حرِّروا غزة من عاطفة اللحظة
م. محمد يوسف حسنة
على عكس ما حدث عقب عدوان عام 2012، حالت التغيرات الإقليمية دون وصول المتضامنين وقوافل التضامن إلى قطاع غزة، وتُركت غزة تنزف وحيدة، وتعاني آثار الدماء والدمار دون أن يتمكن أي من الوفود الشعبية من الوصول لها اللهم إلا بضع الوفود الرسمية.
إلاّ أن أحرار هذا العالم انتفضوا وغصّت شوارع أوروبا وأمريكا والدول العربية بالمنتفضين والمطالبين بلجم الاحتلال ووقف جرائمه، واختلفت أشكال التضامن فمن المسيرات الجماهيرية إلى المهرجانات الخطابية إلى التحرك القانوني في الساحات الدولية لمحاسبة قادة الاحتلال إلى التبرع بالمال.
ولم تتوقف شاحنات المساعدات الغذائية والأدوية من الوصول عبر معبر رفح من قِبل الدول العربية والإسلامية سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وتم تقديم العديد من مساعدات الإغاثة العاجلة للنازحين والمتضررين، الأمر الذي ساهم في وقف الاستنزاف الخاص بالأمن الغذائي وتمكين قطاع عريض من الخدمات في قطاع غزة من استمرار تقديم خدماته رغم انقطاع الكهرباء وندرة السولار، وتمكين المستشفيات من أداء مهامها.
كثافة الدماء المُراقة على مذبح الحرية والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومفاجآت المقاومة النوعية جلبت تعاطف ملايين البشر حول الكرة الأرضية، وحرَّكت أفئدة الأحرار تضامناً وتعاطفاً ومساندة.
مايقلق وكمتابع للشأن الإنساني أن غزة تأنّ من الألم والوجع في ظل وجود ما يقارب من 20 ألف عائلة دون مأوى تفترش الأرض وتلتحف السماء، وأكثر من 40 ألف وحدة سكنية مدمرة بشكل جزئي تخشى مداهمة الشتاء القريب لهم ومزاحمة قطرات الماء لغرف نومهم وممرات بيوتهم، الألم الذي التفتت له القنوات التلفزيونية وتخندقت دعماً لتخفيفه الشعوب والحكومات سيبقى على حاله إلا أن الاهتمام به سيخفّ، في ظل التطورات التي تعصف بالمنطقة وبدء صعود جبهات ساخنة كالعراق وسوريا واليمن من جديد.
تحوّل الاهتمام الاعلامي عن غزة سيعمل على تحويل اهتمامات الشارع الغربي والعربي إلى المناطق الأكثر توتراً ونزفاً للدماء، رغم أن الحاجة ستبقى ولن يتم معالجة المآسي الناجمة عن العدوان الأخير قريباً.
صوت غزة واحتياج الشعب الذي دفع فاتورة المقاومة واحتضنها يجب أن يكون حاضراً في أذهان قادة هذا الشعب وفعلهم، فاسرائيل وبكثافة النيران وشراسة العدوان وتدمير الأبراج السكنية، أرادت اغتيال ثقافة المقاومة في الشعب وإرهاب السكان من مقاومتهم، بل وربط المقاومة بصورة الدمار فيقتلون أي أمل في فعل مقاوم لاحق نظراً للتكاليف الباهظة للعدوان.
الشعب وأمام انتصار وصمود مقاومته عسكرياً أفشل هذا المخطط، وخرج بنفسية المنتصر، واسرائيل الآن تتعمد تأخير الإعمار وادخال مستلزماته، والتضييق على جهود المساعدات الدولية بغية تبهيت فعل المقاومة وتعظيم الكارثة الإنسانية الناجمة عن الدمار في كل القطاعات بقطاع غزة.
غزة بعد العدوان ليست كما قبلها، ومتطلباتها واجبات مسلم بضرورة تنفيذها، أولها إنهاء الانقسام واقعاً لا مجرد اتفاقات مُوقّعة وضحكات موزعة، والأطراف مدعوة لإنهائة بسرعة، فلم يعد يعني المواطن الفلسطيني الحق مع من وعلى من! فهو قد شهد تراجع قضيته وتوغل الاحتلال عليه في حقبة الانقسام ويريد طيها مهما كان الثمن وبغض النظر عن الأسباب، مصالحة وإنهاء انقسام حقيقي لا تبادل أدوار ومأسسة الانقسام.
تلك الوحدة كفيلة بتوحيد الصف وإعلاء الصوت، وعبره فقط يمكن أن يخرج صوت الاحتياج ويلامس آذان صاغية، ويفرض معادلة التدخل وفق الاحتياج ويؤسس لعملية بناء الوطن بشكل متكامل.
الإسراع في إعادة اعمار قطاع غزة وتغطية كافة احتياجاته يجب أن يتم في أسرع وقت وألا تُعطى اسرائيل مكافأة في المساهمة في الإعمار سواء بالرقابة والإشراف على عملية الاعمار أو التحكم بإدخال المستلزمات الخاصة بالاعمار، بل على المجتمع الدولي أن يضغط في اتجاه دفع اسرائيل تكاليف إعمار القطاع، فليس من المعقول ولا المنطق أن تقوم اسرائيل بالتدمير ويقوم المجتمع الدولي بالإعمار حتى في غياب ضمانات عدم التعرض لغزة مرة أخرى، فاسرائيل كما تتملص كل مرة من المحاسبة والمسائلة القانونية لا تتحمل أي تبعات قانونية أو أخلاقية عن إعمار ما دمرته آلتها ويتبرع المجتمع الدولي بدفع تلك الفاتورة.
الشعوب الحرة مُطالبة من منطلق مسؤوليتها الأخلاقية تُجاه من بقى تحت نيران الاحتلال لعقود طويلة ألا يكون تحركه أسير عاطفة اللحظة، بل ينطلق من توجه مستدام لا فقط لتغطية الاحتياج الحالي بل لكسر الحصار ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، وتحقيق مطالبه العادلة.
وأنا أكتب كلماتي الأخيرة هطلت الأمطار غزيرة على قطاع غزة كان الله في عون الأسر التي تنتظر الإيواء فقد داهمتهم مياه الأمطار ومازال يحدوهم الأمل في سرعة التدخل.