القدس تبدأ الانتفاضة الثالثة

زياد أبو شاويش

الشعب الفلسطيني يتولى الأمر في هذه اللحظة بعد أن يأس من تحقيق أي تقدم في عملية السلام لاستعادة حقوقه وإنهاء حالة الحصار والتهويد والاعتداء على المقدسات.

في الانتفاضة الأولى كانت الأمور قد وصلت لطريق مسدود وكان تهميش ممثلي الشعب الفلسطيني قد وصل لذروته وبات أمراً حتمياً تحرك الشعب لتولي الأمر بيده وكانت غزة الشرارة الأولى وانتشرت المواجهات مع الاحتلال في كل مكان.

في الانتفاضة الثانية كان الوضع يشبه الحالة التي نراها اليوم حيث تقوم سلطات الاحتلال بكل ما من شأنه تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني والسلطة بقيادة ياسر عرفات في حينه، وقد استخف الصهاينة بالغضب الفلسطيني فقام شارون بزيارته الشهيرة لتدنيس الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى، وكانت انتفاضة الأقصى.

اليوم يشعر الفلسطينيون بأن الأمور لم تعد تحتمل الانتظار فقد قدم قادتهم في رام الله كل التنازلات حد المهانة وبدون أي نتيجة، بل لقد أمعن الاحتلال في تدنيس المقدسات الإسلامية والعربية بعد أن استولى عليها بالاحتلال المباشر وألحق قسماً مهماً منها بالتراث اليهودي المزعوم.

الدول العربية تتفرج إلا من قلة منها تساند لكن ذلك لم يعد كافياً، والشعب الفلسطيني يعلم أنه ما لم تتعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر فإن أقصى ما يمكن أن تفعله أمريكا هو الاحتجاج والإدانة لحليفتها الاستراتيجية، وربما تؤخر إرسال مبعوثها إلى المنطقة كما تفعل الآن، لكنها لن تقدم على أي خطوة تضع إسرائيل أمام استحقاق جدي، وكذلك يراقب الشعب الفلسطيني قيادته في رام الله وغزة فلا يجد إلا انقساماً يقدم للعدو أفضل ما يتطلبه أمنه وقدرته على إحكام الحصار والاستفراد بكل طرف، وهو يجيد هذه اللعبة تماماً. إذن الواقع القيادي والفصائلي وواقع منظمة التحرير لا يعطي الأمل في التغيير، ولا الواقع العربي، ولا الواقع الدولي، فماذا يفعل شعب تحت الاحتلال منذ ما يزيد عن الإثني وأربعين عاماً وقد تحررت كل الشعوب والأمم إلا هو؟

ليلة الثلاثاء السادس عشر من آذار مارس بدأت بواكير الانتفاضة الثالثة في الظهور في شوارع القدس الشرقية ومن أحياء المدينة المقدسة العربية وضواحيها واشتبك المواطنون وما زالوا في اشتباكهم حتى الآن، والمؤكد أن نار هذه الانتفاضة ستعم كافة المناطق المحتلة وقد تشمل الداخل الإسرائيلي أي مناطق إقامة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. لن تستمر هذه المهزلة إلى ما لا نهاية، ولن يقبل الشعب الفلسطيني المزيد من الإهانة والحصار والتنكيل والمس بمقدساته، وهو يعلم أنه لن يخسر كثيراً بالمواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي ولذلك يمسك اليوم بزمام الأمور وبثقة في النصر.

إن واجب كل مواطن فلسطيني وعربي أن يقف مع أبناء القدس وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية المنتفضة على الاحتلال، كما أن على قيادة الشعب الفلسطيني في الدرجة الأولى أن تنسى خلافاتها السياسية والتنظيمية لتنخرط في العمل البطولي الذي يقوم به أبناء وطنهم من أجل وقف العدوان ونيل حريتهم، وهذا يتطلب الإسراع من جانب حماس إلى توقيع الورقة المصرية وقبول فتح بالتعديلات التي طلبتها حماس وتسخير كل شيء في هذه اللحظة التاريخية من أجل نجاح الانتفاضة وتحقيق أهدافها الواضحة.

ويبقى أن تقوم الدول العربية والإسلامية بواجبها تجاه نصرة أشقائها وتسارع بعقد القمة لتتخذ قرارات على مستوى المسؤولية وفي مصلحة فلسطين والوطن العربي الذي مزقته خلافات قادة ورؤساء هذه الدول.

إنها لحظة مناسبة للعمل في ظل خلاف أمريكي إسرائيلي، حتى لو كان هذا الخلاف شكلياً ولا يصل حد التناقض أو توجيه العقوبات لإسرائيل.

إنها فرصة مواتية للعمل الصحيح الذي تستعيد فيه الجماهير زمام المبادرة وتتقدم بحزم للأمام وهو الوقت المناسب كذلك ليتخلص العرب من التبعية والانصياع للأوامر الأمريكية إن أرادوا الحفاظ على مصالح هذه الأمة وحقوقها كما الحفاظ على كرامتها، ويبقى أن تحمى الانتفاضة بمواقف سياسية صائبة وشجاعة.