صراع العقلاء الأحرار في بلادهم
ومضات محرضة
صراع العقلاء الأحرار في بلادهم
ضدّ الطغيان ، أم ضدّ الأوطان!؟
عبد الله القحطاني
· إذا كان الوطن مجرّد قطعة أرض يقيم المرء عليها ، فكل أرض في العالم قد يجدها الإنسان صالحة له ، يتّخذ منها وطناً ، إذا كانت صالحة للعيش فوقها !
· أمّا إذا كان للوطن معان أخرى ، تشمل :
ـ الناس الذين ولِد بينهم الفرد ، وعاش ، وبنى علاقات من أنواع مختلفة ..
ـ والتاريخ الذي صنعه أبناء الوطن ، عبر أجيالهم المتلاحقة ..
ـ والمناهل الثقافية المشتركة ، والإنتاج الثقافي المشترك ، على تبايناته ، التي لاتمزّق العلاقات الاجتماعية ، ولا تضرّ بالمصالح العليا للوطن وأهله !
ـ واللغة والعادات والتقاليد ، التي ألِفها المرء ، وتعوّد على احترامها !
ـ والأخلاق الإنسانية العامّة ، التي اعتاد أبناء الوطن على احترامها والتمسّك بها..
ـ والرموز الإنسانية ، التي يكنّ لها أبناء الوطن التقدير والاحترام ، من أنبياء ، وقادة ، ومصلحين ، ومفكّرين ، وأدباء ، وعلماء .. وهي إرث مشترك لأبناء الوطن جميعاً !
ـ والعقائد التي يدين بها أبناء الوطن ، ويقدّسونها ، ويحترم كل منهم عقائد الآخرين المختلفة عن عقيدته !
إذا كان ذلك كذلك ، فإن الأمر يأخذ مناحي أخرى ، فيصبح :
1) المساس بالوطن ، بصفته أرضاً للعيش المشترك ، بما يؤذي مصالحه العليا ، وسيادته ، وثرواته ، وأمنه .. خيانة وطنية !
2) الطعن بالثقافات الأساسية ، المتفق عليها بين أغلبية سكان البلاد ، خيانة وطنية ؛ لأن فيها إيذاء لمشاعر أكثرية أبناء الوطن !
3) الطعن بمقدسات الأمّة ، التي تؤمن بها شرائح المجتمع المختلفة ، فيه خيانة وطنية ؛ لأن فيه أذى لأبناء الوطن !
4) الطعن برموز الأمّة ، الذين صنعوا ثقافتها وحضارتها وتاريخها ، من الذين هم محلّ احترام المواطنين جميعاً ، أو أكثريتهم .. يعَدّ خيانة وطنية ( وهذا يختلف عن الحوار العقلي الجادّ الرصين ، حول أهمّية إنجاز هذا الرمز أوذاك ، بالنسبة لنهضة الأمّة وتقدّمها وتطوّرها ، ورفع شأنها بين الأمم !) ...
يصبح ذلك كله خيانة وطنية ، بمعان مختلفة ، تتناسب مع أنواع الخيانات ، وأحجامها، ودرجات خطورتها على الوطن والشعب ، حاضراً ومستقبلاً.. سواء أصدرت هذه الخيانات من حاكم أم من محكوم ، وسواء أجاءت من عالم ، أم مثقّف ، أم مفكّر، أم جاهل ..! ودرجات الإثم ، ودرجات المسؤولية عنه ، تحدّدها صفات الأشخاص ، ومستوياتهم العقلية والعلمية والثقافية ..! فالعالم ، أو المفكّر، أو المثقّف .. الذي ينآمر على أمن الوطن مع أعدائه ، ساعياً إلى تدمير جيشه أو اقتصاده ، أوتمزيق أرضه ، أو إضاعة سيادته .. تحت أيّ مسمّى كان ، وأيّة ذريعة كانت .. هو أخطر من الجاهل ، أوالأحمق ، أوالبليد ، الذي يمارس العمل ذاته .. والمسؤولية عن فعله ، أكبر من مسؤولية ذاك !
والحاكم الذي يتخلّى للعدوّ ، عن قطعة من أرض بلاده ـ سواء أكان رئيساً للدولة ، أم وزير دفاع فيها ـ خيانته أكبر من خيانة الفرد الأمّي العاديّ الجاهل !
والسياسي ، أو الإعلامي ، أو المثقّف ، أو المفكّر ، أو العالم .. الذي يتطاول على أقدس مقدّسات شعبه ، من عقائد وأنبياء وكتب مقدّسة .. خيانته الوطنية أبشع من خيانة الجاهل ، الذي لايعرف كثيراً من معاني الكلمات التي يقولها ، ولا كثيراً من صفات الناس الذين يتطاول عليهم ، أو منازلِهم في قلوب الناس وعقولهم ..!
ومن يَتّهم تاريخ الأمّة كله ، بالفساد والزيغ والانحراف ، أويلصق التهم ذاتها ، بثقافتها التي يجمِع أكثر أبنائها على احترامها .. فهو يمارس خيانة وطنية ، بكل معنى الكلمة ، حتى لو سمّى اتّهامه ، أو هجومه ، حريّة رأي ، أو حريّة معارضة ، أو حريّة نقد ، أو أيّة حريّة من الحريات ! ولو عاش في غابة ليس فيها إلاّ الوحوش ، لوجب عليه ، اضطراراً ، ان يتكيّف مع بيئتها ومجتمعها ، ويعرف ماذا تحبّ وماذا تكره ، وكيف .. وماذا يؤلمها أو يغيظها ، وماذا يريحها أو يسرّها .. ليتمكّن من العيش بينها ، وإلاّ فهو يعرف مصيره بينها !