الساعة التاسعة.. وإلا!!

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لم تتجرأ الولايات المتحدة منذ أن شاركت في جريمة زرع السرطان الإسرائيلي في فلسطين، وعلى مدار ستين سنة، وفي عهد كل الإدارات التي تناوبت على الحكم في البيت الأبيض من جمهوريين أو ديمقراطيين أن تتجرأ أياً منها أن تحدد لإسرائيل زمناً معيناً لتقوم بعمل ما أو تمتنع عن عمل ما، حتى وإن كان المطلوب في صالح الولايات المتحدة 100%.. وإلا!! رغم أن أمريكا هي من تضخ ماء الحياة في شرايين هذه الدولة المصطنعة غير الشرعية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

وحدها تركيا هي من لوت ذراع هذه الدولة المسخ وأجبرتها صاغرة أن تعتذر منها خطياً على ما ارتكبه نائب وزير خارجيتها من إهانة للسفير التركي في تل أبيب، وحددت لها ساعة معينة وهي التاسعة من مساء يوم ارتكاب ذلك الدبلوماسي الصهيوني الصغير غلطته بتهور غير محسوب العواقب والنتائج والتداعيات!!

نعم إنها عزة المؤمن رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي المتسلح بقاعدته الجماهيرية التي أوصلته إلى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع الحرة والشفافة والنزيهة، رغم جبروت خصومه وقوتهم، وهم الذين هيمنوا على مفاصل الدولة التركية منذ قرن من الزمان تقريباً.

موقف أردوغان الشجاع حرك الشارع التركي من مؤيدين وخصوم، حتى باتت تركيا جسد واحد يشد أزر هذا البطل الذي يذكرنا بالفاتح محمد الثاني رحمه الله!!

 نعم إنها عزة المؤمن هي من دفع هذا الرجل أن يحدد لإسرائيل زمناً معيناً لتقدم من خلاله اعتذارها خطياً.. وإلا!!

وليس تملقاً أو تزلفاً إن أجمع العرب والمسلمين على منح رجب طيب أردوغان لقب بطل الإسلام ورجل المسلمين الأول.. وقد عقمت النساء في عالمنا العربي والإسلامي أن تلد مثيلاً لهذا الرجل في هذا العصر الرديء الذي نعيش!!

فالمرة تلو المرة يقف هذا الرجل بقامته المنتصبة بعزة وإباء المسلم في وجه دولة عنصرية إرهابية ومجرمة وقاتلة، تهابها دول العالم صغيرها وكبيرها، وتخطب ودها والتقرب منها.. إلا هذا الرجل أبى إلا أن يكشف جرائم هذه الدولة وأن يكون النصير الوحيد لأهلنا في غزة المحاصرين من الأشقاء قبل الأعداء، رغم أن بلاده تربطها علاقات ومصالح كثيرة وحتى ذات طابع إستراتيجي مع أمريكا وأوروبا الغربية وإسرائيل نفسها، إلا أن هذا الرجل ما يجعله لا يرتعب أو يخاف على تلك المصالح والعلاقات، عندما يوجه انتقاداته الحادة إلى المواقف الإسرائيلية وسياساتها العدوانية تجاه شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية، هو أن هذا الرجل منتخب ديمقراطياً ولديه قاعدة جماهيرية عريضة، وشاهدنا ذلك بشكل واضح وجلي، كيف استقبلت الجماهير التركية رئيس وزرائها استقبال الأبطال، عندما أنسحب من منتدى دافوس الاقتصادي، احتجاجاً على كلمة الرئيس الإسرائيلي (شمعون بيرس) والتي أشاد فيها بالحرب العدوانية على القطاع، بما فيها قتل النساء والأطفال والشيوخ ونزلاء المشافي ودور العجزة وطلبة المدارس والمؤسسات الإنسانية الدولية.

ولو قارنا بين مواقف هذا الرجل وموقف وزير الخارجية المصري (أبو الغيط) من قضايانا العربية وفي قلبها القضية الفلسطينية، لرأينا العجب العجاب.. ففي الوقت الذي يحمّل أردوغان إسرائيل المسؤولية عن حربها العدوانية التي شنتها على قطاع غزة في كانون أول/2008، وارتكابها جرائم حرب ضد المدنيين العزل، كان (أبو الغيط) مبتهج الأسارير، وهو يجلس إلى جانب وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة (تسيفي ليفني) في العاصمة المصرية، وهي تهدد بضرب وسحق المقاومة الفلسطينية في القطاع.

ولم تقف الأمور عند هذا الحد فتركيا سيرت قوافل إغاثة شارك فيها برلمانيون أتراك إلى شعبنا المحاصر في قطاع غزة، وبالمقابل كانت مصر وعلى رأسها (أبو الغيط) تمنع وتعرقل دخول تلك القوافل إلى قطاع غزة، بل لا تتورع عن قمعها واعتقال المشاركين فيها، وتبني جداراً فولاذياً حول عنق أهلنا في غزة، بحجة حفاظها على أمنها القومي.. وفي الوقت الذي لا يكف فيه أردوغان في كل فرصة أو مناسبة، إلا ويهاجم فيها قادة إسرائيل ويفضح ويعري سياساتهم العدوانية ضد أهلنا في فلسطين، يخرج علينا (أبو الغيط) في اجتماعه في القاهرة مع وزراء أوروبيين وعرب ليمتدح ويشيد (بنتنياهو) وتوجهاته السلمية، محاولاً أن يسوق بضاعة فاسدة، بأن (نتنياهو) على استعداد للعودة إلى حدود عام 67 والقبول بمناقشة موضوع القدس واعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية، ومقابل ذلك كان يمارس ضغوطاً على السلطة الفلسطينية، ويطلب منها العودة للمفاوضات والتخلي عن شرط وقف الاستيطان، واستبدالها بشروط جديدة، يسهل على (نتنياهو) قبولها، وحتى وهو يعمل عرّاب (لنتنياهو) ومن خلفه الإدارة الأمريكية، لم ينل ذلك رضا واستحسان (نتنياهو) الذي أعلن بعد انفضاض اجتماع القاهرة، بأن ما قاله (أبو الغيط) ليس له أساس من الصحة، وأنه لا عودة لحدود الرابع من حزيران، وأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، دون أن نسمع أي تعليق من الوزير الهمام (أبو الغيط).

وظن وزير خارجية الكيان الصهيوني الأرعن (ليبرمان) أن بتوجيه أمره إلى نائبه باستدعاء السفير التركي في تل أبيب، والتعامل معه بشكل خارج عن كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، وبما يشتم منه محاولة إذلال أردوغان وحكومته وليّ ذراع تركيا، بأنه سينتقم من أردوغان ومن مواقفه الشجاعة التي فضحت إسرائيل وعرتها أمام العالم، ليجد أن مثل هذا التصرف الرخيص لا ينجح أمام أردوغان، فلم يمهل أردوغان أحمق الكيان الصهيوني طويلاً، فقد قام بعد وقت قصير من تلك الحادثة إلى مهاجمة إسرائيل وسياساتها وممارساتها العدوانية تجاه شعبنا المحاصر في القطاع، ناهيك عن استدعاء السفير الإسرائيلي في أنقرة، وتوبيخه ومطالبته بأن تقدم إسرائيل اعتذارا عما قامت به من تصرف، تتعمد فيه إهانة سفيرها، والتعامل معه بشكل وقح وخارج عن الأعراف الدبلوماسية، فانصاعت إسرائيل صاغرة وقدمت اعتذاراً مكتوباً قبل أن تنتهي مدة الإنذار الذي حدده أردوغان.

فلمثل هذا الرجل تكون التحايا والهتافات والتصفيق والتهليل والمدح والثناء والمباركة وشد الأزر والوقوف أمامه بكل احترام ومهابة!!