العراق كما يريدونه..
العراق كما يريدونه..
أو السناريو الأسوأ للمنطقة
م. الطيب بيتى العلوى
مغربي مقيم بفرنسا
باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس
لقد قيل لنا أن الديموقراطية انتصرت ..والمستقبل سوف يكون للعلم ولحقوق الانسان، وأن العقل انتصر، والتاريخ بلغ نهايته….وحالما ننظر من حولنا، نلاحظ أن الواقع لا يتوافق البتة مع الشعارات المرفوعة :فالتزمت انتشربشكل مخيف، والخرافات والمعتقدات الزائفة اكتست القلوب والعقول..."
المفكر والاستراتيجى الفرنسى..فيليب سولرس(لومومند الفرنسية 2002/5/25
الشعلة من الشرارة......ألكسندر بوشكين
قد يخيل للمتفرج العابر-وما أكثرهم فىالشأن العراقى- ان القلاقل الجارية فيه، ستنزف دمه الى آخر قطرة،ولكنها فى الواقع ،وكما علمنا التاريخ،- وتاريخ هذا البلد بالذات -،هى مجرد اهتزازات الجسم الذى يحاول أن يستقر ،ليستمر،وامتحان لقوى الخيرفيه من كل الأطياف التى جمع الله فيها كل العناصر الفاعلة لتثبت على الامتحان ..انه منطق التاريخ..فكل قلاقل التاريخ شرقا وغربا حملت فى أحشائها(قابيل وهابيل) .. الخير والشر.. ولكن كفة الخير فيها غالباهى الأرجح ولو بعد حين..
غير أن التاريخ قد يبطىء خطواته.. ولكنه لا يتوقف..
وعدالته قد تكون ناقصة وعرجاء ولكنها تصل دائما.
.والطبيعة علمتنا أن الحبة الواحدة قد تنبث مائة حبة..تؤتى أكلها ولو بعد حين
المدخل الانثروبو-تاريخى للعنف فى العراق
فان العنف السائدحاليا فى العراق ليس "خلقا" عراقيا ولا من ابداعاته أو من جبلته...بل فرض عليه من الخارج بحبكة محكمة و بتخطيط كان معدا سلفا منذ الثماتينات بمخطط امريكى –اسرائيلى-بريطانى فور ضرب المفاعل النووى العراقى ،ثم أجل حينها لأسباب جيو-سياسية من جهة، ولعدم اختمار أو بلورة أطروحة الفوضى زمنها فى مراكز البحث العلمى فى امريكا وأوروبا،ولتمسك أغلبية حكام البيت الأبيض قبل "ريغان" بمبدأ"تقارب الأنظمة" وممارسة سياسة "النط" الى الأمام أوالى الخلف مع الأنظمةالمعادية ، والاكتفاءبمراقبة الدول المارقة والعمل على احتوائها
"فمشروع زرع العنف فى المنطقة، تمهيدا للدخول فى عصر الفوضىle chaos واللانظام فى العلاقات الدولية ، كان قد عولج بجدية فى مراكز الدراسات فى الغرب وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة واسرائيل(هذا الثالوث المتجانس فكريا وعقائدياذووا النزعة للشراهةالمرضية(الهاموية) Vampirisme للجثث والقتلى ومص الدماء) ،وذ لك فورانهيارالمعسكر الاشتراكى، ونهاية الحرب الباردة ، حيث كان الاهتمام حينها منصبا فىالبحث عن"المجال الحيوى" لتطبيقها، فوقع الاختيارعلى العراق لأسباب جد معقدة :
منها ما هو علنى وملموس مثل الموقع والنفط والخيرات ، (اشباعا لجشع لوبيات العسكر والشركات المتعددة الجنسيات–تذكيرا بان العراق حتى نهاية الثماميات كان به من الخيرات الطبيعية والعقول البشرية ما لم يتجمع فى أوربا كلها )
ومنها ماهوخفى و أمنى محض (حماية أمن الدول الخليجية الصديقة التى ترتبط مصالحها ارتباطا عضويا بالمصالح الامريكية وأمن اسرائيل "شرطى "المنطقة من تطلعات صدام حسين الذى كان يسعى لملأ الفراغ الذى تركه جمال عبد الناصر العدو الاول لدول الخليج واسرائيل والغرب زمنها ثم انهاء التمرد الايرانى الاسلامى والقومى العروبى السورى والمقاومة اللبنانية التى أربكت أوراق الغرب والمخلفين من الأعراب)
ومنها-وهو الأهم- "المشروع الأمريكى'الوليد الشرعى لأوروبا)لاكتمال تغريب العالم بعد تداعى الامبيرياليات القديمة واهترأت ،بنهوض الدول المضطهدة ضدها " الذى بدأه الاوروبيون منذ القرن السادس عشرفى شكل توسع "العالم المسيحى" وحمايته بتطويق الشرق مع شارلمان ثم مع الفاتحين الاسبان والبرتغاليين والفرنسيين والبريطانيين الذين أعادوا رسم خريطة العالم عندما انتصرت الامبرياليات الثلاثة فى القرن التاسع عشر"العسكر والتجار والمبشرون)(مهما غير المرتزقة الأسلحة والتجارالأساليب والمبشرون الرسالة –كما يقول سيرج لاتوش- )فقد كان الهاجس لكل الأمبراطوريات الغربية، هوحلم الاستيلاء على الشرق (علينا الا ننسى ان معنى الشرقOrient فى الادبيات الكلاسيكية الغربية باللاتينية هو "الوجهة أوالتوجه Orientationعندما حلم نابوليون بأن يحذو حذوالاسكنرالأكبرفزحف على مصر(ومازال الكثيرمن مثقفى المشرق العربى يعتبرون تبول فرس نابليون فى صحن الوضوء بالأزهر الشريف بداية النهضة العربية ومنقبة مصر التاريخية).
وباستيلاء شارل العاشرعلى الجزائر يستكمل الغرب الحاقد ملحمة الحروب الصليبية الكبرى الممتدة على مسار التاريخ ،وهو حلم كل ملوك فرنسا قبل نابليون ..وحلم الثوريين والتنوريين مثل نابوليون الملهم الروحى لكانط وهيغل (استعمار الشام والمغرب الغربى كله من تونس الى موريطانيا)
جاءبعد التنوير والثورة الفرنسية وذيوع قيمها مباشرة والتى أتت على الاخضر واليابس حتى الصين
ثم يكمل المشروع "جوزيف فرانسوا دوبليكس" الادارى الفرنسى والمؤسس لشركة الهند الشرقية(1762-1696/ والذىمهد لتحط فرنسا عصاها وبندقيتها بالفيتنام بعد نجاح المبشرين اليوسوعيين الفرنسيين والتجارفى التمهيد للعسكر(ولست ادرى اين تختفى الطروحات التنويرية فى المسار الفكرى الغربى عندما يغير و"ينور"بالمحرقات والابادات والدك بالدبات والنابالم والقصف المدمر ولا يزال..ولن يتوقف)
ويأتى "جول فيرى1832-1893 رجل الدولة االفرنسى ووزير التعليم'وصاحب مجانية التعليم بفرنسا لينظر لنظرية "رسالة الرجل الابيض" وحمل عبء "التحضير بالتوسع الاستعمارى الفرنسى فى تونس والمغرب والكونغو وتونكين بعد الاستيلاء النهائى على الجزائر.
ثم جاء دور "أوروبا الجديدة ، -الاسم الحقيقى لأمريكا كما سميت فى الأربعينات- أو "مشرعو العالم الجديد او "الرومان المحدثون" وفقا لاعلانات تيودور روزفلت تحقيقا للحلم الامريكى منذ واشنطن وجيفرسون وروزفلت وترومان بغزو الشرق اشباعا للهوس البروتستاتتى-التوراتى لمعطم الرؤساء الامركيين وهلوساتهم ) الى مجىء " عائلة بوش الضليعة فى الحروب من الجد الاكبرالذى تعامل مع "الرايخ الالمانى"وانتهاء بهلوسات"بموسى القرن " كما يسمى بوش الصغيرنفسه عنما يملى عليه من السماء بالاستمرار فى تدمير العراق بتلويث سمائه وارضه ومائه وعقر طيوره ودوابه
وقد اختتمت آخر الملحمات الكولونيالية الغربية فى شكلها"التوليفى" المتمثل فى أعتى الامبرياليات الهمجية فى التاريخ ، بمسوغات ميكيافيلية مقيتة-ذكر بعضها، والمسكوت عنه أدهى وأمر ،وبعضها مثير للسخرية- وقع فى حبائلها"حماة" الخليج وعباقرةساسة المنطقة ، ونخبها المتأمركة حتى النخاع من مستشارى المخلفين من الاعراب المنشغلين باموالهم واهليهم (والوقوع فى حبائل دهائيات الغرب يبدو أنها منقبة "اعرابية" -وحاشا ان تكون عربية- وهى دوما مقصودة تبرءة لدممهم أمام حكم التاريخ..وها هم الآن على أتم الاستعداد "للوقوع" فى حبائل الغرب 'على هدى بلفور وسايكس بيكو جديدان ) لبيع المنطقة كلها فى سوق النخاسة باسم الاعتدال والواقعية والدفاع عن "العروبة " للتخلص من" كابوس العراق" المتمرد المعاكس "للنمط المخيالى" للخليج، والمضاد لتياراته، وصوره النمطية المرمزة للتخلف والاستجداء،والدروشة و"الطقوس البخورية" ..لدول المنطقة بالدفع بتفكيكه والتمهيد للضربة القاضية على "الصفويين المجوس" ثم التفرغ للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية وازالتهما من الخارطة بشراء الدمم والاستكثار من "ابناء ابن العلقم" لأمركة المنطقة بأكملها)....أو ليست العراق – هو "الشرق" بامتيازبسحره وعبق نفحات تاريخه وعبير أمجاده التى تحرك لواعج ومكامن "فانتزمات" الغرب منذ الاسكندر الأكبر؟ أو ليس هو"الف ليلة وليلة"؟ فى المخيال المرضى اللاشعورى للاوروبى؟ وهل قدره المقيت ان يكون ضحية ماحبته به السماء الارض من نعم ظاهرة وباطنة؟
نظرية"الثلاجة المغلقة" ومشروع استنباث العنف فى المنطقة
وقع المفكرون الستراتيجيون ، فى أزمة فكرية خانقة بعد الضربة الأولى للعراق التىتمت تحت مسوغ أكبر أكذوبة فى القرن العشرين..ألا وهى أسطورة النظام الاقتصادى الجديد، والتبشير بعالم أفضل، يسوده السلام والأمن والرفاه والاخاء بين الشعوب، عندما واجهوا بعد الضربة الاولىعالما جديدا كعالم "فرانكشتين" الذى أوجده مخترعه ولم يقدرعلى كبح جماحه،فانقلب عليه، كما ينقلب السحرعلى الساحر، فتحولت أطروحات العولمة الوردية الى كابوس قاتم،يجثم على صدر البشرية ليخنقه حثيثا حثيثا مهددة جرف "الشمال اللازوردى الجميل"، لتتحرك –بعد لأى- المنظمات الانسانية والجمعيات المدنية فى اوروبا"بالتنديد" بعد فوات الأوان –مثل العادة وفقط عندما يتضررون ومما يدل على ان التهذار الكلامى شىء والواقع شىء أخر- فاذا باللغط يرتفع جهرا بتعداد ملامح العودة الجديدة لمرحلة ما قبل الحرب العالمية الاولى، وخاصة فترة 1848 و1914 وهى فترة الصراعات الاثنية والقومية التى تلوح بوادرعودتها بشكل أخطر الى الساحة الدولية ،وهو ما أسموه "بالثلاجة المغلقة"(كما اصطلح على تسميتها المحلل الستراتيجى الفرنسى سيرج لاتوش فى بحثه الذى نشره فى مجلة الدراسات الدولية الصادرة فى 4 ديسمبر عام2 200Latouche Serge »L’irruption des identités et le retour des aspirationts communautaires حيث يرى أن البشرية ستنفتح على كل ما تم تجميده وكبته لعقود طويلة، تحت غطاء الصراعات الايديولوجية، والعرقية والنزاعات التسلطية، والترتيبات الجيوسياسية،وعودة النزاعات القومية والدينية، والحروب والتعصب، بقوة وربما –فى نظر هؤلاء المحللين- بشكل أكبر مما كان عليه قبل قرنين..كما هرع كبار المنظرين أمثال"بييرهاسنر"الذى أكد-هلعا- على قدوم عودة "قرون وسطىجديدة"(le monde 26 octobre 1992) وروبرت كابلان يثيرهول و مخاوف "الفوضىالقادمة"(the coming Anarchy 1994_Kaplanحيث رأىأن العالم سيقبل علىانهيار تام للسلطة السياسية(ويبدوأن الأنظمة الطوطيمية لسمج القبائل البدائية ستصبح أرقى تنظيماواستقرارا وانسانية من الأنظمة التى تبدعها العواصم الغربية عشية كل مساء، كماعلق ساخرا أحد ظرفاء الأنثروبولوجيين الفرنسيين مؤخرا) وأن الأسلحة والتكنولوجيا ستنفلت من يد الدول الى أيادى عصابات المافيا والشبكات الارهابية المتنامية من كل الجهات، و من كل التوجهات والآفاق،() والتى ستستثمر ايديولوجيا لنشر الفوضى والعنف فى المناطق المناهضة للمشرعات الغربية من المكسيك مرورا بامريكا الجنوبية وافريقيا وصولا الى اقاصى آسيا ( ومن عبقريات الولايات المتحدة ومن يدورفى فلكها، انهم نجحوا فى جعل هذاالكوكب اكثر توترا واضطرابا واشتعالا وتلوثا وعنفا ورعبا وعرضة للاوبئة –ويشير بعض النزيهين فى منظمات انسانية مدى هول الأمراض السرطانية المقبلة المستعصيةالتى ستستفحل فى العراق ولبنان وفلسطين فى العقود المقبلة( كما بدت فى شمال المغرب مؤخرا جراء القصف الاسبانى بالنابلم فى ثورة عبد الكريم الخطابى وفىجنوب الجزائر نتيجة التجارب النويية الفرنسية ورفض الحكومتين الاسبانية والفرنسية حتى مجرد الاعتذار او التعويض –انها أخلاقيات حضارتهم؟؟؟؟) كما ،أنه من السذاجة ربط الغزو بالنفط فقط...فالغرب يريد ان يكون له دوما موطأقدم فى المنطقة منذ اللاتين والرومان واقدم الصراعت على وجه التاريخ هو الصراع الاثينى الفارسى والصراع الرومانى الفارسى ثم تحت راية الصليب ، ثم اعلاء شان الموجة الاستعمارية رسميا عام 1880حيث تعتبر فترة 1760-1875 هى اهم اطوار الامبريالية.. والدوافع تتجدد لانها اكثر ابهاما واكثر تعقيدا وتلفيق تسويغ هدا النداء الازلى يتم ايجاده كل مرة سواء كان باسم النفط او الموقع او البحث عن اسواق الصرف فقد تعددت الاسباب والموت واحد.. بل ان الغرب الاوروبى –قبل قدوم اليانكى الامريكى قد سطرت على اكثر من 60/100 من المعمورة –ولم يكن فيها نفط- واستغات حولى 40/100 منها حسي المؤرخ الروسى "هارى ماجدوف"
مآل العنف فى العراق ما بين (الحالة الباطولوجية)و (الحالة الانتقالية) بمنظور "براديغم الفوضى"
وبالنظر الى عدم قدرة المتخصصين على التكهن بمآل نتائج الفوضى التى تفتقت عنها عبقريات أرباب البيت الأبيض ومستشاريهم من بنى يعرب العارفين والمتنبئين والعرافين،فان مخاوف العقلانيين فى أوساط البحث العلمى قد تزايدت فيما يخص طبيعة العنف المستشرى الآن فى العراق وأبعاده الاقليمية والدولية، نتيجة مشروعات الحروب الكبرى والصغرى المقبلة بدعم ومباركة"المعتدلين الجدد" من الاعراب فى المنطقة (الذين هم مثل الشاة العاثرة لاتدرى اى القطيعين تتبع)والذين عودونا منذ" سايكس- بيكو) على المقامرة على الجواد الخاسر (هذا الثالوث المتجانس فكريا وعقائدياذووا النزعة للشراهةالمرضية(الهاموية) Vampirisme للجثث والقتلى ومص الدماء).فالأوراق اختلطت، والبث فيها .
.ومع التسليم بفرضية استمرار العنف الى أجل غير مسمى ،-فلا أحد يدعى متى سينتهى-فان النقاش يحتدم بين المتخصصين فى علوم المستقبليات ويتسع الجدل بينهم حول درجة" صدمة الفوضى" ومدى عنفها.. وهل هى انتقالية ظرفية؟ ام استثنائية؟ وهل ستحمل ارهاصات نظام جديد مابعد "أطروحات النهايات ؟"(وما هو ياترى هذا النظام الجديد بعد كل الأنظمة التى تفتقت عنهافتوحات عبقرية بومة منيرفا فى الأمسيات الرومانسية فى الغرب عندما توضع فلسفات وتصورات وتنظيرات حول مائدة عشاء فاخر) ؟ أم أنها مرحلة طبيعية قد تطول أو تقصر؟ ومن سيتحكم فيها لترشيدها لمصالحه؟ مما يدل على تفاقم الأزمة وعجز تلافيها وغياب الحلول . والى ان يأتى الطبيب ..فالجواب الفورى كان هو "الداروينية الجديدة" لشعوب الشرق الأوسط، قصد تدجينهاوصهرها البطىء بخبث ولطف–عن طريق المنظمات والجمعيات "الثقافية" والانسانية وفضائيات الرفث والخنا والمغنى الساقط و الممولة خارجياو خليجيا، لتحقيق ما لم تحققه الدبابات وقصف الطائرات- وذلك بحكم استعصائهاعلى التطويع منذ قرون خلت بالقوة) وفى نفس الوقت يتم فرض "المالتوسية والأبارتايد الجديدين" على الأعراق الدنيا، فى افريقياوأمريكا اللاتينية (التى لاتاريخ لها سوى ما تضمه متاحف الغرب الكبرى لامتاع "الرجل الأبيض" وتذكيره بتنظيراته التفوقيةعلى البشرية ، تلميعا لسلوكيات ساساته وانحرافات الكثير من مفكريه فى المعمورة ،والافتخار بالعبء المنوط بهم لتحريركل البشر من احلامهم وتطلعاتهم ...وياللمهزلة !!!!)
ومن هذا المنظور، فان الحديث عن طبيعة العنف فى المجتمع العراقى وارجاعها –تسطيحا-الى جبلة هذا المجتمع والى تاريخه القريب فأمر مرفوض عقلاونقلا، .فالانقلابات الحديثة فى العراق والمنطقة كلها لم يفصل فيها التاريخ، ولم تدرس جيدا الى الآن –وليس كل تاريخ مكتوب مفصول فيه- فما زال بين طيات التاريخ وصحائفه ما هو مسكوت عنه وملغوز
كما ان أحداث العراق فجرت أزمات عميقة فى المنطقة ، وفى التنظيرات السياسية الدوليةعلى جميع المستويات(دينيا وثقافيا وسياسا واجتماعيا واستراتيجيا وتاكتيكا)وعمقت تناقضات خطيرةأفرزت هشاشة كل الأنظمة فى المنطقة لجفاف المصادر المعرفية ، ونضوب معين آفاق النخب السياسية والمثقفين والعلماء ،لعدم امتلاكهم-مجتمعين- لأى مشروع قائم محدد أو تحليلات استراجيتية ( سوسيو-ثقافية-سياسية-دينية)او رؤية شاملة(قوميةأو عروبية أو اسلامية) للمنطقة، أو حيال الجيران الذين تجمعنا واياهم عناصر الأرض والتاريخ والدين والمصالح المشتركة ،مثل ايران وتركيا(لعدم القدرة على سبر الأحداث وترشيدها عقلانيا لصالح المنطقة-وماأكثرها بين الرياض ودمشق وأنقرة والقاهرة،وطهران ، كمايرشح عن مراكز البحث فىالغرب ،باعتبار أن هذه العواصم مصنفة ضمن أخطر المحاور الكونية لوتم التقارب أو التحاورفيما بينها، بدا التقاطع والتناحر، وتجربة حرب الثمانى السنوات بين ايران الاسلامية الشيعية والنظام العراقى القومىالبعثى العلمانى بدعم كل "سلفيي" المنطقة (ولااقصد خيرةالسلف الصالح) واجماع مايسمى بالمجتمع الدولى" لم تجن منه المنطقة الاالدمار وتحويل شعب وحضارة العراق الى سمج قبائل"الطام الطام" التى خرجت لتوها من غياهيب التاريخ "الطوطيمى" المظلم للأعراق الدنيا)، ( واطلب الجواب - على سبيل المثال لا الحصر- بين سطور كتاب "الحشاشونLes Assassins للأب الروحى للاستشراق السياسى الانجلوساكسونى-اليهودى المتصهين- بيرنار لويس الصادر عام 1981 بعيد الثورة الخمينية والذى نبه فيه الى خطورة المنطقة على المصالح الحيويةللغرب ،وأنه من حسن الفطن ألا يتنبه العرب والفرس والترك الىما يجمعهم ،كما أكد ذلك أيضا كبير المستشرقين والمستعربين الفرنسيين ومستشار الخارجية الفرنسية –ابان الاستعماروأحد الممهدين له- ليفى بروفانسال "levy provençal فى مقدمة كتابه "تاريخ شرفاء المغرب" حيث حذر من عودة تركيا الى خلفيتها العربية السابقة (فاصالة تركيا هى الاسلام السنى، والمذهب الحنفى، والتصوف النقشبندى والرفاعى والأكبرىوالبكداشى المعروفة بتفتحهاو بسنيتها وتشرعها، وأنه لاخلفية تراثية حضارية مشرقة للتتار الترك الا ما أخذوه من المنطقة، بالرغم من تجربتها العلمانية الطويلة التى ما زادت الأتراك الاحنينا لتراثهم (الاسلامى العثمانى لا التتارى)الذى هز اوربا-حتى بدايات القرن الماضى- حين دقوا أسوار فيينا حيث مازالت الثقافة الشعبية فى بافاريا لا تفرق بين التركى والعربىالى يومنا هذا)
الأزمة العراقية فى متاهات المؤتمرات ووهم الاصلاحات والتعديلات
هناك مسلمة من المسلمات يعرفها جيدا من خبرتاريخ العلاقات بين الغرب والشرق، وخاصة منذ القرن التاسع عشر، وهى أنه ما من مؤتمر يعقد بشان قضية ما في المشرق أو المغرب العربيين الا والمضمر فيه هوبيت القصيد، وليس المعلن(وليطلع من يهمه الأمرعلىأرشيفات المؤتمرات المنعقدة منذ عشرينات القرن الماضى فى مصر والشام والمغرب من طرف المستشرقين او الارساليات التبشيرية او الندوات الاقتصادية أو الثقافية أو الفنية –وخاصة السينمائية منها)
وفى أحسن الاحوال والظروف وحسب"الأخلاقيات"-ولا أخلاق فى السياسة- فان مآل قضية العراق قريبا هوالى التدويل، بانسحاب مسرحى امريكى -بريطانى –تغطية للعجز والفشل المريعين_، استعدادا للضربة القاضية على ايران لاعادة تطويق العراق من الجهات الاربعة. وتحريك الدب الاغبر لضرب الاكراد فى شمال العراق ومحاصرته فى نفس الوقت لانه سيكون حتما منطقة الفوضى القادمة لاسباب تاريخية لامجال لذكرها هنا (ذلك الغول الشرقى االنائم الدى دق اسوار فيننا مرتين والذى بدا يتحرك بخطى مدروسة بجنرالاته الماكيفيليين واسلامييه وعلمانييه البراغماتيين حفاظا على التتريك وتطلعا نحو العثمنة). فمن حسن الفطن هو ادراج العراق ضمن لائحة المعضلات الدولية المستعصية بعد تميره ةتقاسم خيراته وكسر شوكته الى الابد مثل كشمير والصحراء الغربية وكوسوفو ودارفور ومناطق النزاع المتوترة فى غياهيب افريقيا وآسيا لكى يتسع المجال لمافيات المنظمات الدولية لتعيث فيها نهبا وسلبا وفسقا عند التقسيم ولتحركها كلما عنى لها ذلك عند الحاجة،
وكما يبدو حاليا، فان كل المؤتمرات الاقليمية والدولية الهادفة الى بلورة حلول ناجعة لظاهرة العنف فى العراق لم تثمر،وأنه لا أمل فى ذلك على المدى القريب ما لم تحل اشكالية الاحتلال-فتلك عصا موسى-(فلا يمكن للذئاب التفاوض مع الغنم..وخاصة ادا كان الراعى هو الذئب والخصم والحكم ..
ولذا،فالمعضلة العراقية ، تجاوزت بكثير تلك المقاربات-التبسيطية- للصراعات المذهبية (وهى ليست كذلك، فهذا البلد لم يشهد صراعا طائفيا فى عصوره الذهبية) فى غياب دقة المعلومات، والمعطيات. وتضارب الآراء، وعدم اكتمال عناصرالتحليل، والاصرار-خطئا الى اختزال القضية الى مجرد صراع عقائدى سنى-شيعى محض ، فقد تطورت المعضلة الى ظاهرة-بل وهكذا أريد لها مخططوها منذ البداية- لعلمهم بان لكل ظاهرة خصائصها –سوسيولوجيا- و يتخللها ما يتخلل كل الظواهرالبشرية من تداخل عوامل ظاهرة واخرى خفية، وهذه الأخيرةهىاخطر العوامل ( العامل "س" الطارىء le facteur x intervenat الذى يصعب تحديده او الفصل فيه بجرة قلم، والذى يشكل قطب الرحى فىدراسة أية ظاهرة، لكونه عاملا زئبقيامستعصيا-بمنظور العلوم الاجتماعية- ممايجعل البث فيه أمرا محفوفابالمزالق، عند نهج ممارسات ضروب التخمين و"التعالم"، والاستنتاجات العشوائية،..فالتفكيرلا يكون مقبولا ولا الطريقة علمية ،اذا لم تكن العبارات والمفاهيم المستخدمة واضحة، والمراجع والمصادر موثقة ونزيهة .. وما لم يتم التوصل الى العامل "س"فان الظاهرة تطول وتتجذر اكثر..
خصوصية "الحالة العراقية" وكيف استغلت لتفكيكه بمنظور 'العلوم الاجتماعية الجديدة" والاستشراق السياسى
لابد من الاشارة الى أن الذين خططوا لاحتلال العراق، قد وضعوا نصب أعينهم تاريخ المنطقة ،وخصوصية الحالة العراقية عبر التاريخ، لتوظيفها لتفكيكه وتحويله الى "المشروع الرائد" Projet pilote لتفكيك المنطقة كلها،عن طريق تفتيت وتذويب "كيماوته الخصوصية" واعادة تركيبها وصياغتها و"قولبتها" ضمن معادلة تحقيقا لبراديغم" الفوضى" واشاعته فى المنطقة.. حسب معطيات المجال المعرفى الجديد فى مجال العلوم الاجتماعية والسياسية التى اخذت تحددأبعاد واثار المراحل الانتقالية المستقلبلية منذ الثمانينات والتى استنبثت جذورها من مجالات العلوم الحقة، وهى "العلوم الانتقالية"La transologie والتى تؤشر الىذلك المنعطف الخطير فى التاريخ المعاصر للفلسفة الغربية والعلوم الاجتماعية الذى ما فتىء الغرب يولدعلى هديها، فلسفات" أفكار شخصانية" طارئة وعابرة استجابة لأغراض فورية لا انسانية ولاأخلاقية كلما هدد "كيانه الثقافى والحضارى"حيث تحول الى مجرد حية تروسها البشر..." آلةتدميرية للاعراق والمجتمعات ةالافراد والطبيعة والغابة، وباطن الارض وكل ماهو نافع لع وكل شىء ينبغى ان يكون مستغلا'الارض والحجروالشجر)كما حلل ذلكPierre ClastresفىRecherche d’anthtropologie poltique . LeSeuil.تلبية للنداء 'الهيلينى-اليهودى ) القديمى تشوفا الى تلبية نداءالعالم الفسيح الذى لاينقطع وذلك باعادة تلفيق المسوغات بلا انقطاع
تلبية لدوافع انوار "سماوية'(حروب صليبية وفاتحين اسبان)و لاحقا بعد فشل هذه الاخيرة مع ودوافع انوار ارضية بعد التنوير فتتغير الاساليب والاسلحة والمرتزقة والانبياء ولكن الاخيلة تظل كما هى تتحين الفرص للانضاض المحموم على البقايا الاخيرة من الاراضى "غير الواقعة تحت السيطرة" من المعمورة (كما صورها سيرج لاتوش فى "تغريب العالم)فهو عاجز حتى الان عن ايجاد حلول ذات ابعاد انسانية قيمية..و ما يزال مصرا اكثر مما مضى على تفوق حضارته ومؤمن بعبء "رسالته المقدسة الرهيبة" كما يوضحها بشكل جلى –على سبيل المثال لا الحصر- الخبير الاستراتيجى والمفكر الفرنسى الكبير"جون مارى غيهنو" بقوله
"ان الحرب الباردة قد علمتنا عادات سيئة من التفكير :لقد أخذنا الاستثناء على أنه القاعدة،والتحليل الاستراتيجى بدأ يجد صعوبة أكثر فأكثر فى فهم اللايقين. واليوم،فان نفس المقترب يعمى تحليلنا، ويمنعنامن فهم هذا العصر المائع،والفاقد لأية مرجعية (فلسفية أو قيمية) ،والذى حاولنا بكسل فكرى أن نسميه فترة انتقالية، وكأن الانتقال لم يكن فى التاريخ هوالقاعدة...) (انظرL’après guerre froide 1996.Magazine Littéraire) عدد جوييى /غشت عدد312