ماهية الغزو الأمريكي ..

ماهية الغزو الأمريكي ..

ومتى ستخرج من العراق ؟

وثاب خالد آل جعفر

الجامعة الإسلامية

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ثم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك له واشهد إن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين .

(( ياايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )) – الأحزاب  70-71    جعلنا الله وإياكم من الفائزين .

(( يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون )) آل عمران 102

 اللهم امتنا على الإسلام وعلى عقيدة التوحيد والإيمان .

    أما بعد :

     فان اصدق الكلام كلام الله عز وجل وأحسن الهدى هدى محمد ( ص) وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعه وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار .

    أخي المسلم أختي المسلمة :

 تعيش الأمة الإسلامية أيام عصيبة , وظروف حالكة وهجمة شرسة لم يسلم منها صغير ولاكبير ولاعالم ولا من هو دون ذلك الكل فيها سواء .

 نعم هجمة غاشمة عقدت العزم على استئصال هذه الأمة معلنة حربا لاهداوة فيها , مستخدمة بذلك الحجج الواهية والذرائع البالية للتمكين من تنفيذ مخططها الذي أعدته بفن وإتقان . وما المشهد العراقي الا واقعا عمليا لما نريد التحدث عنه عما يجري في هذه الأمة ألمستهدفه . وهنا يكون السؤال : ماهي طبيعة الغزو الأمريكي للعراق ؟ وكيف السبيل لخروجها ؟

   سؤال تعاظم في طرحه الكثير وتغاضى عن جوابه العديد وتاه أمام سره حيرانا من كان آفته الفهم السقيم .

وقد يضن من يقرأ هذه السطور وللوهلة الأولى أنها مادة خطبة لجمعة أو ما شابه ذلك , ولكن  أعلم أخي القاريء الكريم أنها قراءة بسيطة لواقع هذه  الأمة المغلوبة على أمرها , أستخرجناها من مجريات الأمور , وعشناها على أرض الواقع.

    فبعد أن حدث ما حدث ومما آلت أليه الأمور في عراقنا الجريح  وبات كل شيء مادي تحت سيطرة قوى الاحتلال وفي متناول يدها,مما كان على الأرض أو في باطنها . قد يتسائل البعض  لماذا  أذن  كل هذا ألاستمرار والإمعان في ممارسة أقسى وأبشع  أنواع القهر والتعذيب ألبدني والنفسي على أبناء هذه الأمة؟ والمجتزئة من منطقة معينة دون غيرها ؟ ابتدأ  من مجازر الفلوجة وديالى والموصل والأنبار  وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها مرورا بسجن أبو غريب وانتهاك الحرمات فيه  وأنتهاءا بأعتقال ومطاردة وتصفية رموز هذا البلد من من علماء دين  ودعاة  ومصلحين في التيارات والهيئات والحركات الاسلامية  وكذا مواكب الشهداء  من شباب هذه الأمة  " والتي لن تنتهي ألا بأنتهاء المحتل " مع إصرارهم على  المضي  في كل ذلك العدوان  .

   فنقول لمن لم يعي الدرس بعد , ولم يقرأ ما بين السطور  , وبعد أن بان المستور وأ نكشف المحضور , أن هدفهم وغايتهم  ومشروعهم الذي توحدت عنده كل قوة الكفر والضلال  هو (( ذلك الدين القيم )) المتمثل والمتأصل  في سكان هذه المناطق  والتي تعيش كل تلك الانتهاكات .

  أنها حرب لهدم الإسلام وإشاعة روح التغريب في فكره وثقافته التي هي مصدر قوته وسبب حفظه بعد الله من كل ضياع هي حرب الأفكار والثقافات وصراع الأديان لنزع عقيدة المسلم من منهاجها الصحيح وتفعيل الدخيل عليها بشتى الأساليب .

أخوتي , أخواتي :

   إن الإسلام ليس مجرد ديانة .. أو عبادة .. ولا هو طقوس يؤديها المكلف منا فيصبح فيمن يحسب عليه , بل هو منهاج وسلوك وقانون للحياة بكل مقوماتها الروحة والمادية السياسية والاجتماعية والاقتصادية .

هو الدين والدولة , هو الحكم والسياسية هو ميزان الحياة ودستور العباد وان الأيمان به وعقيدة التوحيد فيه هي روح ذلك الدين وأساس نظامه الذي أسس بناءه الرسول محمد ( ص) بإيحاء من الله عز وجل . واني لأعجب كل العجب على من يشك ولو لوهلة بعدالة السماء أو يجحد بقانون الله (( إن الحكم إلا لله أمر آلا تعبدوا إلا إياه . ذلك الدين القيم )) يوسف ـ 40 , بهذا امرنا وبه نحكم فلا طاعة لملة ولا طائفة ولا حزب ولا حكومة الا بما انزل الله وهذا معنى الحاكمية  التي أوجبها الله وفرض على العباد طاعتها , وهذا هو الأيمان الصحيح بالإسلام عقيدة ومنهاجا . ويستوقفني هنا درس في العقيدة هو أروع ما قرأت لشهيد الكلمة والموقف سيد قطب رحمه الله فيقول ((  أن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك . والإسلام عقيدة متحركة لا تطيق السلبية فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج ولتترجم نفسها إلى حركة والى عمل في عالم الواقع . ومنهج الإسلام الواضح في التربية يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدباها إلى حركة سلوكية واقعية وتحويل هذه الحركة إلى عادة ثابتة أو قانون مع إيحاء الدافع الشعوري الأول في كل حركة لتبقى حيه متصلة بالينبوع الأصيل )) .(1)

  وهذا هو المستهدف من غزو هذه الأمة .. تلك العقيدة المتطلعة لتطبيق منهاج الإسلام على ارض الواقع . وهو ما يرهب الأعداء فعمدوا إلى غزو تلك الأفكار وإشاعة روح الاستشراق في عقول أبناء هذه الأمة .

     سؤل ( كرومر) احد قادة الاحتلال البريطاني لمصر نهاية القرن التاسع عشر عن  موعد جلاء الإنكليز عن مصر فقال:((حينما نربي جيلا مؤمنا بالثقافة الغربية وحدها )) . وهذا هو ما يدور اليوم ويحدث على يد المستعمر الكافر من هدم وتغريب مع اختلاف الطريقة والأسلوب المستخدمة في ذلك فترى المستعمر يروج تارة للحرية وأخرى للديمقراطية وكأن بها العدالة المطلقة .. بل مما يؤسف وينذر بنفوذ ذلك السم هو أن نرى وتسمع البعض من أبناء هذه الأمة من يعزف على أوتارهم مروجا لأفكارهم بعد أن أصابه وهن الأفكار وتملكته روح الهزيمة وغاب عنه قانون السماء فبات يستخدم المصطلح في غير محله عن علم أو غير علم بقصد أو دون قصد مرددا     (( فقه المرحلة تارة, وفقه الواقع أو  المصلحة ودرء المفسدة تارة أخرى )) والعيب ليس في هذه الفقهيات بل في سوء استخدامها في المكان المناسب متناسين أن الإسلام ما جاء الا ليغير الواقع الفاسد لا أن يعترف به وهذا ما يميزه عن غيره .. واعلم أخي المسلم أن (خيانة الأمة : هي تحقيق أهداف أعدائها ولو كان من غير اتفاق معهم على ذلك ).

   فحصنوا أفكاركم ونبهوا أولادكم وثقفوا عيالكم وتخيروا لهم مصادر الفكر الصحيح لينشأوا على عقيدة التوحيد وفهم هذا الدين فهما عقائديا يكون درعا واقيا لهم ولهذه الامة مستقبلا من ضربات اهل الهدم والتغريب . وان هذه المسؤولية لتقع بالدرجة الأولى على الهيئات الاسلامية والمنظمات الفكرية في مواجهة هذا الخطر . وليعلموا أن عدوهم انما يعمل بذكاء وينفذ بدهاء فلا تغركم أقوالهم ولا يسيل لوعودهم لعابكم فهم يعمدون الى فكرة أبعاد الاسلام عن مجال العلاقات بين الأفراد بدعوة عجز الإسلام عن تحقيق ذلك وهذا ما نسمعه يوميا من طروح تحت مسميات المساواة بين الرجل والمرأة أو بين الأديان والأقليات وكان الاسلام لم يكفل كل ذلك . ومن المؤسف هو انقياد البعض من أصحاب الفكر والوعي الإسلامي لذلك تحت مسميات ( الإصلاح والتجديد ) وهنا يكمن الخطر و تتجلى المصيبة في شيوع ثقافة الإيحاء بأن ( الظروف الدولية تدعوا المسلم الى الولاء لغير المسلم أو أرضاء حكومته وان كانت غير مسلمة ) .

    هادفين بذلك إلى تحويل هذا الدين القيم الى تراث لا يحاكي الحاضر وفكرا لايلائم الواقع فتعسا لها من حركات والتي هي في حقيقة امرها وسيلة من وسائل الاستعمار اللعين في إضعاف أسلام المسلمين والتشكيك في عقيدة وصلاحية هذا الدين وقد نوه لذلك من قبل د . محمد البهي في كتابه (( الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي )) مبين ذلك الخطر فيقول : ان من وسائل الاستعمار في أضعاف اسلام المسلمين .. توجيه الفكر الاسلامي نحو تحقيق هذه الغاية أي أمتطأ الفكر الاسلامي مطية لذلك وإبراز ذلك التوجيه في صورتين :

1-  قيام بعض مفكري المسلمين بحركة تقدميه في الاسلام تبغي تقرير سلطة المستعمر وتثبيت ولايته على المسلمين من الوجهة الاسلامية . أو بعبارة أخرى تبغي عدم تحديه ومعارضته من خلال إدخال ما يسميه ( بنظم الإصلاح الحديث )

2-  قيام بعض الغربيين بإبراز الخلافات المذهبية .

وهذا والله ما نلمسه اليوم في واقعنا المعاصر وهذا هو شأن بعض الحركات والمنظمات والمتسمية باسم الاسلام والتي تدعي الدعوة منهاجا لها وفي حقيقة الأمر ما هي الا أداة لتحقيق التصور أعلاه (( فهذه الثورة الاسلامي  وما هي ألا ثورة على الاسلام  لتغيير مفاهيمه الحقيقية , وذاك حزب الدعوة والذي لا يعرف من فقه الدعوة ألا الهدم والتشويه )) وغيرها الكثير الكثير ,  وهنا يكمن سر رضاءهم عن تلك الحركات والسماح لها بالعمل دون تضييق الخناق عليها فجاءة تصديقا لقوله تعالى  (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )) البقرة – 120 . فاحذروا من دعوات  الهدم لتلك الثقافات الهادفة الى تجديد هذا الدين على الطريقة الغربية واتق تلك الدعوات المبطنة والتي هي مثل من يدس السم في السمن وقد تجلى هذا الموقف من خلال ما أعلنه رأس البلاء ( في بيته الأسود ) بوش ولأكثر من مرة مرددا قولا غاية في الخطورة إذ يقول ( نحن لانهدف الى إحلال الديمقراطية في العراق والمنطقة قسرا .. بقدر ما نهدف الى إشاعة ثقافة الديمقراطية وترسيخ الأيمان بها لدى هذه الشعوب ) .

     وهذا كلام خطير يجب التنبه إليه وفهم معناه ومغزاه .. إذ هو لا يقل أهمية عن قول سلفه ( كرومر ) وهو يصب في نفس المعنى ولا يختلف الا في التركيب اللفظي محاولا استغفال عقول المسلمين , فأشاعت ثقافة الديمقراطية وحمل الشعوب للأيمان بها هي ترسيخ للثقافة الغربية ودعوة استشراقية لضرب العقيدة الاسلامية .لذا بات أمرا محتوما وفرضا واجبا إشاعة وبث روح المقاومة الفكرية وتدعيم ثقافتها وتمكينها في صدور المسلمين وانتهاج أساليب البناء الدعوى الصحيح نصرة لهذا الدين . ورحم الله من قال :

ما الحرب بعد اليوم زج عساكر           تفني العداة ولا رصاص يطلق

الحرب  حرب  عقائد لا تنتهي            إلا بنصر  عقيدة تتفـوق.(4)

فلا نصر الا لقانون السماء وعقيدة الاسلام تلك العقيدة التي تعلو كل الآلام والخطوب الجسام , وان الغد لهذا الدين و الذي استقرأه  في عيونكم واستخلصه من حرصكم ودأبكم في الحفاظ عليه رغم الصعاب وان غدا لناظره لقريب . وما مواكب الشهداء التي تجود بنفسها يوميا الا دليل قوة هذه العقيدة والتي هانت عندها كل العقائد .

  هذه هي ماهية الغزو الجديد .

وهنا أصبحنا نقترب من معرفة جواب السؤال الثاني : متى وكيف ستخرج أمريكا من العراق؟

فبعد أن عرفنا ما هية هذا الغزو ودوافعه نقول ( لن تخرج أمريكا من العراق الا بعد ان يكون كل عراقي عدوا لها وان تشعر هي بذلك .. وان يستشعر كل عراقي النصر في قلبه ولا سبيل الى ذلك النصر الا بالأ يمان وعقيدة والتوحيد , مع الأخذ بأسباب القوة والتمكين المادية ) . وان من يحفظ الله يحفظه ويمكنه على أعداءه , وما قولنا هذا بضرب من الخيال ولا بعيد عن المنال فواقعنا مليء بالشواهد  والأمثال والوقائع والتي تدعم هذه الحقيقة وتؤكدها ومنها نستخلص العبر , فهذه الشيوعية الملحدة ألم تهزم في الأمس القريب وهي بكامل عدتها وعددها على يد فئة مؤمنة عقدت العزم وتوكلت على الله وحده مع الأخذ بالأسباب في أفغانستان .. حتى عمد البعض ممن يدور في فلك الأعداء على تشويه ذلك النصر (( فتارة يعزوه لتدخل أجنبي وأخرى لصراع دولي )) .. محاولين أيهام السامع وإسدال الستار على سر ذلك النصر وقوة سلاحه كي لا يكون عقيدة يحتذى بها . وكذا الحال في فلسطين وهي خير شاهد على ما نقول . فمن الذي يرهب هذا العدو اليهودي المتمترس بأحدث الأسلحة والمدعوم من قبل أكبر  دول العالم أليس هم رجال المقاومة الاسلامية والذين تسلحوا بسلاح الأيمان والعقيدة فهانت أماهم عدة العدو وعدده وهم فئة قليلة آمنة بربها فأرهبت العدو وأذاقته كأس المنية وحققت ما لم تستطع جيوش العرب تحقيقه منذ 1948 وحتى الآن بكل ما تحمله وتملكه هذه الجيوش  من عدة وتسليح , والسبب  لأنها جيوش  مسلوبة العقيدة والأيمان بروح النصر.

 وعلى هذا يقاس الوضع في العراق .. فوالله لا يرهب هذا العدو عدد ولا تفزعه عدة بقدر ما يرعبه عمل تتجلى فيه سلاح العقيدة والإيمان .

فهذا كاسترو وحسب ما نشرت الصحف الكوبية حينها وعند اندلاع الثورة الفلسطينية يطلب السفير الإسرائيلي في بلاده ناصحا إياه بعد اشتداد ضربات المقاومة الاسلامية وشيوع العمليات الاستشهادية فيقول له ( على إسرائيل ألا تترك الحركة الفدائية تتخذ طابعا إسلاميا دينيا حتى لا يجعل من حركتهم شعلة من نار الحماس الديني , مما يجعل من المستحيل على إسرائيل ان تصون كيانها لان الفدائي إذا تملكته عقيدة دينية وبخاصة في المجتمعات الاسلامية تلاشت أمامه كل العقائد الأخرى ) .(2)

الله اكبر , الله اكبر الذي جعل هذه العقيدة تتهاوى عندها كل العقائد وسلاحا تصغر عنده كل الأسلحة . هذا هو سلاح الأيمان الذي باتوا يستهدفونه من خلال ما نرى ونسمع يوميا من مصادر إعلام العدو أو من المتعاونين معهم في تشويه تلك الصورة الجهادية الرائعة من العمليات الاستشهادية ومحاولة تحويلها من عقيدة سامية الى أعمال إرهابية . ولكن الوعي الإيماني والفهم الاسلامي أكبر , وأقوى من أن  يضلل بدعواهم (( ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )) النحل 128 .

فالله مع من اتقاه ومن يكون معه فلا يخشى العدو ولا ترهبه عدة .. وان الله يعده النصر ولا يخلف وعده (( وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) الروم -6 .

اللهم انصر الاسلام والمسلمين , واعل كلمة الحق والدين .

اللهم انصر المجاهدين في العراق وفلسطين وكل بلاد المسلمين .

اللهم عليك بالأمريكان والمحتلين ومن والاهم من المنافقين

اللهم أرنا يوما عظيما في بيتهم الأسود .

اللهم اكسر شوكتهم وشتت شملهم وافضح أمرهم واكشف سرهم ومكن المجاهدين المقاومين منهم .. يارب العالمين .

والسلام عليكم

              

المصادر :

1-  تفسير في ظلال القران – سيد قطب

2-  الفكر الاسلامي بين الاصالة والتجديد – د . محمد عبد المنعم خفاجي

3-  الفكر الاسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي – د . محمد البهي

4-  الشاعر حافظ جميل