ملحمة "الطالبان" الرائعة

ملحمة "الطالبان" الرائعة

جمال سلطان

يعيش حلف "العدوان" الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة ، وورطت فيه أكثر من دولة أوربية في مغامراتها المروعة ، يعيش أجواء الهزيمة في أفغانستان ، كان جنرالات الحرب الأمريكيون قد بدأوا يسربون تصريحاتهم قبل عدة أشهر عن استحالة هزيمة حركة طالبان عسكريا ، ثم صرح الرئيس الأمريكي الجديد "أوباما" بأن أفغانستان هي التحدي الأكثر إيلاما له حتى الآن ، ثم بدأ الأمريكيون يبعثون بإشارات إلى قيادة طالبان بأنهم يمكن أن يشاركوا في حكم أفغانستان إذا أوقفوا الحرب ، ثم بدأ الأمريكيون على طريقتهم وأخلاقهم الشهيرة يبحثون عن "شراء ذمم" بعض قادة طالبان بعرض دفع ملايين الدولارات على هؤلاء الفقراء البسطاء على أمل أن يسيل لعابهم للأخضر الأمريكي ، ثم بعد فشل كل ذلك لجأوا إلى المملكة العربية السعودية لإنقاذهم من الورطة وعرضوا عليها "التوسط" لهم عند طالبان من أجل أن ينهوا المواجهات العسكرية بشكل كريم وبدون فضيحة تاريخية للأمريكيين ، وأخيرا ، دفعوا بالبريطانيين من أجل أن يديروا مؤتمرا في العاصمة لندن حول أفغانستان ، لم يحضره أحد من طالبان ، وحضر "كرازاي" الذي شاء الله أن يخلد اسمه في سجلات العار ، حتى أصبح "مصطلحا" كافيا وشافيا وموجزا للدلالة على العمالة والارتزاق ، فيقال : كرزاي العراق ، وكرزاي الصومال .. وهلم جرا ، وفشل مؤتمر لندن أيضا فشلا ذريعا ، طالبان قالت لهم رسالة واحدة : اخرجوا من بلادنا ، والأمريكيون والبريطانيون وحلفاؤهم من "محور الشر" يعرفون أنهم في النهاية يخرجون ، المسألة لم يعد فيها أي احتمال آخر ، ولكن المشكلة الآن ، كيف يخرجون ، وما هي الصورة التي يغادرون فيها أفغانستان ، وتصريحات الرئيس الأمريكي واضحة في أنه لن يبقى في أفغانستان إلى الأبد ، على الرغم من المناورات المعنوية المفضوحة بالتصريح بأنه سوف يرسل المزيد من القوات إلى أفغانستان ، في الوقت الذي تتزايد فيه معدلات القتلى من القوات المعتدية يوميا ، ويتزايد نفوذ وهيمنة قوات الطالبان على مساحات أوسع من أفغانستان ، حتى أصبح الأمريكيون وعملاؤهم هناك يعيشون فيما يشبه "الكانتونات" المعزولة داخل البلاد ، لا يجرؤن على الخروج خارج إطارها ، واقتربت ضربات طالبان من كابول العاصمة ، وحيث يتمركز الأمريكيون بثقلهم ونفوذهم ، ضربت هناك طالبان أكثر من مرة في أسبوع واحد ، وفي عمليات كبيرة ، مرسلة رسالة بأنهم هنا ، ويمكنهم أن يضربوا في أي مكان وقتما يشاءون ، ويحاول الأمريكيون اليوم استمالة قادة طالبان برفع أسمائهم من قوائم الإرهاب المزعومة حيث يكتبها الأمريكيون بمزاجهم ويمحونها بمزاجهم ، إذ لم يتغير شيء في موقف قادة طالبان فما الذي جعل أمريكا "تركع" وتغازلهم برفع أسمائهم من القوائم المزعومة ، والحقيقة أن ما يجعل الإنسان ينظر بإكبار وإجلال لتلك الحركة المقاومة الجسورة ، هو ذلك الثبات المدهش على المبدأ والقضية ، والصبر اللا محدود على مسارات الجهاد ، رغم الاجتياح الأمريكي الرهيب بمستويات من النيران لم تعرف على مدار التاريخ ، إلا في القنابل النووية ، أيضا الثقة الكبيرة في النفس وفي القدرة على تحقيق النصر ، رغم ضعف الإمكانيات وبساطة العيش ، هؤلاء الفقراء البسطاء الذين يرتدي الوزير فيهم والقائد الكبير خفا وثوبا شديد التواضع يشبه ثياب عمال التراحيل في بلادنا ، هؤلاء الذين لا يعرفون سيارات الهامر ولا يملكون الهليوكبتر وما زالوا يتنقلون بسلاحهم ورجالهم وعتادهم على ظهور الحمير والبغال بين جبال أفغانستان ، هؤلاء الرجال المحرومون من أبسط رفاهيات العيش التي ينعم بها الإنسان العادي في أي مكان في العالم الثالث نفسه ، هؤلاء الذين يتآمر عليهم كل من حولهم من الشمال والجنوب والشرق والغرب ، هؤلاء الرجال هم الذين يسطرون اليوم أروع ملحمة إنسانية بطولية في الألفية الجديدة ، ويقهرون بعزيمتهم وإيمانهم وجسارتهم قوات الامبراطورية الأعظم في العالم وربما في التاريخ كله ، المجد لهؤلاء الأبطال ، والخزي والعار على كل من حاول تشويه صورة هذا الجهاد العظيم .