قمة بين مبارك والأسد!

من يرفض لقاءَ من.. ولماذا؟

الطاهر إبراهيم *

اسمحوا لي أن أستعجل فأقول: إن القمة التي كانت مقترحة بين الرئيس السوري والرئيس المصري -على هامش زيارة الرئيس السوري مؤخرا إلى السعودية- لو تمت، ما كانت لتخدم الشعبين السوري والمصري، ولا قضية الفلسطينيين المحصورين بين أربعة جدران في قطاع غزة، وإنما ستتم لحسابات تتعلق بنفوذ كل منهما في المنطقة. وهذا لا يخدش في مصداقية المسعى الذي يبذله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لتقريب وجهات النظر بين الرئيسين مبارك وأسد.

واستعجل مرة ثانية، فأقول إني سيئ الظن بنوايا بعض رموز الحكم في مصر تجاه حركة حماس ،وأن هؤلاء حاولوا أن يماهوا بين الحركة وبين أهالي غزة واعتبروا الطرفين طرفا واحدا أخضعوهما للحصار الظالم المطبق على قطاع غزة. لكن ماذا يريد كل من الرئيسين مبارك وأسد تحقيقه من هذه القمة فيما لو تمت اليوم؟

لوأن هذه القمة كانت ستعقد قبل أربع سنوات ربما كان الرئيس السوري هو الأحرص على عقدها، فقد كان يتعرض لضغوط أمريكية وأوروبية على خلفية اتهام سورية بالتحريض على اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية "رفيق الحريري". وربما كان الرئيس "بشار" يحتاج إلى دعم الرئيس المصري لما له من حظوة لدى واشنطن.

هذه المعادلة تغيرت الآن. فقد أصبح الرئيس "حسني مبارك" هو الأحرص على تحقيق هذه القمة. فهو يشعر أنه محاط بدوائر من الكراهية بسبب الحصار الذي تطبقه حكومة مصر على غزة. ثم بسبب بنائها الجدار الفولاذي الذي سيمنع نهائيا تسريب الغذاء والضروريات  إلى غزة بعد أن تعذر حفر الأنفاق كما كانت قبل بناء الجدار.

إذا أهملنا –مؤقتا- مشاعر الكره الذي تستشعره الشعوب العربية تجاه تشديد الحصار على غزة. فربما كان أهم دوائر الكره هو السخط الذي يشعر به الشعب المصري الذي يتعاطف مع إخوانه المحصورين في غزة. كما أن من تسمى بالدول المعتدلة العربية ستجد نفسها محرجة جدا فيما لو حاولت الدفاع عن موقف الحكومة المصرية في تشديدها الحصار على قطاع غزة الذي لا يستفيد منه إلا إسرائيل.

إذن وفي ظل الحسابات التي هي بالواقع أسوأ بكثير مما صورنا به الإحراج المركب الذي ألقى بثقله على الحكم بمصر –عربيا وإسلاميا ومصريا- سيجد الرئيس المصري موقفه لا يحسد عليه، بعد أن ابتعد عن الطريق الذي كان عليه أن يسلكه كرئيس أكبر دولة عربية. بل إنه قد سار في الاتجاه المعاكس لما هو مطلوب من مصر، التي عليها أن تقارن موقفها بمواقف تركيا التي كسبت نقاطا كثيرة، ليس في اعتراضها على ما تفعله إسرائيل مع شعب غزة فحسب، بل حتى في التحرك فعليا لتوظيف هذا الاعتراض فيما يجعل إسرائيل تحسب ألف حساب لكل ما ينطق به رئيس حكومة تركيا "رجب طيب أردوغان"، حيث كان دائما يقرن القول بالفعل، وأنه أظهر غضبه على إسرائيل في أكثر من مناسبة.

حتى إيران التي يشكك البعض بصدق نواياها ويعتبرها البعض الآخر أنها تزايد على الدول العربية المعتدلة لغايات لا تخفى على الكثيرين كونها تريد أن تدعم معسكرها المذهبي، فقد استطاعت أن تكسب أنصارا لها في الشارع العربي على حساب مصر.

بالمرور سريعا على علاقة الشعبين المصري والسوري بنظامي الحكم في البلدين، كل على حدة، تتضح المفارقة بينهما. سنجد النظام المصري وقد أتاح هامشا ولو ضيقا من الحريات للمواطن، وهو ما لا نجده مع النظام السوري: ففي مصر انتخابات نيابية شبه حرة، وسماح بتكوين نقابات مهنية، ووجود صحافة حرة، وتشكيل للأحزاب، وهذه النشاطات غير متاحة في سورية، وإن وجدت فهي صورة من دون حقيقة. كذلك سنجد الحراك الشعبي في مصر صاخبا تنقله القنوات الفضائية والصحف والإذاعة. بينما الأمور في سورية هادئة ساكنة كأنها "سهيدة ومهيدة". فما يزال التعبير عن الرأي الحر قد يوصل السوري إلى المعتقل.

للمفارقة، فإنه مع ما قدمنا من وجود هامش ديمقراطي ولو ضيق في مصر، وشبه انعدامه في سورية، وهو ما يحسب على أساسه شعبية كل رئيس، نجد التذمر واضحا لدى الطبقات الشعبية في الوطن العربي من نظام "حسني مبارك". وهو تجاه نظام "بشار أسد" أقل تذمرا إلا عند الشعبين السوري واللبناني. ولا يصعب معرفة السبب. فالشعوب العربية جعلت من فلسطين قضية مركزية. فهم يقيسون مواقفهم من الرؤساء العرب بمقدار تعاطف الرؤساء مع هذه القضية، أوعلى الأقل لا يجدون هذا الرئيس أو ذاك ينسق مع إسرائيل على حساب فلسطين كما ظهر من التعاطي المصري مع قضية معبر رفح والجدار الفولاذي.  

ربما نكون أوغلنا بعيدا في تحليل ظاهرة موقف حكومة مصر، التي تصر على بناء الجدار الفولاذي الذي سيغلق تماما متنفس أهل غزة على العالم الخارجي. وربما يظهر أننا ابتعدنا عن موضوعنا الأساس الذي نحن بصدده. لكن ذلك كان لا بد منه لنبين كيف تحول موقف الرئيس "حسني مبارك" إلى موقف ضعف بعد قوة، إذا ما قورن بموقف الرئيس السوري، الذي كان حتى الأمس القريب يشعر بعزلة داخل المحيط العربي الرسمي.

وعلى هذه الخلفية يمكن تلمس استعداد كل من الرئيسين: المصري والسوري لحضور قمة تجمع بينهما، على ضوء ما يريد كل واحد منهما من الآخر؟ الرئيس السوري لا يمانع في عقد لقاء قمة مع الرئيس المصري. لكنه لا يرغب في تقديم تنازلات خلال هذه القمة، فما عاد محتاجا إلى دعم الرئيس المصري له عند واشنطن ، بعد أن أوقفت هذه تهديداتها بعد مجيء الرئيس "باراك أوباما" إلى البيت الأبيض. وربما يكون الرئيس السوري لا يرغب في جعل علاقاته مع إيران تتحسن على حساب علاقاته مع دول الخليج، وهو ما يرضي أهل الخليج . وفي لبنان تشكلت حكومة ائتلافية بما يرضي معظم الأطراف اللبنانية، وتم نزع فتيل الأزمة في لبنان، على الأقل مؤقتا. وبهذا يعتبر الرئيس السوري قد أمن ضغوط واشنطن عليه، وسدد التزاماته تجاه لبنان ولو في الحد الأدنى، وأزال شكوك دول الخليج من تحالفه مع إيران على حسابها. ولا نزعم أن مصر شديدة الاهتمام بتلك الأمور سالفة الذكر. ولا تطلب من سورية إلا أمرا واحدا، وهو سحب الغطاء عن حركة حماس، وإن أمكن تضييق الخناق عليها. فهل هناك مصلحة للرئيس السوري فيما تطلبه منه مصر؟

هنا لا بد أن نؤكد محدودية فهم الرئيس المصري في هذا الموضوع. فالرئيس السوري لا يفكر بهذه الطريقة أبدا، لأنها تجرّ عليه الخسارة في أكثر من جانب. فلقد كسب تعاطف الحركات الإسلامية معه في أكثر من قطر عربي عندما احتضن إيواء حركة حماس بالذات في سورية. وبعض هذه الحركات دخلت في تنسيق مع حزب البعث مثل إخوان الأردن، ما سبب لهم عتب إخوانهم في سورية، خصوصا عندما استنكر المراقب العام لإخوان سورية المحامي "علي صدر الدين البيانوني" حضورَ الحركات الإسلامية مؤتمرَ الأحزاب  العربية الذي انعقد مؤخرا في دمشق في وقت يغلق فيه النظام السوري الباب أمام عودة الإخوان المسلمين السوريين إلى سورية إلا من خلال البوابة الأمنية، التي يرفض الإخوان العودة منها. وقد خفض إخوان الأردن مستوى مشاركتهم في المؤتمر وقاطعته تنظيمات أخرى.

ثم إن النظام السوري سيجر عليه غضب الشعوب العربية فيما لو تخلى عن حركة حماس، وهو الذي تعزف أجهزته الإعلامية أنشودة المقاومة والممانعة ليلا ونهارا.كما سيجر عليه عتب حليفه "حزب الله" في لبنان، الذي يعتبر أن التضييق على حركة حماس يعني ارتياحا إسرائيليا وإضعافا لجبهة الحزب. ويبقى أن النظام السوري يعتبر حركة "حماس" ورقة في يده يلوّح بها أمام واشنطن متى شاء إذا مااضطر إلى ذلك، وهو ما عبر عنه اللواء "بهجت سليمان" رئيس جهاز أمن الدولة، في مقال نشرته السفير اللبنانية في عام 2001.

من خلال التحليل السابق، نعتقد أن الرئيس السوري لم يكن في وارده تلبية مطالب الرئيس  المصري، وبالتالي اصطحب معه أسرته في زيارته إلى السعودية، لأن قراره كان واضحا في عدم تلبية طلب الرئيس المصري في ما ذهب إليه. كما أن الرئيس المصري نفسه لم يكن راغبا في اللقاء، في ظل رفض الرئيس السوري الاستجابة لطلباته. لقد كان العزوف عن اللقاء متبادلا، لكن كل لأسبابه الخاصة.

              

* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.