عن الجدل بين النظامين
السوري و السعودي
مازن كم الماز
يفترض البعض جريا على عادة دارجة في الممارسة السياسة العربية أن على المعارضة السورية أن تتدخل في الجدل الدائر بين النظامين السوري و السعودي ضد نظام بلدها..هذا يفترض أن المعارضة تعني الوقوف إلى جانب خصوم النظام أساسا أيا كانوا لا أن تكون ممثلا و لسان حال الشعب السوري الذي تهمشه سياسات النظام و بالتالي أن تزن الأمور بميزان مصالح شعبها..لحسن الحظ هنا أن النظام السعودي لا يحتاج لجهود المعارضة السورية في الرد على النظام السوري فالماكينة الإعلامية التي بتصرفه كافية للقيام منفردة بهذا العمل..كان النظامين السوري و السعودي في خندقين متقابلين في الحرب الباردة قبل أن ينخرطا في تحالف ثلاثي مع النظام المصري عند نهاية هذه الحرب الباردة و مع اشتراكهما سوية في المواجهة الأولى مع صدام حسين قبل أن يفرق بينهما من جديد المشروع الأمريكي لإعادة صياغة الشرق الأوسط..نظريا فالنظام السوري هو حليف هام لحماس و حزب الله و هو إلى جانب لبنان النظام الوحيد من دول الطوق الذي لم يوقع على معاهدة سلام مع إسرائيل لكن الاصطفاف الجديد لا يجري اليوم على هذا الأساس إنه يتحدد وفقا للموقف من إيران التي يبدو الهجوم عليها الخطوة التالية في تنفيذ المشروع الأمريكي الإقليمي..هنا يبدو خيار النظام السوري أشبه بالخيار الإجباري فهو عرضة لضغوط أمريكية هائلة و ما يسمى بأخطائه التي كانت أمريكا و أوروبا تتغاضيان عنها في السابق أصبحت موضع تركيز شديد و استحقت عددا قياسيا من قرارات مجلس الأمن و لأن بنية النظام و تاريخ علاقاته مع أمريكا تؤهله ليكون التالي بعد نظام صدام و لأن النظام اعتبر أن تعميق المأزق الأمريكي في العراق ضروريا للدفاع عن النفس و أخيرا جاء التحالف مع النظام الإيراني كمخرج وحيد من الحصار المفروض عليه فقد وصلت علاقته مع أمريكا إلى درجة متقدمة جدا من التدهور و العداء..النظام السعودي نفسه تعرض لضغوط أمريكية هائلة بقصد تغيير خطابه الإعلامي و سياساته الداخلية وصولا إلى تغيير جذري في بنيته و تركيبته لا سميا دور المؤسسة الدينية في الحياة الاجتماعية الذي تنظر إليه مراكز القرار الأمريكي على أنه مصدر إنتاج معاداة أمريكا و قيمها..لكن و لذات الأسباب التي جعلت النظام السوري عدوا لأمريكا ساعدت النظام السعودي في تجاوز حالة الأزمة في علاقته بأمريكا بعد أحداث 11 أيلول..فحاجة إدارة بوش إلى دعم ما تسميه أنظمة الاعتدال سواء في تخفيف أزمتها في العراق أو التحضير للمواجهة مع إيران لتخفف كثيرا من هذه الضغوط و تصور العلاقة مع أمريكا على أنها ممتازة..يبقى السؤال اليوم هو عما إذا كانت إدارة بوش و من سيخلفها قد اتخذت قرارا استراتيجيا فيما يخص الإصلاحات التي كانت تصر على أنظمة المنطقة أن تتخذها باتجاه تبني النمط و القيم الأمريكية و إعادة بناء الوضع الاجتماعي و الثقافي و السياسي بما يمنع إعادة إنتاج التيارات الإسلامية العنفية أو المعادية لأمريكا عموما و عما إذا كان هذا يعني أن الأنظمة قادرة على الاستمرار بوضعيتها الراهنة في مأمن من ضغوط واشنطن في هذا الاتجاه..لا يمكن اليوم الحديث عن تغيير جذري في مشروع أمريكا الإقليمي و مستوى الإصلاحات التي تريد فرضها على الأنظمة العربية بما فيها المصري و السعودي فإدارة بوش اليوم في وضع تكتيكي ضعيف لا يسمح لها باتخاذ قرارات إستراتيجية على هذا الوزن خاصة أن إدخال تغييرات عميقة في بنية أنظمة المنطقة كان أهم مرتكزات هذا المشروع..نقطة أخرى يتفق فيها النظامان هي أن وعود الإصلاح التي أطلقت ما تزال بعيدة جدا عن التحقق و لو جزئيا على أرض الواقع , هناك بطء شديد إذا اعتبرنا أن هناك إصلاحات فعلية قد بدأت باتجاه المزيد من الانفتاح السياسي و تقنين الفساد الاقتصادي..نعرف أن النظام السوري اعتمادا على تجربة الصدامات المسلحة في أواخر السبعينات و أوائل الثمانينات في القرن الماضي يعمل بكل إمكانيات أجهزته على استئصال وقائي لأي تجمعات معارضة فاعلة خاصة في أوساط الأصوليين المسلحين أو الذين يؤمنون بالفعل المسلح..إن هذه الطريقة فعالة لا شك في حماية النظام داخليا لكنها في نفس الوقت هي المسؤولة عن إضعاف مناعته في مواجهة الضغوط الخارجية و إحساسه بالعجز أمام احتمالات الغزو الخارجي..