حلف الشيطان مع الحرية
حلف الشيطان مع الحرية!!
صلاح حميدة
ضرب الزلزال هيتي ودمّرها عن بكرة أبيها، وقتل أهلها، وشرّد من بقي حياً منهم، وبلغت مأساتهم ذروتها في المشاهد المحزنة، التي تبثها الفضائيات للمدافن الجماعية للأموات، وللحالة المزرية للأحياء، والمصير المجهول للمفقودين.
تداعت الكثير من المؤسسات الاغاثية والدولية لنجدة المنكوبين هناك، ووقف على رأس الدّاعين لنجدة الهيتيين الداعية المسلم عمرو خالد، والذي طالب المسلمين بغوث المنكوبين بسخاء، حتى ولو لم يكونوا على دينهم، ولم تتأخر العديد من الدول الاسلامية كتركيا وقطر والأردن وغيرها، ومباشرةً توجهت مؤسسة الاغاثة الاسلامية الرائدة لتحطّ رحالها هناك، وتقوم بدورها الرائد في الاغاثة.
القس الأمريكي المشهور بات روبرتسون، صاحب المواعظ الأكثر شهرةً وتأثيراً في الشارع الأمريكي، لم يتأخر أيضاً عن أن يدلي بدلوه في النكبة الهيتية، فقد أجاب عندما سئل عن الموضوع، وعلى الهواء مباشرةً:-
( الله عاقب الهيتيين بهذا الزلزال، لأنهم كانوا مستعبدين من الفرنسيين، وتحالفوا مع الشيطان من أجل التحرر من تلك العبودية!!).
الولايات المتحدة الأمريكية، استجابت مباشرةً لدعوة روبرتسون، لرفع الغضب والعقاب الربّاني عن الهيتيين، وطرد الحلف المدنّس مع الشيطان، ولإعادة الرّضى الإلهي على تلك الأرض المنكوبة، فقامت وتحت غطاء الإغاثة للمنكوبين، باحتلال هيتي، وأنزلت قواتها في مطارها ومينائها، وبدأت قوّاتها بالآلاف بتسيير دوريات هناك، وتنازلت الحكومة المنهارة عن إدارة البلاد، وعن سيادتها للجيش المحتل، معيدةً حلف العبودية السوداء، للرجل الأبيض القادم من خلف البحار..
هذا السلوك الأمريكي أثار غضب الرئيسي الفنزويللي، وقال صراحةً أن هيتي يتم احتلالها من الأمريكيين، تحت غطاء مساعدتها في مأساتها.
هذا الزلزال المأساة، فتح أبواب العبودية من جديد على هيتي، فنشط تهريب الأطفال وسرقتهم، وتصديرهم عبر البحر، وعادت تجارة العبيد لتنشط من جديد عبر المحيط، وعبر الجو أيضاً، فالآلاف من الأطفال تمت سرقتهم وتهريبهم إلى هولندا، ليتم بيعهم هناك تحت لافتة تبنّي الأطفال الأيتام، فمن قال؟ ومن يعلم أن هؤلاء أيتام؟ أم هم على شاكلة الأيتام الذين سرقوا من أهاليهم من دارفور ليباعوا في فرنسا، وقبض على خاطفيهم ( تجّار العبيد) في تشاد؟.
التجارة في ( العبيد) لم تقتصر على الأحياء من الأطفال فقط، بل تعدّت ذلك إلى أعضاء الهيتيين، فقد اتهم ناشط أمريكي الفريق الطبي الاسرائيلي الذي جاء لهيتي، بانهم يسرقون أعضاء الهيتيين، ويتاجرون بها في السوق العالمية والاسرائيلية، وهذه طبعاً، ليست تهمة جديدة بالأدلة ضد هؤلاء، فلهم أسبقيات فيما يخص الشهداء الفلسطينيين، وكذلك ما كشف النقاب عن جزء منه في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
لم تنسى آلة صنع الأكاذيب الأمريكية، أن تروّج للاستعباد والاحتلال الأمريكي الجديد على الطريقة الهوليودية، فقد جاؤوا بمقابلة مع رجل قالوا أنه هيتي يضع على صدره علم أمريكا، ويقول علانيةً ومباشرةً، أنه سعيد بقدوم الأمريكيين، لأنهم يساعدونهم، فيما حكومتهم لم تفعل لهم شيئاً، وأنه يفضل الاحتلال الأمريكي، على أن تحكمه حكومة وطنية من بني جلدته؟!.
وبهذا يقولون أن الشعب الهيتي يريد الاحتلال ويفضّله على الحرية، تأكيداً على كلام بات روبرتسون، فالعبودية هي الشيطان وجالبة المآسي، والعقاب الرّباني، أما العبودية والاحتلال، خاصة من فرنسا أو أمريكا فهي بوحي ربّاني، وتنفيذاً لإرادة الخير الرّبانية، وهذا يتم أيضاً برغبة شعبية، والدليل قول رجل واحد من ملايين الهيتيين، قد يكون عميل سي آي إيه، أو قد يكون جائعاً وأطعم حتى يقول ما قال، ثم ركل خارجاً، أو ربما قتل.
أما اللّقطة الهوليودية الأخرى التي لم يتم إخراجها بشكل جيّد، فهي لقطة إنقاذ طواقم الانقاذ الأمريكية لطفلين من تحت الأنقاض، فالكاميرات جاهزة للتصوير، وكل طواقم الانقاذ الأمريكي يقفون في حالة تحفّز وانتظار لخروج الطفلين من ثقب صغير، والأم والأب ينتظران، ثم يخرج الطفل بعد سبعة أيام من تحت الأنقاض بكامل قواه وحيويته، وبلا خوف ولا جزع ولا تعب، بعد أسبوع من الاحتجاز تحت ظلمة الأنقاض، وبلا طعام ولا شراب، يخرج الطفل وسط تصفيق وتصفير وصراخ الطاقم الأمريكي، وتحت وطأة تكدّس وسائل الاعلام وكاميراتها وأضوائها الكاشفة، ليفاجىء الطفل الجميع، ويخرج بطريقة استعراضية، وكأنه خارج إلى مسرح يقدّم عرضاً للجمهور، ويدير وجهه للكاميرات، ويرفع يديه إلى الأعلى مقدّماً نفسه لجمهور الصحافيين وكاميراتهم، التي ستنقل الخبر إلى كل العالم، عن القدرات الخارقة للمحتل الأمريكي الجديد، ولمسته الانسانيّة!!.
قد لا ألوم الأمريكيين كثيراً، على الاخراج السيّء للاحتلال الجديد لهيتي، فالزلزال جاء فجأة، ولم يعطهم الفرصة للتحضير الهوليودي الجيّد لتجميل الاحتلال، مثلما حصل مع سابقة إسقاط تمثال صدّام في ساحة الفردوس، وكيف تم دفع الصحافيين دفعاً للذهاب لتلك المنطقة عبر قصف الفندق الذي أقاموا فيه، وكيف تم تقديم تمثال البكر على أنه تمثال صدّام، ولكن المؤكد أن العبودية ليست حليفاً للشيطان، وأن العبودية والاحتلال هما الشيطان والشّر بعينه، حتى لو عملت الدعاية الدينية والاعلامية والسينمائية على تجميله بكافة الطرق والوسائل.