صورايخ ... صواريخ
د. علاء الدين شماع
تطويق واحتواء الحالتين الإيرانية والسورية , تطلب جهداً إعلاميا فائقاً وسياسياً مرهقاً لأميركا وإسرائيل على حد سواء, في فصول تتتالى ولم تهدأ في سعيهم الدؤوب ضد الزمن لكسب مزيد من التأييد العربي والدولي .
إذ يمتلك الإعلام بوسائله المختلفة قدرة غير محدودة على إدارة الصراع وتوجيه دفته حيث تشاء الإرادة السياسية , وهو في دوره الكبير والمؤثر هذا يصوغ توجهات الرأي العام الداخلي والعالمي وفق هواه في حجب حقائق وتشويه وقائع و إظهار أغراض سياسية بعينها دون سواها في تبرير ما يحدث أو يمكن أن يحدث . و حدَث ولا حرج عن ما يمكن أن تفعله أميركا وإسرائيل في هذا الخصوص.
تأتي الحملة الإعلامية على سورية وإيران متساوقة بحجج متشابهة و غايات واحدة و توقيت واحد , حيث أن التوقيت مهم هنا جداً . فبعد بطلان الادعاء بهلال شيعي يمتد من إيران إلى سوريا ولبنان ليصل حتى غزة , أخذت تظهر ادعاءات لا تبررها إلا دعاوى الحرب و التلويح بها , ذلك أن إيران نووية و صاروخية , ُيلزم أن َتظهر سورية نووية و صاروخية أيضاً , لتحقيق المصداقية الإعلامية .
إن إيران عندما تؤكد أن مشروعها النووي سلمي الطابع و ستدافع عنه حتى النهاية, لا تنكر في المقابل مقدرتها الصاروخية و هي تتحدث عن أحد عشر ألف صاروخ قادرة على إطلاقها في الدقيقة الواحدة و التي قالت أنها لن تستهدف بها إلا من يستهدفها بحرب , و بوش عندما تحدث عن مقدرة إيران على تصنيع صواريخ باليستية قد تطول أوروبا و أميركا , يدخل في سياق حملة إعلامية مركزة على هذا الجانب , و ُيشًنف آذان القادة الأوروبيين في التنبيه إلى خطر و إن كان بعيد التقدير لكنه محتمل , والبرادعي في تصريحه أن إيران لا تشكل تهديداً نووياً على المدى القريب, يعكر صفو هذه الحملة , ومقدار ما جوبه به من استنكار أميركي يثبت ذلك, إذ أن عليه أن يصمت, وإن كان مسؤولاً اختصاصياً عن هذا الملف .
أما الإعلام الإسرائيلي والصحافة الإسرائيلية هذه الأيام, فهما لا تبتعدان عن أخواتها الأميركيات كثيراً في استعمال مفردات مماثلة,إنما على الجانب السوري هذه المرة, حيث يظهران مقدرة فائقة في عكس توجهات و رغبات حكومتهم,خاصة فيما يتعلق بالملف السوري , حتى بتنا نسمع عن تعليمات صارمة بهذا الخصوص في فرض رقابة ما ,حول كل ما يمس هذا الملف و كأننا أمام صحافة عاقلة و غير مشاغبة على عادتها , و هي تلتزم بنهج رقابة ستاليني بما فرض عليها من قواعد صارمة بالنشر تخص الموضوع السوري, وهذا ما ظهر على حقيقته بعد استهداف موقع نووي مفترض شمال سوريا . في غموض لف الحدث من الغاية وراء الغارة وحقيقة الموقع المستهدف . ليس على الصعيد الإعلامي و حسب وإنما على الصعيد الحكومي أيضاً .إلى أن أفصحت الحكومة الإسرائيلية عن الأمر و بالتالي الصحافة بعد ظهور فشل الادعاء " بسورية نووية".
حيث أخذت الصحافة الإسرائيلية هذه الأيام بالتركيز على قضية "سورية صاروخية". وأراه تركيزاً موجهاً من الحكومة. و هي تقدر أعداد الصواريخ التي تمتلكها سوريا و تفند ميزاتها و المقدرة التدميرية لكل فئة منها و مداها الذي يغطي كل نقطة في إسرائيل , وعن أن هنالك مدناً إسرائيلية كاملة محملة على خرائط مليمتريه قد تستهدفها الصواريخ السورية في صليات متتالية تلحق بها خسائر بشرية ومادية رهيبة , و أن مدة الإنذار للصواريخ السورية تقارب الصفر لقرب المسافة, و قابليتها على حمل رؤوس تدميرية نووية أو كيميائية ينبه إلى خطر كبير. حتى أن صحيفة هآرتس في عدد قريب لها تحدثت عن سيناريو حرب صاروخية تستهدف إسرائيل تحت عنوان " إذا اندلعت حرب مع سورية .. ماذا يحصل في شوارع تل أبيب ؟!" و هي تشير إلى أن ما ستدفعه إسرائيل على النطاق المدني سيكون باهظ الثمن ذلك أن الحرب مع سوريا ستكون مختلفة تمام الاختلاف عن أي من الحروب التي خاضتها إسرائيل في السابق .
ولا ننسى هذه المرة أيضاً ,ما قاله البرادعي معرباً عن استيائه من استهداف موقع سوري من قبل إسرائيل بحجة أنه مفاعل نووي مفترض , مؤكداً خلوها من أي مشروع نووي,و هو ما عكر صفو الإسرائيلي.
ليس بمقدورنا الحكم على نجاح هذه الحملات الإعلامية و الغاية المقصودة منها ونحن نرى فشل ما أريد أن تمهد له سياسياً ,أقله إلى حد الآن, لكن رايس بعد أن أرهقتها جولاتها المكوكية في المنطقة و التي جاوزت السبع جولات , وهي تعاني من فشل مريع على صعيد ما أريد له أن يكون مؤتمراً للسلام بين الإسرائيلي والفلسطيني أفصحت أخيراً عن الغاية من مؤتمر أنابوليس ,وهي جمع دول الاعتدال العربية لتطويق الحالة الإيرانية , بغية تمهيد الأجواء لشن حرب ضدها و لاشك, و هي تضمر أمر الحالة السورية وأمر تطويقها , حتى لا تثير العرب , في الإعداد لخلق مناخ موائم ووقت مناسب للضربة الكبرى وإعطاء الضوء الأخضر للإسرائيلي لضرب سوريا في توقيت واحد مع ضربها لايران.
إن الدعم الإقليمي و الدولي لعقد مؤتمر أنابوليس , تبرره الحاجة إلى استقرار المنطقة و استمرار التدفق السلس للنفط , بعيداً عن دوافع جنونية مغلفة بدعوى للسلام,يختص بها من هو عارف بامرها, و إذا كانت الحاجة من قبل منظمي المؤتمر ملحة و تتطلب أي شكل من أشكال إعلان مبادئ أو إطار تفاهم فان ترسيم الحدود و قضية اللاجئين و أمر القدس و المياه والمستوطنات لا تزال تقف عقبة كأداء في وجه ما يعرف بمفاوضات الحل النهائي لإعلان الدولة الفلسطينية العتيدة , و رؤية بوش للسلام في الشرق الأوسط ينقصها الكثير من المصداقية مها بالغ في حملاته الدعائية و الأمر السياسي لا يزال يراوح محله. ذلك أن أهمية أن يأتي العرب إلى مؤتمر أنابوليس قد تبدو مسوغاً لدعم إدارة بوش في عملها العسكري القادم , وهذا قد يبدو محل شك و آمل ذلك , إذ أن كل المؤشرات تقول بإمكانية تأجيله , حتى أخذت تظهر في الصحف المحلية و العالمية عناوين من مثل" ماذا بقي من مؤتمر أنابوليس " و "ما الحاجة من مؤتمر لسلام مبطن بدعاوى الحرب".
تكاد كل الحقائق أن تكون غامضة و مبهمة , إلا حقيقة واحدة وهي أن أي سيناريو متخيل لقيام أية حرب في الشرق الأوسط ستكون نتائجها و خيمة العواقب حتماً و على كل الأطراف بلا استثناء, إذ أنها ستكون حرب صواريخ و بامتياز دون استبعاد الحرب النووية التي يلوح بها بوش . وعلى العرب أن يعوا ذلك جيداً إذ أنهم سيكونون أول من سيكتوي بنارها . و فاتورتها مدفوعة مسبقاً من جيوبهم و أرواح أبنائهم.