ثقافة الحقوق
(وقرار التنحي إلى حين)
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
(لم أكن يوماً أطمح لمنصب ليس زهداً فيه ، وإنما هروباً من تحمّل مسؤولية وزر التقصير، ومنهجي في ذالك الفاروق عمر –رضي الله عنه – حينما قال والله لو أن بغلةً عثرت في العراق لخشيت أن يسألني الله عليها ، ولكني وجدت نفسي مُرغما للنزول الى ساحة الجهاد ليس بالسلاح وإنما بالكلمة الحرّه لأقارع بها الطغاة ، ولم أنزل الى الساحة حباً في منصب رئيس أو وزير أو ماشابهه ؛ وإنما لإثبات الحقوق ، والتشجيع لمن يجد فيه نفسه الكفاءه للإقدام ؛ لاسيما على مواقع السلطة وإدارة شؤون الناس ؛ التي لم نرى المتربعين على كراسيّها إلا الفاسدين والمُفسدين وأرازل الناس ، والأكثر كُرهاً لدى الناس وإثارة للاشمئزاز، وأنا عندما تقدمت للترشيح لمنصب الرئاسة الكثير استغرب ؛ والكثير ابتعد عني من الخوف ؛ وحتى الأهل قاطعوني بالأتصالات ، وكان لي بعض الأعمال مع سوريا جُمدت وتبرأ منّي أصحابها وتأثرت من ايقافها، هذا بالاضافة الى تهديدات السلطة الغاشمة وأذنابها لي ،والتي لاتزال قائمة بالقتل حيناً وبالانتقام أحياناً أخرى، مع رفض السفارة لتجديد الجواز الذي حصلت عليه بعد معاناة ربع قرنٍ من الحرمان، ولم أكن مُستبعداً لكلّ هذا ، وكنت من اللحظة الأولى التي بدأت أكتب فيها بأسمي الصريح قد وضعت روحي على كتفي دون أن أخشى الردى أو أخشى أحداً من العالمين إلا الخالق سبحانه، مادمت أخدم قضايا شعبي وأمتي، فرأيت لابد من التضحيات وهي واجبةٌ علينا تقديمها أمام القوافل من الشهداء والسجناء والالام والمعاناة التي يقدمها الأحرار في الداخل السوري ، واستطعت بفضل الله تحريك موضوع الحقوق عند تقدمي للترشيح ؛بعد أن أشعل تلك الشرارة المحامي الذي قدم أوراق اعتماده عبر البريد وكانت حكايته أشبه بالمزحه ؛ثمّ هرب ، واستطعت أن أُفجر الموضوع من بعده ؛ وليتقدم من بعدي أخوان عزيزان لهذه المهمّة فااستطعنا أن نُحدث ضجّة إعلاميه بشرني البعض بعدها بأن أقرأ على نفسي يوميا فاتحة الكتاب على روحي)
وأنا لاأُخفي بعد هذه المقدمة أنني كتبت وصيتي أكثر من مرّه ، استشعاراً بالخطر الذي يتهددني ، وخاصة عندما تجرأت على الذات المتألهة لرأس النظام السوري مباشرةً ، ولكن كان ذلك مني استشعاراً من نفسي بثقافة الحقوق التي لم أتخلى عنها يوماً ، وأردت تصديرها أيضا للاخرين، وأنّ علينا كمعارضة أن نتبناها ،سواء في التعامل فيما بيننا ، أو بما لنا ولكل مواطن من حقوق وواجبات في وطنه ، فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن نطلب من الأخرين باكتسابها بينما نحن لانملكها ، لأن فاقد الشيء لايعطيه ،
هذه الثقافة علينا أن نزرعها في نفوسنا لنستطيع بعد ذالك اقناع الأخرين فيها، وأنت عندما تسكت عن حقٍ من حقوقك فكأنك أصبحت شيطانٌ أخرس ، فلا ينبغي لمن يتصدر شأنا عاما ويكون مُشرفاً عليه أن يجيّره لصالحه ويجعله خاصاً به ، وعلى المسؤول الأعلى أن يكون منتبهاً لتلك الأمور المُنفرة كي لايتفلّت الناس من تحمّل المسؤليات إذا ما أُوكلت اليهم، لأن مثل هذه الأمور تزرع الحساسية والشحناء والبغضاء ؛ وقد يصل الشعور عند البعض لدرجة الإضطهاد ، فتجعل قلبه مقبوضا ؛ وذهنه شارداً وقد يصل الى نتائج لايحمد عُقباها ، كتركه الأمر كلّية ، وعدم الالتفاف للصالح العام
هذه الثقافة ليس علينا تعلّمها فحسب ، بل علينا أن نجعلها منهاجاً لنا ، لأنك عندما تشعر بالمساواة مع الأخرين ، فإنك تكون عامل دفع وتجد الأيادي جميعها ممتدة اليك للنهوض ، وكما أمرنا رسول الله بإعطاء كل ذي حق حقه، وعندما تهضم الحقوق ؛ ينتشر الفساد وتكثر المحسوبيات ، وتصعب بعدها السيطرة على الأمور
هذه الثقافة علينا أن نعلمها لأبنائنا في البيوت المدارس والجامعات ،وأن نشجعهم على الحوار والاقناع ، لاالكبت والاسكات وإغلاق الأمور على الأشياء غير المفهومة، وعلينا أن نشجعهم على الإقدام والطموح ودون الخوف من المطالبة بالحقوق، كما ولا يجوز اتهام الأخرين بعدم الإستيعاب ، أو أن هناك أمورا تدار في الخفاء ، وأنه من غير المصلحة الإطلاع عليها، وحتى لو كان الشخص محدود الذكاء ؛ فعلينا تقريب الأمور اليه وإفهامه بما له وما عليه ، ولماذا لايجوز له الخوض في هذا الأمر أوغيره ولكن بالاقناع
ومن هنا وبعد تجربتي الطويلة مع المعارضة فأنني أعيب عليها بعض القصور عن مثل هذه الأمور ، فأرى بعضها يضيق صدره لمجرد الإنتقاد، وأرى البعض يتضايق لمجرد النصح ، وأخرون يملكون مواقع الكترونية يرفضون النشر لمن خالفهم بالرأي؛ ودون ابداء الأسباب ؛ أو حتى رسالة اعتذار، وربما الإنفتاح الكامل لم أجده إلا من بعض المواقع ، ولقد طلبت وطالبت من الجميع سابقاً ولاحقاً بالشفافية في هذه الأمور ، وأن نجعل جانباً من منابرنا الإعلامية موحداً يستوعب جميع الأطروحات الموجودة ، والتي كل واحدة تُعبر عن صاحبها ، ويُعزى الموضوع لكاتبه أو للجهة التي صدّرته، ولكن لاحياة لمن تنادي، ولذلك قررت التنحي عن الكتابة بعد هذه المقالة الى حين ، ماعدا فيمايتعلق بحلقات "الفرس الايرانيين"، إيثاراً مني بالابتعاد عن المنغصات مع الأحباب والأصحاب ، لاخوفاً من الأعداء فحاشا لي أن أففعل ذلك
وأما عن الطغمة الحاكمة في دمشق وأليات عملها ، فإنها لاتسمع إلا نفسها ، ولاتؤمن بأحد غيرها ، ولا تريدنا أن نرى إلا بما ترى ، فلا يجوز لأحد أن يتقدم الى منصب مهم إلا بعد أن يأذنوا له ، ويحرم حتى التفكير بمرشح للرئاسة إلا للطاغوت الذي أذّل العباد ، وأفسد البلاد وزرع الخوف والرعب في كل مكان ؛ عبر ارتكابه ونظام حكمه لمجازر يندى لها جبين الإنسانية ، والتي تجاوز عدد ضحاياها عشرات الألالف قتلا ومثلهم أختفاء وتغيباً في السجون والمعتقلات منذ عقود هذا ماعدا عن عدد المنفيين قسراً عن بلادهم وأعدادهم بالملايين، وما عدا حالة الفساد التي رسّخوها منذ عقود ، وحالة الإفقار التي يعانيها شعبنا منذ ذالك التاريخ ، والتي هي الأسوأ على عهد هذا البشار، ومع ذلك على شعبنا أن لايرضى إلا به زعيماً ، وأن لايحصر تفكيره إلا به ، وكأن النساء عقمت أن تلد بديلاً عنه ، وكأنّه يتهم كلّ شعبنا إما بالجنون أو بالتخلف ، أو لوثةٍ في عقلة ، وحاشا أن يكون ذلك ، ولكن المعتوه هو من يؤمن بذلك ، أو من يُسوق له هذه الأفكار ، ولذلك منع الترشيح لغيره ، لأنه يدرك بأنه ليس له أي نصيب مما يدعيه ، وأنه ليس سوى طاغية تحكم بالبلاد والعباد ،وليس له إلا سوء الخاتمة والمآل
لذا ليس علينا بعد الأن سوى رفع الصوت أمام كل من يريد أن يهضم الحقوق التي كفلتها لنا كبشر كل القوانين السماويه والارضيه وكفلتها كل الدساتير،وعلينا أن نعتبر أن كل تقدم أو انجاز نحققه من وراء إصرارنا هو في الاصل ليس منحة من المسؤول أو تنازل منه ، بل هو حق من حقوقنا المشروعة ، وأنّ علينا أن نبقى ضاغطين حتى نحصل على حريتنا وانعتاقنا من الاستبداد ونُسير أمورنا بأنفسنا دون الوصاية علينا من أحد ، وأن علينا أن نسعى لبناء دولة الحق والقانون ، التي لاتستثني أحداً من أبناء الشعب في بنيانها، وإقامة دعائمها الشامخة، لتكون قويةً راسخة يعتزّ أبناءها بها ، ويدافعون عنها بأرواحهم قبل أجسادهم ، وبكل مايملكون ، فداءاً للوطن الذي حبّه من حب الله سبحانه.