المعارضة السورية
المعارضة السورية
جماعات حقوق إنسان - أحزاب -
منتديات - مفكرون - جماعات إسلامية سرية
جوشوا لاندس وجو بايس
(مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومعهد ماساشوستس للكتنولوجيا)
(1)
على مدى عقود، كانت السياسة الاميركية تجاه سوريا مركزة بكل قوة على الرئيس السوري حافظ الاسد، وذلك منذ عام 1970 وحتى عام ،2000 ليعقبه ابنه بشار. ولأنهم اعتبروا المعارضة السورية ضعيفة للغاية ومعادية لأميركا، فضل المسؤولون الاميركيون العمل مع نظام الاسد، وبذلك لم يكن لواشنطن علاقات مع المعارضة السورية الى حين غزوها للعراق في عام 2003 وحتى في ذلك الحين، فان ادارة بوش لم تتواصل سوى مع معارضي النظام السوري المتمركزين في واشنطن. وكانوا يفتشون عن نظير سوري لأحمد الجلبي، زعيم المعارضة العراقية الموالي للاميركيين والذي ساعد على انشاء قضية لغزو العراق.
ولم تكن واشنطن مهتمة بالحوار مع الاسلاميين الذين يعتبرون المعارضة الوحيدة ذات القاعدة الشعبية المؤكدة في سوريا. اما بما يعود للمعارضة العلمانية في سوريا، فقد اعتبر مسؤولو السفارة الاميركية في دمشق بأنها لا تملك سوى 'قاعدة ضعيفة'، اذ لا قاعدة جماهيرية شعبية لها او ارتباط بالشباب السوري. كما ان الاتصال بين اعضاء المعارضة ومسؤولي السفارة يمكن ان يكون خطرا على معارضي النظام ويتركهم عرضة لتهم الخيانة، ولهذه الاسباب، لا تزال الارض المعقدة والمبهمة لشخصيات المعارضة داخل سوريا منطقة عذراء.
وبالرغم من ان وزيرة الخارجية كونداليسا رايس كانت قد اصرت على ان واشنطن لا تسعى الى تغيير النظام في سوريا، وانما الى تغيير سلوكه فحسب، فان دمشق لم تكن واثقة مطلقا بأن ادارة بوش لا تخطط لتغيير النظام. وكانت العلاقات السورية - الاميركية قد بدأت بالتدهور بسرعة عقب الغزو الاميركي للعراق، الذي عارضته سوريا بعنف.
وباتهامها سوريا بدعم الارهاب في العراق واماكن اخرى، قامت واشنطن بفرض عدد من العقوبات على سوريا في مايو 2004. وبعد ثلاثة اشهر، ضغطت سوريا على البرلمان اللبناني لكي يتجاوز بنود دستوره ويعيد تعيين اميل لحود، وهو حليف سوري، لثلاث سنوات اضافية كرئىس للبنان. وفي رد على ذلك، تعاونت الولايات المتحدة وفرنسا على رعاية اصدار قرار مجلس الامن الدولي رقم ،1559 الداعي لانسحاب جميع القوات الاجنبية من لبنان، من ضمنها سوريا، نزع سلاح الميليشيات، الذي يشمل حزب الله، الحليف الشيعي اللبناني لسوريا، واجراء انتخابات رئاسية لبنانية خالية من الضغط الخارجي. وكانت واشنطن مصممة على كسب لبنان واخراجه من نطاق النفوذ السوري كجزء من سياستها لاعادة تشكيل الشرق الاوسط الكبير، كما كانت سوريا مصممة تماما هي الاخرى على عدم السماح بخروج لبنان عن سيطرتها.
وقد اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في بيروت، وذلك في14 فبراير ،2005 ولمحت الولايات المتحدة فورا الى ان اللوم يقع على دمشق بخصوص جريمة القتل، وذلك بسحبها سفيرها في اليوم التالي على الاغتيال. لكن ذلك تم فقط بعدما قامت بتسليم ملاحظة للاسد تعبر فيها عن 'استيائها العميق' بخصوص اغتيال الحريري.
اما في لبنان فقد خرجت تظاهرات ضخمة معادية لسوريا تطالب بانسحاب الجيش السوري والتي اصبحت تعرف لاحقا بثورة الارز وبغضون شهر واحد ومع ثورة لبنان الشعبية المتزامنة مع الضغط الخارجي اجبرت سوريا على سحب جيشها من لبنان، ما أنهى 30 عاما من الوجود العسكري السوري هناك وفي سبتمبر 2005 اصدرت الامم المتحدة تقريرها الاولي الذي يزج بسوريا في جريمة القتل ويسمي اقارب للرئيس الاسد نفسه. وجعل التقرير الجريء القصر الرئاسي في دمشق بحالة من الارباك ما جعل القادة الغربيين يتوقعون التفاف الحبل حول عنق النظام السوري.
اما المعارضة السورية فلم ترد تفويت اللحظة التاريخية اذا ما كان ذلك سيؤدي الى سقوط النظام وبسبب تشجعهم وحماستهم من نتائج ثورة الارز والضغط الخارجي على دمشق بدأ قادتها بمحاولة جعل انفسهم بديلا قابلا للحياة عن النظام، حيث كافح قادة اليسارالماركسي واليمين الاسلامي للعثور على ارضية مشتركة تتعلق بالحرية والديموقراطية لانشاء ائتلاف واسع بقصد مكافحة النظام. واتصلت المعارضة داخل سوريا بالجماعات المنفية في سلسلة من التسويات التاريخية المصممة لتوحيد صفوفها وزيادة الضغط على النظام واقناع الشعب السوري بأنها بديل جدير بالثقة.
اما الامل بأن السلطات السورية قد فقدت مرساها وعناصر ثباتها وامانها وبأن النظام سرعان ما سوف ينهار فقد كان لا اساس له. فالأسد لم يتحول فقط ليكون خصما عنيفا وحاد الذكاء على غير ما كان متوقعا وانما بدأ الضغط على سوريا بالتضاؤل، ايضا خلال عام 2006 ولا تزال هناك اسئلة عدة: من أين اتت المعارضة؟ هل تشكل تهديدا جديدا للنظام في دمشق اليوم؟ ماذا يجب ان تفعل واشنطن الان؟
تحليل مفصل لمعارضة انشقاقية
في 10 يونيو عام ،2000 وبعد 30 عاما من الحكم مات الاسد وقد عبر منشق سوري عن المزاج عندما علق بالتالي: 'لقد مات الرجل القوي الان لدينا فرصة'. اما ارتقاء ابنه للسلطة فقد انعش الامال بمباشرة القيادة باصلاح سياسي ضروري جدا ما ادى الى ما اصبح يعرف ب 'ربيع دمشق'.
وفي الواقع كانت الاشهر القليلة الاولى من حكم بشار ناجحة ومزدهرة ففي خطاب تنصيبه امام البرلمان كان متألقا بسبب 'تفكيره الخلاق'، كما اقر ب 'الحاجة الملحة' للانتقاد البناء، الاصلاح والحداثة. وفي تحرك لترقيع العلاقات مع الجماعة الاسلامية وانهاء الحرب المريرة بين النظام والاصوليين قام الاسد باغلاق سجن 'المزة' السياسي الذائع الصيت الذي اصبح رمزا لوحشية النظام. وقدرت منظمة حقوق الانسان بأن سوريا احتجزت حوالي 400 سجين سياسي في عام 1993. اما الاسد فقد خفض عدد المحتجزين السياسيين المعروفين الى 300 - 1000 شخص بغضون السنوات الاولى من حكمه.
وبشكل فوري تقريبا بدأ المفكرون السوريون، الذين كانوا يعتبرون من المخبولين سابقا، باظهار اشارات حياة كما بدأت منظمات حقوق الانسان ومنتديات النقاش بالانتشار عبر البلاد وبتجرئهم بما بدا انه اساس اجتماعي حقيقي للاختلاف بالرأي بدأ عدد من شخصيات مؤسساتية بارزة - برلمانيين رجال اعمال اكاديميين وقادة معارضة سابقين - باتخاذ الخطوات والدخول الى دائرة الوهج الاصلاحي. واصدر ناشطو 'ربيع دمشق' بيانا رسميا عن طبيعة السياسات والاهداف لاعطاء التوجه مظهرا خارجيا وحدويا بشأن فيض المطالب الاصلاحية الصادرة عن الشعب السوري المقموع طويلا ووقع اكثر من 1000 ناشط اجتماعي بيان ال 1000 توقيع وذلك في يناير 2001 الداعي الى اصلاحات سياسية شاملة. وفي الاسبوع التالي اعلن البرلماني رياض سيف المنتقد الصريح للنظام عن تشكيل حركة الحزب السياسي للسلام الاجتماعي. وقد اثبتت هذه التطورات انها اكثر مما يطيق النظام.
اما المتشددون، القلقون من تصاعد الانتقاد وعدم القدرة على السيطرة عليه، فقد باشروا باتخاذ اجراءات صارمة وهو ما اصبح معروفا ب'شتاء دمشق'. واطلق النظام كلابه الهجومية، طاعنا علنا بمصداقية قومية المعارضين، حتى انه قام بالاعتداء جسديا على منتقديه. وكان نائب الرئيس السوري، عبدالحليم خدام، قد حذر قائلا بأن الدعوات للتغيير قد ذهبت بعيدا، وادعى بأن النظام لن يتساهل مع التهديدات التي يمكن ان تقود سوريا الى حرب اهلية. ومع نهاية الصيف، سجن ثمانية من ابرز قادة المجتمع الاهلي، كما اغلقت كل منتديات المجتمع الاهلي ما عدا منتدى واحد.
وعلى الرغم من قصر عمرها، كان لحركة 'ربيع دمشق' انجازات عديدة دائمة، حتى ولو كانت متواضعة. فللمرة الاولى منذ السبعينات، كان بإمكان الافراد التعبير صراحة عن وجهات نظر انتقادية للنظام في الاجتماعات العامة. واخرجت الحرية الجديدة ناشطين منتشرين وسريين من الظل الى العلن. فحتى ولو استمرت الخلافات الايديولوجية، فقد اصبح المنشقون والمخالفون بالرأي او المعتقد، على الاقل، واعين للوجود الآخر، ودخلت لغة الاصلاح في المناقشات السياسية.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، فقد فشل 'ربيع دمشق' بإنتاج اي شيء مشابه او مماثل لمعارضة موحدة. فقد وافقت كل مجموعات المعارضة، تقريبا، على مجموعة مطالب اساسية، ومع ذلك فقد اثبتت حتى هذه الالتزامات المشتركة بأنها ضعيفة وقليلة الاهمية. ان تسخيف الخلافات الايديولوجية، ونزاعات الشخصيات الشهيرة، والتدخل الحاصل من القوى الامنية التابعة للدولة، كلها امور شكلت خلافات اساسية حول كل شيء، بدءا من السؤال عن حقوق الاكراد الى دور المساعدات الخارجية. وانتجت هذه المشاكل معارضة منقسمة، غير كفؤة تتألف من رابطات لحقوق الانسان، احزاب سياسية، منتديات ولجان مجتمع اهلي، ناشطين ومفكرين مستقلين، وجماعات اسلامية سرية.
جماعات حقوق الإنسان
تعمل في سوريا 10 منظمات لحقوق الانسان، ومركزان لدراسات حقوق الانسان وكذلك سلسلة من الرابطات الصغيرة ذات القضية الواحدة، مثل لجنة تحرير السجناء السياسيين. ولأن ليس هناك من مؤسسة داخل الدولة مستوعبة لهواجس هذه المنظمات، فإن وظيفتها (المنظمات) الاساسية هي جمع المعلومات حول انتهاكات حقوق الانسان واصدار نشرات مع ادانات او دعوات لاطلاق سراح المحتجزين. فهذه المجموعات هي، وبشكل مثير للجدل، الاجزاء الاكثر فعالية من المعارضة السورية. فتقارير الملفات العائلية المتكررة والمتزايدة مع هذه المنظمات هي مؤشر عن الثقة التي بنتها هذه المنظمات مع شرائح مستهدفة من الاهالي. واصبحت هذه العائلات اكثر تفهما لعمليات التواصل، مغذين المعلومات المتدفقة والمستمرة للمنظمات الدولية غير الحكومية، لتردع بذلك اشد الانتهاكات سوءا.
ولسوء الحظ، فإن هذه الجماعات لا تخلو من حصتها من المشاكل. فالعضوية مسألة تافهة وغير جدية. ومن بين المنتمين اليها رسميا، هناك قسم واحد فقط يشارك بنشاط. فعلى سبيل المثال، كانت كل ابحاث وتقارير ومراسلات، لرابطة حقوق الانسان السورية، في عام ،2004 من نتاجات امرأة واحدة. فمنظمة حقوق الانسان السورية منقسمة، ان الجزء المركزي للمجموعة مؤلف من 10 اعضاء فقط، ولدى المنشقة عنها، عضو واحد مشتبه به، الى حد واسع، كعميل امني للدولة. فحتى المنظمات المجهزة بفريق عمل افضل لا تعمل الا بموازنات ضئيلة بالكاد تكون كافية، معتمدة على رسوم العضوية التي نادرا ما يتخطى مجموعها بضع مئات من الدولارات شهريا، او على الثروة الشخصية لمؤسسيها.
وقد قوضت الازمة المستمرة الممارسات الديموقراطية داخل هذه المنظمات، فالملكية المؤسساتية الحقيقية الوحيدة، غالبا، تكون لمكتب الناشط الشخصي، الامر الذي يعطيه، او يعطيها، نفوذا مفرطا وغير شرعي بما يتعلق بالعمليات الداخلية للمنظمة. وقد رثى احد الناشطين من الذين قطعوا علاقتهم مع رابطة حقوق الانسان قائلا بأن مؤسسها ومالك مكتبها 'ادار الرابطة وكأنها اقطاعية شخصية له'. اذ ليس هناك من مجال لاجتماع محايد، فإذا ما انفجر صراع شخصي بين المالك وناشط آخر، فإن الأخير مجبر على الإذعان أو الانفصال عن الرابطة.
كما ان هناك صراعات شخصية مختلفة بين المنظمات، وما يثبت ذلك هو قرار منظمات حقوق الإنسان المتعددة مقاطعة التظاهر امام المحكمة الأمنية الوطنية العليا خلال محاكمة أكثم ناعسي، إذا ليس هناك من مجال، ولو ضئيل، لمجتمع ما كي يظهر اقصى تكاتفه عندما يواجه اعضاؤه محاكمات سياسية مزيفة. فهذه المشاجرات تحد من مسألتي التعاون وتقاسم المعلومات، الأمر الذي يقود الى استخدامات زائدة عن الحاجة وغير كفؤة للموارد المؤسساتية.
المنتديات ولجان المجتمع الدولي
ان المجتمع الأهلي في سوريا عبارة عن أرض قاحلة، فحتى في ذروة الحمية الإصلاحية لبشار الأسد، رفض النظام اعطاء التراخيص للجماعات المعارضة، واختار بدلا من ذلك التساهل إزاء عملياتهم غير القانونية الى حين تملي القناعة السياسية غير ذلك. اما الرابطات الأهلية القليلة التي تم اعطاؤها تراخيص، فهي اما مشاريع مدللة لشخصيات النظام، مثل رابطات التطوير الخاصة بزوجة الرئيس، او النقابات المهنية، التي تعتبر قيادتها، بالقانون، مستمدة من الموالين لحزب البعث.
وعدا رابطات حقوق الانسان، فإن الرابطات الأهلية الوحيدة الناجية من اجراءات 'شتاء دمشق' الصارمة هي لجنة احياء المجتمع الأهلي، ومنتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي. اما الأهداف المعلنة لهذه الرابطات، فمتعددة الأوجه. إذ من المفترض بها توفير منتدى للتعبير عن وجهات النظر الانتقادية، وان تكون ارضا مرحلية للتجمع معا وتشكيل منصة موحدة، والعمل كقوة موازنة للطائفية عن طريق تسهيل الحوار بين الجماعات الإثنية والدينية المختلفة.
إن أوراق التقرير مختلطة. فمنتدى جمال الأتاسي للقاءات الشهرية يجتذب، وبانتظام، مئات المشاركين، الذين هم اكثر من مجرد تظاهرات، وهذا ثابت، لكنه لم تصدر عن هذه الاجتماعات نتائج حقيقية وملموسة. وبحسب كلمات لأحد الناشطين: 'يعبر الناس عن وجهات نظرهم، ويختلف الآخرون معهم، وعندما ينتهي المنتدى، يذهب الناس الى بيوتهم من دون حل للجدال على الاطلاق، فثلاث ساعات من المحادثات، مرة كل شهر، لن ينتج معارضة موحدة'. فالكل الشيء نفسه، اذ يوفر منتدى الأتاسي مسرحا مهما لشخصيات المعارضة لايصال صوتهم وصورتهم للعلن. انها اشارة لليسار العلماني بأن الضمير والوعي الشعبي لم يتم محوه. كما ان المنتدى مفيد للرئيس كدليل على أنه ليس معارضا بالمطلق لحرية الكلام.
الأحزاب السياسية
ان الاحزاب السياسية هي الرابط الأضعف في المعارضة. وباستثناء الأحزاب الكردية، التي يشتهر اعضاؤها بأنهم قوميون، لم يقم اي حزب بزرع جذوره في المجتتمع، وتبلغ عضوية الحزب اللاطائفي والأكثر شعبية اقل من 1000 شخص، ما يجعل عدد الأعضاء الفاعلين مبالغ بهم بشكل ضخم من قبل العملاء الأمنيين.
وبعكس الاعتقاد الشعبي، لا تعاني سوريا من نقص في الاحزاب السياسية المعارضة. وفي الواقع، المشكلة هي ان هناك وفرة بهذه الأحزاب، على الرغم من الحقيقة كلها غير مشروعة تقنيا. ان الاحزاب 'الفزاعة' المؤلفة من مقاولين او ثلاثة، تم تشكيلها بتواتر كهذا بحيث توقف الناس عن السير بهذا المسار. وقد تسببت مسألتا الضغوط الأمنية والافتقار للديموقراطية الداخلية، معا، بهشاشة الاحزاب وميلها للتمزق والانشقاق. فعملاء الدولة يخترقون الأحزاب، بسهولة، ويثيرون الخلافات والنزاعات الداخلية، كما يشكلون احزابا انفصالية بأعضاء غير فاعلين، وليس هناك مثال افضل للمعارضة السورية الميالة للانقسام اكثر من كمية الاحزاب الكردية المذهلة، التي تتغير اعدادها بشكل متواتر للغاية، بحيث نادرا ما يذكر مراقبان للمعارضة في تقاريرهما العدد نفسه.
وعلى الرغم من ان مؤشرات اخرى - التظاهرات الشعبية، تجمعات المجتمع الاهلي، حضور المعارضين في الاعلام - تعكس صورة النشاط المعارض المتزايد من عام 2002 حتى عام 2005 فإن عضوية الحزب قد انخفضت بالواقع خلال تلك الفترة. فالأحزاب أثبتت سخافتها وعدم كفاءتها، تحديدا في تجنيدالشباب. فرياض الترك، اكثر زعماء الحزبين المعارضين الحائزين على التقدير، جدد شباب حزبه في السنة الماضية ووضع في ذهنه هذا المأزق المحير: 'ليس لدينا منصة عمل متناسبة والظروف الحالية التي يواجهها هذا المجتمع.. فطلاب الجامعات الشباب واولئك القادمون من الارياف، لا يجد اي منهم اي شيء يناسبهم داخل هذه المعارضة'.
فالناصريون، الذين لا يزالون مؤيدين لقاعدة جمال عبدالناصر القومية العربية والاقتصاد الاشتراكي، واليساريون الذين يهيمنون على التحالف الحزبي المعارض الاكبر في سوريا، هو 'التجمع الوطني الديموقراطي'، يعتبرون والى حد واسع، شيئا من مخلفات الماضي، وبأنهم اشخاص متمسكون بإيديولوجيا انهارت مع انهيار الاتحاد السوفيتي. اما حزب الترك، ثاني اكبر حزب في 'التجمع الوطني الديموقراطي' فقد كان احدى القصص القليلة الناجحة. فالحزب الشيوعي سابقا، اعيدت قولبته في حزب ليبرالي ذي قاعدة متجددة وقيادة احدث سنا واكثر شبابا، ويعتبر هذا الحزب بكل الحسابات الحزب الوحيد الذي يمتلك عضوية مرتفعة باستمرار.
وبحكم انقسام المجتمع السياسي السوري، اصبح العمود الفقري للمعارضة في فترة ما بعد الربيع (ربيع دمشق) مؤلفا من المفكرين والناشطين المستقلين الذين يمتلكون في افضل الاحوال، قيادة من دون اتباع، وكما كان الناشط عمار قرابي قد اشار 'حقا، لا يوجد شيء كالمعارضة.. فهناك ناشطون وكتاب مستقلون'.
الانبعاث الإسلامي
على الرغم من عفو الاسد عن مئات الاعضاء في حركة الاخوان المسلمين خلال سنواته الثلاث الاولى من حكمه، ورغم جهوده المتكررة رغم اخفاقها في الاصلاح، لم يكن هناك مؤشر على ان النظام قد بدأ يصبح اكثر تساهلا مع النشاط السياسي الاسلامي. فذكرى مجزرة حماه، التي سحقت ثورة الاخوان المسلمين في عام ،1982 والقانون 49 الذي يعاقب كل من هو عضو في الاخوان المسلمين بالموت، رغم ان معظم العقوبات قد تم تخفيضها الي السجن مدة 12 عاما، قد ادت الى كبح مسألة وجود اسلامي منظم داخل سوريا.
وعلى الرغم من استحالة تبيان المدى الذي يتعاطف به الشعب مع الاخوان المسلمين، فإن التدين المتزايد وندرة التوجهات الليبرالية الموثوق بها سيجعلان من الاخوان المسلمين قوة سياسية جبارة اذا ما سمح لها بالتحرك. ومع ذلك، ورغم التوقعات المنذرة بالخطر، فمن غير المرجح احتكار الاخوان المسلمين للسياسة السورية. فنحو 30 في المائة من السوريين، الذين هم من الاكراد المسيحيين او العلويين، يعارضون حركة الاخوان المسلمين بسبب عجزها وتقصيرها، كما يعارضها عدد من المتحضرين من الطبقة العليا - الوسطى القلقين من الصرامة والتزمت الاخلاقي للقوى الاسلامية.
اما الحزب الاسلامي الوحيد الموجود داخل سوريا فهو حزب التحرير الذي يمتلك اقل من 1000 عضو، بحسب ما يقول ناشطوه، وقد اصبح هذا الحزب 'كليشيه' بالنسبة للصحافيين للإشارة الى التزايد في عدد النساء المحجبات والرجال الملتحين، وهي اشارات عن النموذج المثالي للصحوة الدينية، وعموما على كل حال، لا يعتبر نوع الاسلام المنبعث في سوريا اصوليا ولا مسلحا، فبدلا من السقوط ضحية له، استطاع النظام السيطرة على نشاطه عن طريق احتكار المؤسسة الدينية وصقل وتلميع اوراق اعتمادها الاسلامية.
ان التوجهات الوهابية والسلفية التطهيرية منقسمة. فالبعض يؤيد صمتا سياسيا وحتى التعاون مع الدولة، بينما ينصح آخرون بالتهييج والتحريض السياسي، فناشطوهم محدودون، الى حد كبير، بمجموعات نقاش صغيرة ومنتشرة، إذ ليس هناك من شبكة مؤسسة تستحق الذكر.
ومنذ صيف ،2005 كانت هناك صدامات متكررة بين القوى الامنية واولئك الذين تدعي الحكومة بأنهم مسلحون اسلاميون. وعلى كل حال، هناك نظرية مقبولة ظاهريا، بأن النظام السوري قد نظم بعض هذه الهجمات، على الاقل، لاستثارة تعاطف الغرب وتبرير هجومها على اسلاميين مسالمين. ان توقيت هذه الصدامات، بحسب ما يقول المتشككون، كانت مناسبة جدا بالنسبة للنظام. فمنذ بدء احتلال العرق، اصبح النظام السوري واقعا تحت ضغط هائل لاتخاذ اجراءات صارمة بخصوص المتمردين الاجانب الذين كانوا يستخدمون سوريا كنقطة لمباشرة العمل داخل العراق.
وقد حدث تفجير 2004 في المزة، في الوقت تماما الذي كانت فيه ادارة بوش، الغاضبة من دعم سوريا للمتسللين، تفكر مليا، وبصرامة، بكيفية فرض عقوبات مفوضة من مجلس الشيوخ ضد سوريا. كما حدث تدفق لاحق بالهجمات عندما كانت لجنة ميليس تصل الى نتيجة تحقيقها الاولي عن اشتراك سوريا باغتيال الحريري.
وقد وصفت مذيعة اخبار في شبكة تلفزيون العربية، وبشكل غير مقصود، دافعا محتملا لهندسة الصدامات عندما اشارت الى ان 'الحادث يضع سوريا على قائمة الدول التي تواجه التهديد الارهابي. وبالنتيجة، يأمل السوريون بأن يخفف الحادث من الضغوط العالمية عليهم، خاصة بما يتعلق بالتحقيق باغتيال الحريري، ومدى السيطرة على الحدود مع العراق'.
وحتى لو كانت الهجمات عملا لإسلاميين معادين، فإن حدوثها يثبت فقط انتشار الخلايات المسلحة المعزولة. فهؤلاء يتحكمون في دعم شعبي ضئيل جدا في شارع سوري لا يزال قلقا من الصدامات العنيفة بين الاسلاميين والنظام في اوائل الثمانينات. وبسبب كبت النظام للتوجهات الاسلامية السياسية، فمن غير المرجح، بشدة، ان يظهر الاسلاميون كقوة معارضة رئيسية داخل سوريا، بصرف النظر عن كيفية تدبر الاخوان المسلمين لأنفسهم جيدا في المنفى.
(2)
في الحلقة الأولى من دراسة 'المعارضة السورية' المنشورة في 'القبس' أمس، تناول المؤلف التشكيلات المكونة لتلك المعارضة، خصوصا جماعات حقوق الإنسان، والإسلاميين، والأحزاب، وهيئات المجتمع الأهلي، والمفكرين والمثقفين، واعتبر ان المعارضة مفككة، ومخترقة من قبل أجهزة الأمن، واعتبر ان تأثيرها في المجتمع السوري ما زال محدودا، رغم ما قامت به من انجازات، خصوصا في 'ربيع دمشق' الذي لم يزدهر ولم يتمكن من توحيد المعارضة.
وفي ما يلي الحلقة الثانية من الدراسة:
الحرب العراقية: شحن الطاقة أم إضعافها؟
بالنسبة للمؤيدين الملحين على ما يدعى قلب نظرية الدومينو - بأن انهيار صدام حسين سوف يرسل بموجة مد من التوهج والحمية والديموقراطية في كل المنطقة - فقد تحولت الحرب لتصبح سيفا ذا حدين. فالناشطون بالغوا في دعواتهم للاصلاح باسم حماية سوريا من قدر العراق. لكن الحرب صدمت ايضا الناس كافة وجعلتهم يحتشدون خلف هذا النظام، الذي كان رئيسه الفخور يحافظ على الاستقرار في البلد. وقد اجبرت حمية الديموقراطية الجديدة لادارة بوش دمشق على تبني لغة الاصلاح، لكنها سهلت، ايضا، جهود الدول لتصنيف المنشقين كخدام وتابعين للغرب. فانهيار صدام أثار مسألة تحريك المعارضة الكردية، لكنه بذلك فاقم من التوترات بين المعارضة الكردية والمعارضة العربية.
ورغم ان الاكثرية الساحقة من المنشقين السوريين كانوا قد ادانوا بقسوة حرب العراق، فانهم قرنوا لومهم القاسي جدا بالدعوات للاصلاح. وفي ايار ،2003 وبعد شهر فقط من سقوط بغداد، احال ناشطو المجتمع الاهلي التماسا للرئيس محذرين من الايديولوجيا والسياسات 'العدائية، العنصرية، المغرورة والشريرة' للولايات المتحدة واسرائيل، وناشدوه القيام بالاصلاح لتقوية سوريا ازاء التهديدات الخارجية. وفي 8 ايار 2004 نظم ناشطو المعارضة اعتصاما غير مسبوق امام البرلمان. وفي الوقت نفسه على كل حال، وجدوا انفسهم، وبشكل متزايد، عرضة لاتهامات الخيانة، فعلى سبيل المثال، كان الاستثناء الوحيد للتعتيم الاعلامي بخصوص الاعتصام، مقالة لرئيس تحرير صحيفة البعث، التي اتهمت المتظاهرين بمحاولة 'تعزيز الضغوط الممارسة من الخارج'.
وكان الناشطون العرب متناقضين حول حرب العراق، إلا أن الأكراد رحبوا بها بابتهاج جماعي تقريبا. وأشعل سقوط صدام حسين، رمز القمع الكردي، شرارة انبعاث القومية الكردية داخل سوريا. وبدأت جماعات المعارضة الكردية بإثارة التحريض بشأن الحقوق الكردية، بما في ذلك عودة الاراضي المصادرة في المنطقة الشمالية الشرقية، والحق بتعليم ودراسة اللغة الكردية، وتقويم ومعالجة التمييز المنظم ضد الاكراد في الدوائر البيروقراطية الرسمية وجنسيات الاكراد التي نزعت عنهم المواطنة السورية في عام 1962. وبدأ عدد أصغر من الاحزاب بالمطالبة بحكم ذاتي سياسي وحكومة فدرالية.
وقد قال مشعل تيمو، الناطق باسم 'التوجه المستقبلي الكردي'، في ملاحظة له ان 'حرب العراق حررتنا من ثقافة الخوف.. لقد شاهد الناس كرديا يصبح رئيسا للعراق وبدأوا يطالبون بحقوقهم الثقافية والسياسية في سوريا. وفي مارس ،2004 انفجرت مباراة لكرة القدم بشكل صدامات بين الاكراد والعرب في القامشلي، المدينة الشمالية الشرقية، مما ادى الى تظاهرات كردية في كل مدن سوريا الكبرى. أما النظام السوري فلم يتوان عن سحق ما دعي بالانتفاضة، مطوقا وجامعا آلاف الناشطين ومغرقا المنطقة الشمالية الشرقية، التي يهيمن عليها الاكراد، بالقوى الامنية.
أما تأثير نهوض الاكراد على المعارضة ككل فقد كان مختلطا، مرة أخرى. فبطريقة ما، لعبت مسألة انفجار القومية الكردية، وسط تزايد الضغط الاميركي والاسرائيلي على سوريا، لمصلحة النظام - قامت اسرائيل، قبل اشهر، بشن ضربة جوية على الارض السورية.
وفي حين اتهمت صحافة الدولة عملاء اجانب ببدء اعمال الشغب، اججت المؤسسات الامنية الشكوك في أن الاكراد كانوا طابورا خامسا - انفصاليين ويعملون لمصلحة التدخل العسكري الاميركي - ليحتووا بذلك الاضطراب والهيجان داخل الدوائر الكردية. حتى أن ناشطين عربا متحمسين كانوا ذات مرة متعاطفين مع القسم الكردي، ترددوا بدعم حركة يلجأ عدد من قادتها بمحبة وحنان إلى الرئيس جورج بوش، مثل أبو أسعدي (أبو الحرية).
ومن جهة أخرى، أجبر حجم الثورة الناشطين العرب على الاعتراف بأن الاكراد قوة لا يمكن تجاهلها بعد الآن. فالمعارضة العربية تناضل لانزال 300 متظاهر الى الشارع، في حين ان المعارضة الكردية تستطيع انزال مئات الآلاف. وكانت المعارضة العربية، قبل هذا الحدث، متجاهلة، إلى حد كبير، القضية الكردية بسبب شكوكها في أن النشاط الكردي كان غطاء لمواصلة المطالبة بكردستان مستقلة. أما الاكراد، فاتهموا بالمبالغة بالتعبير عن حرمانهم ومعاناتهم، كما اتهموا بمراجعة التاريخ لترسيخ الادعاء الكردي بالاراضي السورية.
وبعد وقت قصير من الانتفاضة الشعبية، بدأ الزعماء العرب والاكراد بتشكيل اتصالات والاشتراك بعمليات تنسيق على مستوى منخفض. وأمل العرب في العمل على ظهر القوة البشرية للاكراد، في حين امل الاكراد في إدخال الحقوق الكردية الى اجندة المعارضة العربية. فالاهداف كانت التغلب على الشكوك المتبادلة، التي كان النظام يرعاها باهتمام شديد، وانشاء جبهة موحدة للاصلاح. فالبروز المتزايد للقوى الكردية اعترف به حتى تنظيم الاخوان المسلمين، الذين بعد عام واحد تماما من الانتفاضة الشعبية، اصدروا تصريحا يعلنون فيه تكاتفهم مع الاكراد والاعتراف بشرعية مظالمهم، وذلك للمرة الاولى في التاريخ.
موت الحريري، حياة جديدة للمعارضة
في 14 فبراير ،2005 مزق انفجار موكب الحريري ليقتله مع 22 آخرين. ورمت الولايات المتحدة فورا باللوم على سوريا وزادت من الضغط على النظام. وعلى الرغم من التأكيدات المتبجحة المنشورة بداية بأن سوريا لن تخضع للتحقيق الدولي الذي هو ظاهريا بحث وتحقيق في انه في الحقيقة يهدف الى تشويه سمعتها، فقد انحنى الاسد في النهاية أمام الضغوط وانهى 30 عاما من الاحتلال السوري للبنان. وكان لتنامي عزلة سوريا الدولية المتزايدة وخروجها المذل من لبنان تأثير نفسي عميق على المعارضة. وحسب ما قال كمال اللبواني:
'لأول مرة، كان يمكن مشاهدة امكان انهيار النظام، حتى ولو كان ذلك امرا بعيد الاحتمال، وبدأ الناس يفكرون بشكل اكثر جدية حول توفير البديل'.
وشهد ربيع 2005 فورة بالجهود المبذولة لتوحيد صفوف المعارضة. تطورت الاتصالات المنخفضة المستوى بين العرب والاكراد الى صيغة 'لجنة التنسيق الوطنية للدفاع عن الحريات الاساسية وحقوق الانسان'، وهو التحالف المعارض الاكثر شمولا حتى تاريخه. وفي نيسان، اصدرت 'لجنة احياء المجتمع الاهلي'، اكبر تشكيل للمجتمع الاهلي السوري، تصريحا تدعو فيه الى 'فتح قنوات الحوار' مع كل شرائح المجتمع السوري، بمن في ذلك 'الاخوان المسلمين'.
ولأول مرة منذ مجزرة حماه 1982 الشائنة، دعت مجموعة معارضة داخل سوريا للحوار مع الاخوان المسلمين. وبعد شهر من ذلك، قرأ الناشط والكاتب علي عبدالله رسالة من امين عام الاخوان المسلمين، علي صدر الدين البيانوني، يشجع فيها على اكتشاف كل الحركات السياسية السورية، حتى ان حزب البعث الحاكم كان حاضرا وممثلا. وكانت المرة الاولى التي يكون فيها 'الاخوان المسلمين' ممثلين علنا داخل سوريا منذ عام 1982. وبعد ذلك بوقت قصير، جلس الترك الى جانب البيانوني واعلن نيته القيام بتشكيل تحالف مع الاخوان المسلمين. وتم وضع اسس العمل لائتلاف معارض اوسع حتى.
إعلان دمشق
وفي 18 تشرين الاول، قبل 5 ايام فقط من الصدور المحدد لتقرير الامم المتحدة الاول حول اغتيال الحريري، كشف الائتلاف الاكثر تنوعا وتعددا للمعارضة حتى تاريخه، عن 'اعلان دمشق'، وهي وثيقة تؤسس لمنصة موحدة لأجل تغيير ديموقراطي. فالاعلان نشأ من رحلة سرية الى المغرب قبل بضعة اشهر فقط للمفكر ميشال كيلو للاجتماع مع البيانوني ومناقشة مبادرة جديدة لتوحيد القوى.
وقد اتفق الاثنان على اربعة مبادئ توجيهية رئيسية - الديموقراطية، اللاعنف، وحدة المعارضة، والتغيير الديموقراطي - وقد فوض البيانوني ميشال كيلو التفاوض حول تخالف مبني على اساس واسع لمصلحة الاخوان المسلمين. وسمح النشر الدولي للاعلان الاخير للمعارضة، قبل ايام فقط من صدور النتائج الاولى حول اغتيال الحريري، بالاستفادة من التغطية الصحفية المبالغ بها لسوريا وجعلت مسألة العثور على بدائل لنظام الاسد تكبر.
صدر الاعلان مع خمسة تواقيع لتحالفات حزبية، منظمات المجتمع الاهلي، وتسعة مفكرين. وبغضون 24 ساعة، بدأت عشرات الرابطات والاحزاب داخل وخارج سوريا بالاعلان عن دعمها. ولأول مرة في التاريخ السوري، توحد تجمع مؤلف من الاحزاب المتنازعة بعضها مع بعض والمفكرين المنتشرين الذين يمثلون القوميين الاكراد، القوميين العرب الاشتراكيين، الشيوعيين، الليبراليين والاسلاميين بظل قاعدة واحدة للتغيير الديموقراطي. اما ناشطو المجتمع المدني، الذين تكبروا سابقا على الاحزاب السياسية، فقد ضموا قواهم اليهم، وتم تشكيل مجهود مدروس لضمان ان يكون الموقعون على الاعلان مرحبا بهم من اكثرية المحافظات السورية. وبحسب ما قال احد الناشطين: 'مع اعلان دمشق، فقط، بإمكاننا التحدث عن المعارضة السورية'.
تجنبت الوثيقة عددا من القضايا التافهة التي لاحقت مجموعات المعارضة، وتراجعت عن اعلان دولة دينية، آخذة موقفا بشأن اي نموذج اقتصادي او تحديد لطبيعة الحل للمشكلة الكردية، بدلا من القول بالانكباب عليها مستقبلا في اطار عمل ديموقراطي شامل. اما السمة البارزة الاخرى ل'اعلان دمشق'، وعلى خلاف الاعلانات السابقة، فهي انه اعقبتها لجنة مؤقتة للاشراف على التنسيق المستمر بين الموقعين على الاعلان.
وكانت الانتقادات لإعلان دمشق، وبطرق شتى، دليلا على تفاهة الانقسامات التي سادت المعارضة. فالعبارة التي تشدد على انتماء سوريا الى 'النظام العربي' هي التي حفزت على اشعال النار من قبل القوميين العرب وكذلك الاكراد. وقد ادان بعض القوميين العرب هذا الأمر بصفته تسوية دنيئة وحقيرة على حساب التراث العربي لسوريا، كما ادان بعض الاكراد المتطرفين، بشكل مساو، مسألة الرجوع للهوية العربية فقط كدليل على الشوفينية العربية التي لا تنتهي، ومع انكشاف هذه الانتقادات، فإن جهود عدد من المنشقين تفشل باكتساب دعم واسع بسبب الاسلوب وليس المحتوى.
اما الانتقادات الحقيقية للاعلان، فقد دارت حول مسألة العودة الخاصة للإسلام كمرجعية، والذي رجع اليه بصفته 'دين وايديولوجية الاكثرية'، والمكون الثقافي الاكثر بروزا في حياة الامة والشعب، كما دارت حول معالجة الحقوق الكردية. كما حذر بعض المعقلين من ان الجهود المبذولة لمحاكمة الاخوان المسلمين قد تفاقم التوترات الطائفية. واحتج احدهم قائلا ان واضعي المسودة قد 'سلموا، ومن دون ان يرف لهم جفن، تاريخ سوريا الطويل من العلمانية والفصل بين الدين والدولة'، فبالنسبة للقضية الكردية، اثنت ثلاث مجموعات كردية على مطالب 'الاعلان' بخصوص التغيير الديموقراطي، لكنها رفضت في النهاية، الاعلان وذلك على خلفية انه كان غير كاف بشأن قضية الحقوق الكردية، لأنه لم يعترف بوضوح وصراحة بالأكراد كقومية مستقلة ذات روابط تاريخية بالأرض.
فالميثاق بين المجموعات العلمانية والاخوان المسلمين كان نعمة هائلة بالنسبة للجانبين، اذ كان بإمكان الاخوان المسلمين ابراز صوتهم من خلال وسائل المجتمع المدني السوري، في حين تحصل العناصر العلمانية على تأييد حركة اسلامية بارزة، فبعد مؤتمر حزب البعث المخيب للآمال، امل الناشطون العلمانيون في أن تخفف هذه الرابطة من الشكوك الشعبية من ان المعارضة العلمانية معادية للإسلام، نخبوية، وموالية للغرب.
وقد تسبب الائتلاف في قرع جراس الانذار للنظام الذي كافح على مدى 20 عاما لحرمان الاخوان المسلمين من الحصول على موطئ قدم لهم في المجتمع السوري، وشن النظام هجوما مضادا من خلال بدائله داخل الدوائر المنشقة والفكرية. اذ طغت رحاب البيطار، من التجمع الديموقراطي الحزب شبه المعارض، في صحة دوافع الموقعين على الاعلان، مرددة اقوال ومنطق النظام كالببغاء، وسط تدفق الضغوط الدولية بأن اي تحد للدولة يعرض امن الشعب السوري للخطر، وقدم النظام نفسه كضامن للاستقرار واتهم المعارضة بتجاهل الغدر الاميركي والاسرائيلي هو الاسوأ، تسهيله عن طريق السعي لتقويض الدولة. ولسوء الحظ، لا تزال الاتهامات حول ولاء المعارضة تتردد بين افراد الشعب الذي يسيطر عليه القلق.
المعارضة والعالمية
لطالما كان هناك جدل قوي وعنيف داخل المعارضة السورية حول دور القوة الخارجية، فبالنسية لأحد طرفي النقاش، المعارضة مجموعة مهمة من الوطنيين الرافضين لأي شكل من اشكال المساعدة الخارجية، خاصة الولايات المتحدة، والتي تعتبر ايديولوجيتها ملخصة في شعار 'نحن لن نذهب الى الجنة على ظهر الشيطان'. اما على الطرف الآخر، فإن المعارضة عبارة عن عدد قليل من الليبراليين المتناثرين المهمشين الذين يرحبون بأي وبكل ضغط ممكن يؤدي الى اضعاف النظام، فالمنطق المعتدل يدرك الحاجة للمساعدة الخارجية، انما يرفض اي شيء يؤثر على اجندة المعارضة، او يسحب القوة والسلطة من يديها.
وقد أدى تطوران الى تفويض مؤيدي حركة الاصلاح، الاول بدء مجموعات المعارضة في المنفى في الانتشار في عام ،2004 ليبدأوا بذلك بذل الجهود لصياغة علاقات بين القوى الخارجية والمحلية. اما التطور الثاني والاهم، فهو بدء النظام في التضييق على الناشطين داخل سوريا آذار ،2005 وتصاعد هذا التضييق منذ ذلك الحين، مما حث الناشطين على السفر الى الخارج وتشجيع نظرائهم في المنفى على تشكيل لوبي للضغط على حكوماتهم نفسها 'حكومات الدول الخارجية'.
وكثف النظام من قمعه للناشطين خلال انسحاب عام 2005 من لبنان الى مستويات غير مشهودة منذ 'شتاء دمشق' ،2001 فقد بدأ النظام في اعتقال ومضايقة ناشطي المجتمع المدني، وقام بالتحريف والتشويه لحرمانهم من التعبير في الاعلام، وفي منتصف آذار 2005 سحب وزير الإعلام التراخيص من قناة 'الحرة' وراديو 'سوا' اللتين ترعاهما الولايات المتحدة، لانهما غطتا تظاهرة 10 مارس أمام قصر العدل. كما تم اغلاق موع الكتروني يقدم مقالات متكررة حول المعارضة يدعى 'موقع إيلاف الالكتروني'، الى جانب الرسالة الاخبارية 'كلنا لسوريا' الشديدة الأهمية. وقد بعث هذا برسالة واضحة الى الصحافيين الباقين بعدم الدخول مع المعارضة أو تغطيتها.
وفي ايار ،2005 اعتقلت القوى الأمنية كامل أعضاء اللجنة الإدارية لمنتدى جمال الأتاسي لقراءتهم بصوت عال رسالة من الإخوان المسلمين.ومن هنا، تم اطلاق سراحهم جميعا لاحقا ما عدا شخص واحد، وتم اغلاق المنتدى نهائيا ـ وهي الرابطة الأخيرة التي نجت من اجراءات 'شتاء دمشق' الصارمة. وارتفع عدد الاعتقالات العشوائية والاستدعاءات ومذكرات الجلب الأمنية بشدة وبسرعة. ومع حلول منتصف الصيف، كانت كل تجمعات المعارضة محظورة، اما اولئك الذين حاولوا الالتفاف على الحظر، فقد وجدوا منازلهم ومكاتبهم محاصرة بالقوى الأمنية، وشرح احد الناشطين وقع ذلك على المعارضة: 'لقد أصبح من المستحيل علينا، تقريبا، القيام بأي شيء داخل سوريا. لذا، كان امام الناس خياران: اما ان يتراجعوا ويعودوا لسابق عهدهم بالعمل السري، كالذي كانوا يقومون به في الثمانينات، واما ان يسافروا وينظموا أنفسهم في الخارج.
وبعد مؤتمرات عديدة عقيمة وفاشلة، ارتبطت المعارضة الداخلية والخارجية مع بعضها، وبنجاح، في كانون الثاني 2006 في واشنطن، فالمؤتمر لم يخلق ائتلافا جديدا، لكن الأمور التي لازمته نتيجة له من داخل سوريا شهدت كلها على انجازه الوحيد. لقد كانت خطوة أولى مهمة لكسر جدران عدم الثقة بين الناشطين داخل سوريا والمنفيين المقيمين في الولايات المتحدة.
(3)
في الحلقتين السابقتين من دراسة 'المعارضة السورية' تناول المؤلف التشكيلات المكونة لتلك المعارضة، خصوصا جماعات حقوق الإنسان، والإسلاميين، والأحزاب، وهيئات المجتمع الأهلي، والمفكرين والمثقفين، واعتبر ان المعارضة مفككة، ومخترقة من قبل أجهزة الأمن، واعتبر ان تأثيرها في المجتمع السوري ما زال محدودا، رغم ما قامت به من انجازات، خصوصا في 'ربيع دمشق' الذي لم يزدهر ولم يتمكن من توحيد المعارضة، وكذلك نتائج اتفاق المعارضة في ما اصبح يعرف بإعلان دمشق، وتأثير سقوط صدام حسين وحرب العراق على المعارضة كما على الحكم.
وفي ما يلي الحلقة الثالثة والاخيرة من الدراسة:
مفاجأة خدام المذهلة تجدد نشاط المعارضة
في 30 كانون الأول ،2005 صعق نائب الرئيس الاسبق عبدالحليم خدام، الذي كان ذات مرة منتقدا ثابتا وقويا للمعارضة، النظام والمعارضة على السواء بمهاجمته النظام بشدة على شبكة محطة اخبار العربية. فمعارضته توريث الاسد كانت سرا معروفا، اذ كان يفترض هذا الموقع لنفسه. وبعدما وصل الاسد الى السلطة، وجد خدام نفسه مهمشا اكثر فاكثر الى ان قام بتقديم استقالته كنائب للرئيس، او اجبر عليها.
وبعد هذه المقابلة، عاد وسكن في باريس، حيث اعلن من هناك تحالفه مع الاخوان المسلمين، وفي آذار 2006، انتهى مؤتمر عقد في بروكسل بالاعلان عن تحالف معارض جديد عرف ب 'جبهة الانقاذ الوطني'، الذي شدد على اليم الليبرالية: التعددية الدينية والعرقية، والسياسية والفكرية، وتداول السلطة ونهاية التمييز ضد الاكراد الذين وصفوا بانهم 'شركاء في الوطن'.
لقد كان انشقاق خدام وتشكيل 'جبهة الانقاذ الوطني' ضربة مفاجئة لثقة النظام بذاته، اكبر من 'إعلان دمشق'. ففي افضل الاحوال، دل الاعلان عن قرب حدوث وحدة اكبر داخل المعارضة، لكن ذلك الامر بذاته لم يعزز موقف المعارضة داخل المجتمع. فبينما كان المنشقون يكافحون لتشكيل شبكة دولية وكانوا جائعين للحصول على تمويل، كان خدام يمتلك ثروة شخصية، ثروة من العلاقات المهمة ومعرفة وثيقة واساسية بالاعمال الداخلية لنظام غامض سيئ السمعة.
اما التحالف، فقد عزز مواقف خدام والاخوان المسلمين. فبالارتباط مع خدام العلماني، يكون الاخوان المسلمون قد أبدوا تشوقهم وحماسهم بجعل البراغماتية السياسية اولوية على حساب الايديولوجية الضيقة. وربما يكون ذلك قد خفف من قلق العلويين وقادة الجيش الذين كانوا يعتقدون ان حركة الاخوان المسلمين الاولى في السلطة ستكون التخلص من الموالين القدامى للنظام. كما ان بامكان خدام اجتذاب البعثيين بطريقة لا يقدر عليها البيانوني. فنائب الرئيس السابق نشر رسالة مفتوحة لبعثيي النظام مزينا لهم رفض الولاء لزمرة العائلة الصغيرة الحاكمة لسوريا، وتقديم ولائهم، بدلا من ذلك، الى البلد الام التي ادعت 'جبهة الانقاذ الوطني' بانها تمثله، ويمكن للإخوان المسلمين الاستفادة ايضا من علاقات واتصالات خدام الدولية والداخلية. وفي هذه الاثناء، كان الاخوان المسلمون قد قدموا لخدام رخصته الاسلامية، بحيث يكون بامكانه العمل الآن على ظهر دعمهم داخل سوريا.
على كل حال، فقد اعادت 'جبهة الانقاذ الوطني' فتح الانقسامات داخل المعارضة الداخلية التي كان 'اعلان دمشق' قد امل ختمها. ولم يقم اي من الناشطين داخل سوريا بالاعلان صراحة عن دعمه لهذه الجبهة - فقيامهم بذلك يحمل في طياته عقوبة السجن القاسية بشكل مؤكد - لكن معظم المنشقين انقسموا الى معسكرين. فقد عارض احد المعسكرين بحماس، من حيث المبدأ، التعامل مع خدام، رمز النظام البعثي القمعي والمخطط والمنفذ لاجراءات 'شتاء دمشق' الصارمة، كما ادان البعض في هذا المعسكر الاول التحول الجاري بمركز جاذبية المعارضة من دمشق الى اوروبا الغربية، مع العلم بان خدام كان قد فر الى باريس، بينما انتقد البعض غيظ وسخط المشاركين في مؤتمر جبهة الخلاص الوطني لعدم ضمه ايا من الناشطين من داخل سوريا. وعبر منتقدون آخرون عن رثائهم لفشل الاخوان المسلمين في التشاور مع حلفائهم الجدد في 'اعلان دمشق' وكان البعض في لجنة اعلان دمشق المؤقتة، قد هللوا، في الواقع، لفكرة إبعاد الاخوان المسلمين، رسميا، عن صفوف 'الاعلان'.
اما المعسكر الثاني، وفي حين كان متفائلا، بحذر، بخصوص جبهة الخلاص الوطني كصيغة سياسية، وفخورا ومسرورا بشأن ظهور تحالف معارض، فانه لا يزال قلقا من شخصية خدام. فهذا الحدث يهيمن عليه ليبراليون منشقون واكثر تقبلا للمساعدات الخارجية، كما يهيمن عليه اولئك الذين هم من اشد المتعصبين في معارضتهم للنظام. فالترك، الذي دعا بجرأة في اكتوبر 2005 الى استقالة بشار، قال علنا: 'في حين انه ليس علينا دعم خدام، فاننا لن نحاربه لمصلحة النظام'، مضيفا بان المعارضة مفتوحة للجميع، بما في ذلك المنشقون البعثيون اللاجئون (الى الخارج). وقد ايد عدد مهم من حركات المعارضة الخارجية جبهة الخلاص الوطني، حتى ولو كان ذلك غصبا عنهم. فحقيقة ان تشكيل جبهة الخلاص الوطني لم تؤد الى تقسيم المعارضة هي احدى الدلائل المادية الملموسة والصلبة القليلة لقوة 'اعلان دمشق' المتجانسة. 'فالاعلان' قدم للمعسكرين المتنازعين مجموعة افكار ومثل عليا متفقا عليها، ولم يكن اي ناشط ملتزم يريد رؤية انجاز المعارضة الجديدة، الاكبر والوحيد، ينحل بعد اشهر فقط من ولادته.
وكانت جبهة الخلاص الوطني قد باشرت، منذ ذلك الحين، بحملة دبلوماسية للحوار والشراكة مع قوى اقليمية معادية لبشار، بتأسيسها لاجتماعات ومكاتب لها في تركيا. كما وحدت علاقاته مع العناصر المعادية لسوريا في لبنان، رافعة بذلك مخاوف دمشق من ان لبنان قد يتحول الى انجاز اولي يمهد ويفتح الطريق للتقدم امام قوى المعارضة. فالاخوان المسلمون، على سبيل المثال، قاموا بمناقشة الآليات لمعارضة الاسد مع الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط. فنجاح المعارضة ببناء ائتلاف واسع، حتى ولو كان هشا، وقدرتها على الحصول على دعم مبدئي من الحكومات الاجنبية، حث النظام على المضي بالهجوم.
'شتاء دمشق' آخر
تصاعدت الاجراءات الصارمة التي بدأت في مارس 2005 الى هجوم محموم بعد انشقاق خدام، اذ تشجع النظام وقام بتكثيف اجراءاته بسبب حدثين، على الارجح. الأول، شعور نظام الاسد بأنه قد تفادى رصاصة مع تقرير الامم المتحدة والثاني حول جريمة قتل الحريري. فعلى خلاف التقرير الاول الذي صدر في تشرين الاول 2005، لم تتهم التقارير اللاحقة سوريا وجعل ذلك الامر الغرب يشعر بصعوبة اكبر لجهة ابقاء الضغط على سوريا وتثبيته. ثانيا، اعتقاد النظام السوري، على الارجح، بان الولايات المتحدة منشغلة بالحرب على العراق وبقضية مواصلة ايران لبرنامج تسلحها النووي، وبانها منهمكة للغاية لتقوم بصرف رأسمالها السياسي الثمين على تهييج النفوس لاجل القيام بالاصلاح الداخلي في سوريا.
وفي مارس 2006، عندما لم يكن هناك من شك بخصوص دعم الخارج لقوى المعارضة، قام النظام السوري بتضخيم اتهاماته للمنشقين، اذ اتهمهم بالاتصال غيرالمشروع مع عناصر اجنبية، وتم اعتقال اللبواني فورا، كما وصفنا سابقا، عقب عودته من اجتماعات مع مسؤولين اوروبيين واميركيين واتهم مبدئيا بالانتماء الى منظمة محظورة، وبالتحريض على النزاع الطائفي والتسبب 'بالضرر لصورة البلاد'، وكان السيناريو الأسوأ لهذه الحالة السجن مدة 10 سنوات، ثم قام النظام لاحقا برفع اتهامات جديدة ضد اللبواني: 'الاتصال مع بلد اجنبي وحثه على المواجهة المباشرة'،، مما يحمل في طياته عقوبة السجن المؤبد او الموت.
سياسة الضغط الثابت
اما بما يتعلق بصيف 2006، فإنه لم يتم السماح، عمليا، لأي منشق سوري بمغادرة البلاد، اذ يصادر العملاء الامنيون جوازات سفر الناشطين او يبلغونهم عن حظر السفر عليهم خلال الاستجواب، وغالبا ما يتم ابعاد الناشطين الى الحدود من دون سبب، كما حدث مع عدد منهم حاولوا السفر الى الاردن ولبنان، وفي صيف 2006، ورغم العفو العام الدوري المتكرر للسجناء السياسيين - اذ اطلق النظام سراح 5 من اصل 8 محتجزين بعدما انهوا عقوباتهم - فقد تبنى النظام سياسة الباب الدوار للاعتقالات، بمعني اطلاق سراح احدهم فقط ليعود ويحتجز اثنين آخرين بعد ايام، او اعتقال الناشط نفسه، مرة اخرى، للمحافظة على مستوى ثابت من الضغط، فعلى سبيل المثال، تم احتجاز سيف، المنتقد الصريح للنظام، مرتين خلال الاشهر الثلاثة بعد اطلاق سراحه.
كما تقوم القوى الامنية بردع المجندين من الانضمام لقوى المعارضة عن طريق اجراءات هجومية عقابية متساهلة لمرة واحدة يقوم بها اشخاص غير منتسبين للمعارضة، وفي عودة الى ايام حافظ الاسد الارهابية، فقد كان يتم حتى اعتقال المواطنين العاديين بسبب تمريرهم ملاحظات ضد النظام، وفي ابريل 2006، تم احتجاز رجل متقاعد يبلغ من العمر 70 عاما بسبب ملاحظات كهذه مع اصدقائه في مقهى، وعند كتابة هذه الدراسة، كان مكان وجوده لايزال مجهولا، فحتى الفساد الذي كان موضوع عدد من حملات الدولة، والذي سبق ونوقش بصراحة في صحف الدولة، اصبح هو الاخر موضوعا خطيرا، اذ تم استجواب وتهديد فراس سعد، الذي اسس 'المبادرة الوطنية لانهاء الفساد في سوريا'، وذلك بعد نشر مذكرة مناهضة للفساد في ربيع 2006.
وفي 12 مايو 2006، وقع 300 مفكر سوري ولبناني 'اعلان دمشق - بيروت'، حيث دعا هؤلاء الى تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا، فللوهلة الاولى فسر النظام الوثيقة، غير المؤذية للمشاعر، كدليل على ان المعارضة السورية كانت تعمل رسميا على تشكيل اتحاد مع الحكومة المعادية لسوريا في لبنان، فجنبلاط، السياسي اللبناني الاكثر تعبيرا عن انتقاداته ومعاداته لسوريا، والذي كان قد دعا الى تدخل عسكري اميركي في سوريا، كان قد التقى مع اعضاء من الاخوان المسملين السوريين ومع خدام.
وهاجم النظام الوريد الاهم للمعارضة، اذ اتهمت افتتاحية في صحيفة 'تشرين' التابعة للدولة، الموقعين على الاعلان ب 'تناسي كل ضحايا وتضحيات سوريا لاجل لبنان والانضمام الى الشيطان وبالهجوم المفتوح ضد سوريا، بقيادة ادارة بوش'، وبعد يومين من نشر هذه الافتتاحية، استدعت الشرطة السرية ميشال كيلو، الواضع الاساسي 'للاعلان'، للاستجواب، ومنذ ذلك الحين وهو متهم ب 'اضعاف الشعور الوطني' و'نشر الاخبار الخاطئة والمبالغ بها التي بإمكانها التأثير في مكانة الدولة وهيبتها'.
واستهدفت الاعتقالات كل عنصر من عناصر المعارضة - مناصري حقوق الانسان، القوميين العرب، الاكراد، اليساريين، الليبراليين، وكانت الدولة تقصد بذلك تحذير المعارضة بأن لا احد مستثنى من الجزاء اذا ما صاغ تحالفات مع حكومات او عناصر خارجية، وبدأ الناشطون يتحدثون عن 'التصفية الاخيرة' للمعارضة، وعلى كل حال، وعقب حرب صيف 2006 في لبنان، اطلق النظام سراح ثمانية من اصل عشرة من الموقعين على 'اعلان دمشق - بيروت' من الذين كان قد اعتقلهم، كما عزز 'النصر' المعلن لحزب الله وسوريا على اسرائيل من ثقة النظام السوري بنفسه وزاد من شعبية الاسد داخل سوريا، فالنظام لم يعد يشعر بأن لديه ما يخاف منه من المعارضة السورية المتحدة مع الحكومة اللبنانية الضعيفة والفاقدة للمصداقية، فالكل سواء، حيث لم يتم اطلاق سراح ميشال كيلو ولا انور البني، وهو محام يدافع عن ناشطي 'ربيع دمشق'، من السجن.
لم يتبق أي ديموقراطي
غيرت انتصارات الاسلاميين المذهلة في العراق، كما في مصر وفلسطين خلال العام الماضي، وكلها حصلت في انتخابات بضغط اميركي الى حد كبير، مجرى رياح ادارة بوش المؤيدة للديموقراطية. فواشنطن اهتزت، وهذا مفهوم، بسبب النتائج غير المقصودة لحلمتها الديموقراطية. فهي لا يمكنها تحمل تعزيز اكبر لحالة معاداة الامركة في المنطقة. كما كان القادة السياسيون والعسكريون الاسرائيليون قد اوضحوا انهم لا يريدون حصول زعزعة استقرار نظام الاسد العلماني بسبب تخوفهم من الفوضى التي قد تقود الى وصول الاسلاميين الى السلطة.
ومع ذلك، لا يجب ان يحصل ردع للجهود الاميركية في رعاية وتنشئة المجتمع المدني في سوريا، حتى في الوقت الذي تبتعد فيه واشنطن وتنقلب على افكارها بتغيير النظام وتعزيز حالة عدم الاستقرار. فقمع النظام منع ظهور بديل ليبرالي لحزب البعث. اما اولئك الباحثون عن ايديولوجية جيدة بين اوساط الشباب السوري، فقد تحولوا، اكثر فاكثر، الى الاسلام او التصقوا بهوياتهم العلمانية. وكما كان المفكر ياسين الحاج صالح قد علق: 'عندما تقوم بقمع الاحزاب لاجل كل الاهداف العملانية، فانك تسجن الناس في اطار علم العضوية التقليدية او العضوية ذات التمركز العائلي... وقد عزز سحق الاستقلال، اي الحياة السياسية الحرة في سوريا، الفرصة لعودة ولادة العلمانية كما ادى الى خلق هذه الازمة'.
وفي الوقت الذي تمنع فيه اجهزة امن الدولة منتديات المجتمع الاهلي العامة من الانعقاد، تقوم مجموعات النقاش الاسلامية غير الرسمية بالانتشار. ورغم ان دعوة هؤلاء بالارض الخصبة للعسكرة الاسلامية امر مبالغ فيه، فانهم لا يفسحون المجال لاصلاحيين اسلاميين. اما منتديات المجتمع الاهلي فمواقع شديدة الاهمية لنشر الدعاية لليبرالية والايديولوجيات البديلة. فالمعارضة السورية ستضج، فقط، بمرور الوقت، ويجب اعتبارها بمنزلة استثمار طويل الامد، وليس شيئا سريعا على المدى القصير يمكن استخدامه لزعزعة او تهديد النظام السوري. ان استخدام الدعم للمعارضة كهراوة ضد النظام السوري لن ينجح، لان المعارضة ضعيفة جدا لكي تشكل تهديدا جديا للنظام. كما ان التكتيك سيشوه سمعة المعارضة بجعلها تظهر بمظهر الاداة بيد القوى الاجنبية، وهو امر يجعل المسؤولين السوريين في غاية السرور لاستغلاله.
وليس هناك من صيغة بسيطة او سهلة لتعزيز المجتمع الاهلي والحركات الديموقراطية في سوريا. اذ لن تنتج سنوات من المساندة الاميركية معارضة قادرة على الاطاحة بالاسد، ودمشق تعلم هذا، واذا ما كانت تعتبر بان واشنطن تقوم بدعم وتقوية المعارضة كبيدق سياسي زائل في لعبة الشطرنج، فبامكانها الانتظار لحين يزول الضغط بدل المباشرة باصلاح داخلي.
ورغم خطاب ادارة بوش حول دعم الحريات في الشرق الاوسط، فان سياستها السورية التي كانت تركز عليها بشكل لا مثيل له تقريبا، كانت تدور حول تغيير سياسة الاسد الخارجية، التي يدعمها السوريون بشكل ساحق، وليس على تغيير سياسات الاسد المحلية او على تحسين الظروف داخل سوريا، وهذا ما تريده سوريا. فهذا التريكز يجعل من الصعب جدا على المعارضة السورية دعم الخطاب والسياسات الاميركية المؤيدة للديموقراطية، والتي تعتبر بمكانة حجج وذرائع لزعزعة الانظمة التي تعارض المصالح الاميركية في المنطقة. فمطالب واشنطن بوقف سوريا دعمها لحماس او منظمات فلسطينية راديكالية اخرى، في حين تبقى صامتة بوجود مصادرة الاراضي الفلسطينية، يضع المعارضة السورية في موقف مستحيل مقابل الولايات المتحدة. فالمعادضون للنظام بحاجة الى الدعم الخارجي للدفاع عن انفسهم، لكن ليس بامكانهم التحول الى الولايات المتحدة، التي تعتبر بلدا غير موثوق به بشكل واسع بسبب دعمها الثابت لاسرائيل.
اصبح الموقف الاخرق والفظ الذي وجدت المعارضة نفسها فيه ظاهرا بسرعة مع نهاية عام ،2005 عندما سعى البيت الابيض للوصول الى المعارضة السورية والتطرق الى قضيتها علنا. فقد طالب بوش في 11 اكتوبر ،2005 باطلاق سراح اللبواني من السجن الى جانب مناصرين آخرين للمجتمع الاهلي، واصر على ان 'تبدأ سوريا باستيراد الديموقراطية'. وبعد ذلك، وفي فبراير ،2006 اعلنت الادارة الأميركية عن قرارها بمنح مبلغ 5 ملايين دولار لتعزيز حكم القانون، ومحاسبة الحكومة، وامكان الدخول الحر الى المعلومات، وحرية الكلمة، وانتخابات حرة ونزيهة في سوريا. وفي اوائل نيسان 2006، عبر مسؤولو الادارة الأميركية عن اهتمامهم بسماع وجهات نظر 'جبهة الانقاذ الوطني' وهو اعلان غير ملزم لكنه التلميح الاول الى ان الولايات المتحدة ستعيد درس رفضها العنيد والصلب للحوار مع الاخوان المسلمين.
لقد وضعت هذه الخطوات المعارضة في موقف مفتقد للطمأنينة والثبات بشكل خطير، اي معتمدة على اسس مشكوك فيها. وحثت اجتماعات اللبواني في واشنطن الوطنيين القوميين، المهيمنين على المعارضة، على ابقاء انفسهم على مسافة من جهوده (اللبواني).
وكان قرار التمويل الاميركي سببا لمعضلة اكبر، مما سمح للنظام باتهام الناشطين بانهم دمى خاضعة للولايات المتحدة. اما من جانبهم، فقد صرح الاخوان المسلمون، بدلا من التعبير عن سعادتهم بان الولايات المتحدة ستستمع الى مطالبهم، بانهم لا يريدون شيئا سوى ان توقف الولايات المتحدة دعمها لنظام الاسد، فالاخوان المسلمون غير مهتمين بالدعم الاميركي. ويصيب هذا الجدل عمق القومية العربية ويجد صداه لدى جماهير تشعر بانها مطوقة ومحاصرة بشكل غير عادل من قبل الغرب العدائي المولع بالحرب.
ولا تزال سوريا قلب العروبة النابض، حتى ولو كانت الآن غير مسموعة تقريبا في باقي العالم العربي. وقد استغل النظام، بذكاء، هذه المشاعر لتشويه سمعة المعارضة. واخبر بوش اخيرا الحكومة العراقية بانه اما سيكون هناك 'وحدة او فوضى'. وقال الاسد الشيء نفسه للسوريين، بان ثمن التفكك - اي الانشقاق' في الازمة السياسية الراهنة هو الفوضى. فكارثة العراق اعطت مصداقية لادعاء النظام بان التدخل الاجنبي سيكون مدمرا.
اما رد المعارضة على التمويل، فكان متوقعا. فقد رفضت كل اصوات المعارضة، ما عدا قلة، المساعدات علنا وبشكل قاطع لا يقبل الالتباس. فالناشطون والمنشقون عملوا على تلميع وصقل اوراق اعتمادهم الوطنية بقوة ونشاط شديدين. وصرح ميشال كيلو: 'لسنا اعداء للنظام. نحن نريد اصلاحه من خلال مجهود وطني كبير لحماية البلاد، خصوصا ضد اميركا'. اما حسن عبدالعظيم، فقد تحدث عن 'اعلان دمشق' بالنيابة عندما قال محذرا: 'اذا ما وجدنا اي شخص يقوم بتقبل مساعدات خارجية، فاننا عندها سنتخذ موقفا حاسما وقاطعا ضده'. كما رفضت فئة اصغر واكثر تطرفا الدعم المعنوي والدبلوماسي حتى لناشطين محتجزين ومضايقين باستمرار.
والمقصود من بعض هذه الامور تجنب الاتهامات بالخيانة، لكن ذلك يعكس ايضا حالة عدم الثقة العميقة بالسياسة الاميركية، التي تبدو منحازة دوما باتجاه اسرائيل ومعادية لمصلحة سوريا. وقد وفرت الحقيقة بان اعلان التمويل في شباط 2006 قد جاء اثناء الحظر الاميركي على حكومة حماس المنتخبة ديموقراطيا في فلسطين، خامة للمشككين الذين يعتقدون ان الديموقراطية التي تحث عليها الولايات المتحدة ما هي الا مظهر خادع مفضوح لاجل توسيع مصالحها الاستراتيجية. كما ان تردد الولايات المتحدة في صنع هدنة في لبنان في صيف 2006 ادى الى تدمير ثقة اصلاحيين عرب اصدقاء للغرب بالولايات المتحدة والتزامها بحقوق الانسان وبحلفائها العرب.
ماذا الآن؟
لكي تبني الولايات المتحدة علاقة مستدامة مع المعارضة السورية وتعزز فرصها، سيكون عليها تجديد جهودها لتعزيز تسوية سلام شامل في المنطقة. اذ ان تسوية اقليمية بين اسرائيل واعدائها الباقين في العالم العربي هي فقط ما سيقلب المشاعر الشعبية الراديكالية المعادية للامركة في المنطقة، ويجعل من الممكن بالنسبة لقادة المعارضة السورية تقبل السياسات الاميركية واعتناقها في المنطقة. وطالما ان بامكان النظام السوري اتهام الولايات المتحدة بعدم تحديد موقفها من ادعاء سوريا بمرتفعات الجولان وكذلك اتهامها بدعم الجهود الاسرائيلية في ادعائها لملكية الأراضي الفلسطينية وتسوية وضع الضفة الغربية، فان المعارضة السورية ستبقي واشنطن على مسافة منها وسيتهمها النظام باضعاف سوريا خلال أوقات الازمة.
ولا تزال المعارضة السورية ضعيفة بوجه قوى النظام الهائلة من القمع واحتكار الصحافة. وقد مكن الانترنت والفضائيات المعارضة من نشر رسالتها، لكن هذه الامكانات لا تزال مقيدة ومحصورة ولا يمكنها منافسة الدولة. فرسالة المعارضة الليبرالية لا تصل سوى الى النخب العليا من المجتمع المرتبطين بالعمل السياسي والذين يستطيعون الدخول الى الانترنت.
اما اكثر الامور التي اضرت بالجدل الديموقراطي الكبير في المنطقة، فكان فشل الولايات المتحدة ببناء دولة متعددة وناجحة في العراق. فالعنف وعدم الاستقرار المرعبان اللذان سادا الدولة المجاورة لسوريا منذ الغزو الاميركي، عززا من شرعية الاسد. اذ يعتقد الآن عدد من السوريين، الذين كانوا متشجعين، اولا، بزعم بوش القائل ان الشرق الاوسط جاهز للديموقراطية، بان التجربة مع التعددية قد تكون محفوفة جدا بالمخاطر. فسوريا، كالعراق، مجتمع مؤلف من تنوع ديني وعرقي كبير، وليس هناك ضمانة بان لا ينفجر العنف السياسي في سوريا اذا ما انهار امن الدولة. وقد استغل الاسد هذا الخوف بادعائه بانه كما كانت واشنطن مخطئة، تماما، بشأن العراق، فانها مخطئة بعرضها ان سوريا جاهزة لتغيير النظام وللديموقراطية.
كما عززت الحرب في لبنان خلال صيف 2006، ايضا، النظام واضعفت المعارضة. فقدرة حزب الله على الثبات بوجه الغزو الاسرائيلي جعلته محبوبا للغاية في سوريا، وانعكس ذلك بشكل جيد على الاسد، الذي كان مساندا كبيرا لحزب الله. اما المعارضة السورية، بالمقابل، وبتحالفها مع معارضي حزب الله في لبنان، فقد خرجت ضعيفة من النزاع. ولم تضعف المعارضة الموالية لأميركا، بشدة، بسبب الحرب فقط، وانما لان الاسد اتهمها بدعم اسرائيل، ضمنيا، ومعارضة 'الموقف العربي'. وبسبب شعبية حزب الله في سوريا عقب الحرب، كان الشعب السوري متعاطفا مع هذا الجدل الرئيسي.
وبالرغم من ان المعارضة السورية لا تزال لا تقارن بالحكومة السورية، فانها قامت بعدد من الخطوات المتقدمة على مدى العامين الأخيرين، اما اهمها، فهي البدء بالعملية الصعبة لتوحيد صفوفها حول مجموعة مطالب مشتركة مؤسسة على مبادئ الديموقراطية وسيادة القانون. وتخلى تنظيم الاخوان المسلمين، الحزب الاسلامي الاقدم والاكثر احتراما، عن ادعاءاته بوجوب تأسيس نظام القانون الاسلامي في سوريا، حالا، كما تخلى عن زعمه بان السوريين من غير المسلمين لا يتقاسمون الحقوق السياسية كالمسلمين. واعتنق زعيم الاخوان المسلمين لغة التعددية والحقوق المتساوية لكل المواطنين.
وبطريقة مشابهة، تخلى اليسار العلماني عن الماركسية والطليعية لمصلحة مطالب ليبرالية اكثر كلاسيكية بالحرية وسيادة القانون. اما مفاهيم حقوق الانسان، واحترام الحريات الفردية، وحرية التعبير، فقد اصبحت الآن مطالب مشتركة لدى طيف قادة المعارضة السورية.
اما ثقافة الليبرالية العظيمة، فهي تنمو الآن بين اوساط الطبقات العليا والوسطى السورية، رغم انها لا تزال في تنافس مع الاسلمة، المهيمنة على اوساط الطبقات الوسطى، والادنى. وبمرور الوقت، فقد يكون حت للعنف في العراق وقع تعديلي على حروب الثقافة الموجودة الآن بين الليبراليين والاسلاميين. فالسوريون كانوا مرعوبين بسبب العنف في العراق، كما قاست جميع الاحزاب الامرين لشجب وادانة الطائفية وثورة العنف. اما في المدى الطويل، فان ما سيساعد السوريين على تجاوز الحكومة الفاشستية هو خلق هوية مشتركة فيما بينهم. وادى تطوير المعارضة للمبادئ المشتركة الى الدفع قدما بهذه العملية.