من يحتمل عار غزة

مخلص برزق*

[email protected]

عار يسري مع رياح الخريف يُلطِّخ كل من استمع للأباليس وطأطأ رأسه مسلماً زمامه لمشعوذي أنابوليس..

عار يجلل كل السياسيين والحقوقيين والمدافعين عن حقوق وكرامة الإنسان الذين لا يعتبرون ما يرصد لهم من مآسٍ وكوارث في غزة أمراً ذي بال يستحق التحرك ودق نواقيس الخطر..

عار يكاد يحس به كل من يطاوعه ضميره بالإبقاء على الفضائية التي تبث صور المعاناة بكافة أشكالها في غزة دون أن يضغط على زر "الريموت كونترول" للتغيير إلى قناة تبث آخر أخبار الأسهم والمؤشرات الاقتصادية أو أخرى تبث الأغاني و"الكليبات" الإباحية أو تلك التي تنقلك إلى عالم لا ينتهي من المسلسلات الرومانسية والكوميدية والدرامية أو تلك التي تغرقك في الأخبار الرياضية..

إنه عار يلاحق كل مراسل ومصور وإذاعة وفضائية تغض طرفها عن كارثة غزة ولا تضعها في مقدمة اهتماماتها وبرامجها وتغطياتها الرئيسية..

عار لا ينجو منه عالم أو خطيب أو متكلم يرى ويسمع ويتابع ما يجري من موت بطيء وقتل على الهواء مباشرة وحصر وحصار وتدمير وتجويع وإرهاب ثم لا يجهر بكلمة حق تنصرهم ودعوة صادقة تغيثهم وبيان لشرع لا يبيح أبداً تركهم وحدهم..

عار يمس كل من يملك ما لا يملكه أهلنا الصابرون المصابرون المرابطون في غزة من متطلبات العيش الكريم كحرية التنقل من وإلى القطاع ليس فقط للمرضى والجرحى والطلبة وحجاج بيت الحرام وغيرهم. وإنما لكل غزّي يشرف كل بلد أن يستقبله ويكرم وفادته وقد قدموا لأمتهم الدماء والأرواح وبذلوا الغالي والنفيس لرد العدوان الصهيوأمريكي عنها وعن مقدساتها وكرامتها.

عار لا يستثني بلداً عربياً ولا إسلامياً لديه فضل وقود، فضل بنزين، فضل ديزل وسولار، فضل غاز وكيروسين ويمسكه عن أهلنا في غزة..

عار يلاحقهم مع كل برميل نفط يصدرونه إلى آخر أصقاع الدنيا دون أن يرسلوا نظيراً له لأطفال غزة يستدفئون به من برد شتاء يوشك أن ينهش أجسامهم الضعيفة.

عار يصِمهم مع كل بئر ماء يتوقف عن العمل بسبب قطع إمدادت البنزين اللازم له.. ومع كل مخبز وفرن يتوقف عن العمل بسبب قطع الكيروسين عنه.. ومع كل حاوية قمامة يتم حرقها مسممة أجواء غزة بعد أن عجزت شاحنات البلدية المتوقفة قسراً عن تفريغها.. ومع كل أنَّة لمريض لا توفر له مستشفيات غزة مستلزمات العلاج بسبب قطع إمدادت الوقود عن غرف عملياتها.. ومع كل لحظة تمضي على طلاب هجروا مدارسهم وجامعاتهم بسبب عدم توفر وسائل النقل إليها في ظل قطع الوقود عن غزة..

عار يُطبق على دول فاضت ميزانياتها مليارات الدولارات من مدخولات بيعها للنفط بأسعاره المرتفعة دون أن تحسب حساباً لرجال غزة ونسائها وأطفالها..

عار لا ينفك عن تلك البلاد العربية والإسلامية بتركها غزة رهينة أخبث الخلق وأشدهم عداءً للذين آمنوا يتحكمون بمصائر أبنائها وقوتهم ولقمة عيشهم وشربة مائهم وحبة دوائهم ..

عار شنيع يصيب كل من يملك فضل زاد أو فضل ماء أو فضل دواء أو فضل حليب أطفال أو فضل سلاح ولا يجود به على مستحقيه في غزة.

عار يجوب البلدان يلطخ كل قاعد مشغول بنفسه وماله وعمله وتجارته بل وعياله عما يجري في غزة.. وكل من يملك قلماً لا يثور أو منبراً إعلامياً لا يتزلزل غضباً لأجل غزة وأهلها.

عار يبدأ أول ما يبدأ بأولئك المشغولون في حكومة فياض –فاقدة الشرعية- بتطبيق إملاءات دايتون وجونز وضباط الارتباط الصهاينة.. الذين أعماهم حقدهم الأسود على المقاومة والمقاومين فتحولوا طائعين مستسلمين إلى مخالب غدر في أيادٍ يهودية نجسة أسالت دمانا سخينة على ثرى غزة المحاصرة بغدرهم ولؤمهم وحقدهم..

عار يتقاسمونه مع قابيل وهم يتلذذون بسن سكاكينهم لذبح هابيل غزة ويشهدون مهلك أهله معه قصفاً وتجويعاً وحرماناً من التداوي والاستطباب..

عار يشاركون فيه أصحاب الأخدود وهم يرقبون بشماتة وقحة لا يخفونها في وسائل الإعلام نيران الأباتشي و"الزنانة" تحرق المرابطين المدافعين عن طهر غزة وشرفها..

عار لا يفارق وجوههم المجللة بالذل والصغار وهم يؤلبون العالم على حصار غزة وتركيع أهلها للنيل من شموخهم وإبائهم..

عار لا تقوى كل قوى البغي والظلام أن تدفعه عنهم وإن نالوا منهم كل شهادات الرضى والثناء مرفقة بإمدادات المال والسلاح المخصص لتطبيق خارطة الطريق التي ستودي بهم إلى مزبلة التاريخ.

فمن ذلك الذي يقوى على احتمال عار غزة الجريحة.. غزة الباكية الكسيرة.. غزة المخذولة الحزينة؟؟

من الذي يحتمل عار أم الشهداء أرض العز والسناء.. المخضبة بالدموع والدماء؟؟

               

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.