في نقد دعوةٍ إلى وقفة تضامنية
أوراق أصيلية:
في نقد دعوةٍ إلى وقفة تضامنية
أبو الخير الناصري
من أغرب الإعلانات التي قرأتها هذا الصيف إعلانٌ لشبيبةِ حزبٍ يساري بأصيلا تدعو فيه لتنظيم وقفة تضامنية مع الشعب البحريني دفاعا عن حقه في دولة ديمقراطية!
وتعود أسباب نزول هذا الإعلان الغريب إلى الحَراك الذي عرفته هذه المدينة الصغيرة العريقة قبل حلول الدورة السادسة والثلاثين لموسم أصيلا الثقافي بأسابيع معدودة؛ فقد شهدت المدينة ابتداء من 01 يوليوز الماضي سلسلة من الوقفات الاحتجاجية، بالإضافة إلى مسيرة حاشدة للمطالبة بمصادقة المجلس البلدي على مقرر يقضي بالربط بين أصيلة وطنجة بواسطة حافلات شركة ألزا/ ALSA الإسبانية.
وبعد تحقيق الهدف من تلك الأشكال الاحتجاجية ومصادقة المجلس بالإجماع على مطلب السكان في دورة عادية عقدت يوم 21 يوليوز بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، ارتأى بعض الأصدقاء أن نتظاهر ضد موسم أصيلا الثقافي الذي تقرر أن تكون مملكة البحرين ضيفَ شرفه هذا العام..واختلفنا في التظاهر ضد الموسم، وتشبث به عددٌ من الأصدقاء.
في هذا السياق، سياق التظاهر ضد الموسم وتداعياته، أعلنت شبيبةُ حزبٍ يساري بالمدينة تنظيمَ الوقفة التضامنية المذكورة أعلاه، ثم قررت إلغاءها دون توضيح دواعي ذاك الإلغاء.
وأقدر أن هذه الشبيبة اليسارية قد أدْرَكَتْ بعد نقاش (أتصور أنه جرى في صفوفها) أن موضوع تلك الوقفة التي دعت إليها لا يليق؛ وذلك لاعتبارين اثنين على أقل تقدير:
- أولا: لأن هذه الدعوة لا تقوم على أساس سليم؛ فلو أنها جاءت – مثلا- في ظل احتجاجات ومطالبات للشعب البحريني بدولة ديمقراطية لجاز حملُها على مَحْمَل التضامن مع هذا الشعب وإيجاد مساحة له خارجَ بلدِه لإسماع صوته ومطالبه، ولكنها جاءت في سياق محلي خالص كما تقدم بيانُه.
لذلك يصير حديث هذه الشبيبة عن "حق شعب البحرين في دولة ديمقراطية" مَطِيَّةً واستغلالاً واضحا لاسم هذا الشعب في سبيل تحقيق أمرٍ بعيد عنه، ألا وهو الاحتجاج على موسم ثقافي في مدينة تقع بشمال المملكة المغربية تسمى أصيلا.
- ثانيا: لأن هذه الدعوة تنطوي على ضَرْبٍ من الإساءة إلى الوفد البحريني الذي جاء إلى المغرب، وإلى أصيلا تحديدا، وهو ضَيْفٌ عزيز على المدينة والوطن لا يليق إحْراجُه بوقفة "تضامنية مع الشعب البحريني دفاعا عن حقه في دولة ديمقراطية" – بتعبير الإعلان – لأن هذه الوقفة تستبطن شَتْما موجها لهذا الضيف العزيز مفاده: (أيها البحرينيون: ليست دولتكم بالدولة الديمقراطية، فعودوا إلى بلدكم وحاولوا جَعْلَه ديمقراطيا...). ولا أرى – كما لا يرى أيُّ كَريم – أن هذا الكلام مما ينبغي أن يُقال للضيوف تصريحا ولا تلميحا، وإلا صار من الجائز أن يُواجَهَ أي وفد مغربي يذهب إلى البحرين أو غيرها من الدول بدعوات لوقفات تضامنية مع الشعب المغربي دفاعا عن بعض حقوقه؛ وذاك ما يشكل – إن حدث – إهانة لهذا الوفد وإهانة لنا نحن المغاربةَ ما دام هذا الوفد يمثل هذه الدولة التي نعتز بالانتماء إليها.
وتأسيسا على ذلك فإن الدعوة التي صدرت عن شبيبة أحد الأحزاب اليسارية بأصيلا مُطالِبةً سكانها بالمشاركة في وقفة تضامنية مع حق شعب البحرين في دولة ديمقراطية، تكشف عن أزمة في التفكير وتَسَرُّعٍ في اتخاذ القرار داخل هذه الشبيبة التي أراها مَدْعوّة للاجتهاد في بناء خطاب سياسي متزن وعقلاني لا ينساق مع الرغبات والأهواء النفسية، ويستشرف مَآلاتِ الفِعل قبل الإقدام عليه. وإني لأشْعُر بأن هذه الشبيبة اليسارية قد شرعت في محاولة بناء هذا الخطاب العقلاني المتزن، وما إلغاؤها تلكَ الوقفةَ التي دعَتْ إليها سوى خطوة في هذا السبيل. وبالله التوفيق.
شاطئ أصيلا يوم 24 غشت 2014.