السلطان العثماني وأسلمة القدس
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
تلقيت مقطعا مصورا على البريد الالكتروني لعالم يهودي أميركي اسمه نورمان فينكلشتين
، يبدو من أصل ألماني ؛ وهو من أب وأم يهوديين ،وفي المقطع يواجه عاصفة من البكاء
الهستيري من جانب جمهور المستمعين اليهود لأنه قال إن ما تصنعه الحكومة الصهيونية
في فلسطين ،وما تنزله بشعبها من قتل وتنكيل وحصار هو عمل من أعمال النازية ، بل هو
نازية أشد من النازية الألمانية ، وحين رأى الدموع والبكاء الهستيري من جانب
الجالسين وعاصفة المعارضة لوصفه للصهاينة بالنازية ، كان رابط الجأش قويا ، وواجه
النازيين الجدد بقوله إن أباه وأمه قتلا في معسكر أوفيتز ، ولهذا السبب يرفض قتل
الفلسطينيين والتنكيل بهم وحصارهم . لقد وصف نورمان دموع اليهود بدموع التماسيح
،وأن ذلك لن يغير من رؤيته لجرائم اليهود ضد الشعب الفلسطيني!
نورمان فينكلشتاين يمثل نفرا محدودا من أصحاب الضمير في العالم الغربي من أمثال
جارودي وتشومسكي وجورج جالاوي وعمدة لندن ، ينظرون إلى ما يجري في الأرض المحتلة
نظرة فيها الكثير من الموضوعية ، ويواجهون الدعاية اليهودية بمنتهى القوة والحزم
والصلابة ، ويرفضون الابتزاز الصهيوني أو تسويغ جرائمه وعدوانه!
وما
فعله نورمان يقدم نموذجا لكثير من القادة العرب الذين باتوا يخافتون عند الحديث عن
الصهاينة وجرائمهم ، ولا ينطقون أمام ممارسات اليهود الغزاة في القدس وفلسطين ضد
المقدسات الإسلامية والشعب الفلسطيني الأسير .. حتى صارت الشعوب العربية الإسلامية
تنتظر من رجب الطيب أردوغان أو هوجو نشافيز أن يدافع عنها بالكلام والتصريحات أمام
الجبروت اليهودي الدموي الإرهابي .
لقد
كانت الكلمات المائعة الباهتة التي استمع إليها العالم في مؤتمر القمة العربي الذي
انعقد في سرت ( مارس 2010م ) ، جريمة أمام ما تحدث به رجب الطيب أردوغان رئيس وزراء
تركيا ، الذي أعلن صراحة أن احتراق القدس يعني احتراق فلسطين ، واحتراق فلسطين يعني
احتراق الشرق . كان أردوغان في حديثه عن فلسطين وما يفعله الصهاينة بأرضها وأهلها
أكثر فلسطينية من بعض الفلسطينيين ، وكان أكثر عروبة من بعض العرب ، وكان أكثر
إسلاما من بعض المسلمين . ولنتأمل بعض ما قاله في كلمته أمام مؤتمر القمة العربية
في سرت لنرى الفارق بين من يتحسسون كلماتهم بل حروفهم عندما يأتي ذكر اليهود الغزاة
النازيين القتلة ، وبين مواجهة أردوغان الواضحة لحقائق الممارسات الإجرامية لليهود
في فلسطين المحتلة . قال أردوغان :
[
إنّ مصير بلاده مرتبط بمصائر الدول العربية وإنّ الجانبين التركي والعربي قد واجها
معا كثيرا من التحديات وسيخوضان المزيد.
وقال إن اعتبار إسرائيل مدينة القدس عاصمة لدولتها غير قابلة للتقسيم يشكل "حماقة"
مشددا على رفض أي مساس إسرائيلي بالمدينة والمقدسات. ورحب أردوغان باقتراح الأمين
العام لجامعة الدول العربية لتأسيس آلية للرابطة الإقليمية].
أردوغان يعيد سيرة خلفاء آل عثمان الأقوياء من أمثال محمد الفاتح والسلطان أحمد
والسلطان بايزيد .. بل يعيد سيرة السلطان عبد الحميد الذي قهره الصليبيون بسبب
فلسطين وعدم منحها لليهود نظير التخلص من ديون الدولة العثمانية ، لقد رفض أن
يتنازل عن شبر منها ، بوصفها جزءا من جسمه لا يقبل التنازل عنه . إن أردوغان واحد
من هؤلاء السلاطين العظام الذين خدموا الإسلام وتصدوا لقادة الصهيونية والصليبية
الذين شوهوا صورة العثمانيين جميعا ، واخترعوا لهم جرائم إبادة لإشغالهم عن قضاياهم
، وتوريطهم أمام العالم فيما يسمى جرائم إبادة ، وتجاهلوا الإبادة القديمة
والمعاصرة التي يمارسونها بوصفهم استعماريين صهاينة قتلة ؛ في أفغانستان والعراق
وفلسطين ، فضلا عن البوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها من بلاد المسلمين التي لا تنطق
ولا تتكلم ولا تتحدث عجزا وخيبة وفشلا !
على
أية حال فإن كلام أردوغان يصب في عملية أسلمة القدس معنويا وماديا ، والأسلمة كما
سبق القول هي بداية الانتصار ، بعد سلسلة الهزائم التي صنعها الحكام الذين يكرهون
الإسلام والمسلمين ؛ مع أنهم يحملون أسماء إسلامية ، ولكن جهادهم غير المقدس كان
يصب في خانة واحدة فقط ، هي قهر الإسلام والمسلمين إرضاء للسادة الصليبين وخدامهم
من القتلة اليهود الغزاة ..
لا
أحلم أن يقتدي الحكام العرب أن يقتدوا بأردوغان في تعاملاته الدولية والمحلية ، فقد
جاء أردوغان بإرادة شعبه ، التي يعبر عنها باقتدار وبلاغة وبراعة أيضا ، وسوف يكون
من الظلم البين لهؤلاء الحكام أن نطلب منهم أن يركزوا على القضايا الأساسية التي
تهم شعوبهم ، ولا يرددوا صوت السيد الأميركي والسيد اليهودي حول إيران ومفاعلها
النووي ، دون أن ينطقوا بكلمة عن مفاعل اليهود القتلة النووي . لأن ذلك تحميل لهم
فوق طاقتهم ، حيث إن من السهل بالنسبة لهم أن تتفرغ قنواتهم وإذاعاتهم وصحفهم
للصراخ ضد إيران ومفاعلها النووي وضرورة تطبيق العقوبات عليها ، ولكن السلطان
العثماني الذي يمثل إرادة شعبه لا يخشى أميركا أو الغرب ، ويعارض جهارا نهارا فرض
العقوبات على إيران على العكس مما يفعله العجزة العرب الذين لا يخجل بعضهم من القول
إنه لا يستطيع الحرب إلا بالفلوس فقط ؟؟؟
نقلت صحيفة القدس العربي في 30/3/2010م عن أردوغان قوله :
إنه لا يؤيد
فرض
عقوبات اقتصادية للضغط على إيران حتى تثبت أنها لا تملك برنامجا سريا لتصنيع
أسلحة نووية، فيما لمح إلى امتلاك اليهود الغزاة للسلاح النووي مع عدم فرض أي
عقوبات
دولية عليهم.
وناقش اردوغان مع المستشارة الألمانية الزائرة انغيلا ميركل
الاتجاهات المختلفة للجهود'الدولية الرامية إلى الحد من طموحات إيران النووية لكنه
أوضح ممانعة تركيا دعم استخدام العقوبات.
وتابع في مؤتمر صحافي مشترك مع ميركل
'نحن
مع الرأي القائل إن العقوبات ليست مسارا سليما... وان المسار الأفضل هو
الدبلوماسية'.
وقال اردوغان 'تشترك تركيا في حدود طولها 380 كيلومترا مع إيران
وهي
شريك مهم خاصة في مجال الطاقة. ويجب ألا نتجاهل ذلك عندما نقيم
علاقاتنا'.وفي
إشارة مستترة على ما يبدو لليهود الغزاة أشار الزعيم التركي إلى دولة
أخرى في المنطقة تمتلك أسلحة نووية.
وقال اردوغان 'نعارض الأسلحة النووية في
منطقتنا. لكن هل هناك دولة أخرى في منطقتنا لديها أسلحة نووية؟ نعم يوجد. وهل تخضع
لعقوبات؟ كلا'.
هكذا يتكلم السلطان العثماني دون أن يحرك جيوشه أو طائراته أو دباباته . أنه يفهم
ما يقول ، ويحترم شعبه وقومه ، ولا يبلع لسانه ولا يسكت على الإهانة مهما كان الخصم
شرسا ومتوحشا ومجرما .. لقد تمنيت من زعيم عربي واحد أن يرد على وزير المالية
اليهودي المجرم في فلسطين المحتلة الذي أعلن بلا خجل أنه لابد من تصفية حماس ، وقال
بالفم الملآن أمام الدنيا كلها و للإذاعة العامة الإسرائيلية في 28/3/2010م :
"عاجلا أم آجلا، سيكون علينا تصفية نظام حماس العسكري الموالى لإيران الذي يسيطر
على قطاع غزة".وأضاف "لا أحدد جدولا زمنيا لكننا لن نتمكن من التغاضي عن مواصلة هذا
النظام تعزيز نفسه عسكريا وامتلاكه ترسانة من الصواريخ تهدد أراضينا".وأدلى الوزير
الصهيوني وهو أحد شخصيات الليكود البارزة بهذه التصريحات بعد موجة العنف التي
اندلعت الجمعة والسبت على الحدود بين الكيان الغاصب وقطاع غزة وهى الأعنف منذ
انتهاء الهجوم الصهيوني على قطاع غزة في ديسمبر 2008 وحتى يناير 2009"
.
تمنيت أن يقول له أحد إنك غريب عربيد ، ومثلك لا يجوز له أن يتحدث عن تصفية شعب في
أرضه وبلاده ، ولكن الوزير اليهودي القاتل ، متأكد نماما أن أحدا من الحكام
والمسئولين العرب لن يرد عليه ، بل إن بعضهم مسرور في داخله ، ويتمنى من فوره لو تم
قتل أهل غزة جميعا وليس حماس وحدها ؛ فلا يبقى منهم أحد ! ألم يطلب عباس - أقصد آية
الله محمود عباس أبا مازن رئيس السلطة الفلسطينية المحدودة في رام الله وضواحيها –
أن تكثف إسرائيل من قصفها وضغطها العسكري لتقضي على حماس في عدوانها 2008/2009م ؟
لا
ريب أن السلطان العثماني يمنح المسلمين والعرب وشعب فلسطين الأمل في أسلمة قضية
القدس ، وبداية الانتصار ، في هذا الأفق المعتم الذي صنعه الطغاة المتخاذلون الذين
لا ينهضون إلا في مقاتلة شعوبهم وقهرها وتدمير روحها وكرامتها وشرفها ..وغدا وما
أدني غدا لو تعلمون نكون أبدا أو لا نكون ، كما قال شاعر أحب فلسطين وأهل فلسطين
اسمه على أحمد باكثير – رحمه الله .