الثراء غير المشروع داخل البلدين.

(3) محاربة الجرائم الاقتصادية من خلال التصدي لغسيل الأموال. (4) ومكافحة جرائم تهريب الأسلحة والبضائع ومنع التسلل غير المشروع .  (5) محاولة القضاء نهائيا على تهريب الآثار والتراث الثقافي .  (6) التعاون فى مجال التدريب الأمني وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنية بين البلدين . (7) التعاون فى مجال الإنقاذ البحري ومنع التسلل غير القانوني عبر الحدود البحرية . (8) التعاون فى مجال مكافحة المخدرات (تجارة واستهلاكا) والتعاون فيما يخص أمن المواطنين فى البلدين.    (9) بالإضافة إلى منح تسهيلات اكثر للحجاج الإيرانيين خلال موسمي الحج والعمرة وكذلك تسهيل سفر رجال الأعمال والتجار الإيرانيين الى السعودية واقامة المعارض التجارية والصناعية بين البلدين .

إلى اللقاء فى المقالة رقم (7)