وقفة مع حزب التنمية والعدالة التركي 

وقفة مع حزب التنمية والعدالة التركي 

د.خالد الأحمد *

قبل أربع أو خمس سنوات فاز حزب العدالة والتنمية التركي بثلث أو أكثر من مقاعد البرلمان ، ويقول أحدهم أكثر من (30 % ) ، وعزي نجاحه يومذاك إلى فساد الخصم السياسي ، كما عزي نجاح حركة حماس إلى فساد الآخرين ...

ولاشك أن الأحزاب الأخرى تضم عدداً من الفاسدين ، الذين تهمهم مصالحهم الدنيوية الخاصة ، ويؤثرون أنفسهم ومصلحتهم الخاصة على المصلحة العامة ، وهذه أكبر ورقة رابحـة لدى الحركات الإسلامية ... وخلاصتها أن الشعب يقول لقد جربنا القوميين والاشتراكيين والعلمانيين والماركسيين و....وكلهم لم يخدموا البلد ، بل أضافوا مشكلات جديدة إلى مشكلاته القديمة ... وسرقات جديدة أكبر من السرقات القديمة ، ونهبوا أكثر مما نهب أسلافهم ،ويقول بعض الشعب أو قل بعض الناخبين : ماذا لو جربنا هؤلاء ( الإسلاميين ) الذين لم نجربهم سابقاً ، ولم نتأكد من مطابقة أفعالهم لأقوالهم ، وهكذا فاز التنمية والعدالة في تركيا ، وفازت حماس في فلسطين ... بالطبع أستثني مشاريع الأخ ( أوردغان ) العظيمة والناجحة في بلدية ( إسلام بول ) التي رفعت حزب العدالة والتنمية بشكل عام ، وأوردغان بشكل خاص إلى القمـة .... 

واليوم ينجح حزب العدالة والتنمية التركي للمرة الثانية ، ولكن بنسبة أكبر حيث وصلت إلى ( 48 % ) أو تزيد ، وهذا يؤكد أن الشعب التركي ( جرّب ) هذا الحزب ( الإسلامي ) ، وتبين لـه أن أفعاله أكثر من أقواله ، لذلك انتخبـه هذه المرة، وأعطاه من الأصوات أكثر مما أعطاه في المرة الماضية ، بعد أن خبـره وعـرفه ... وتأكد له أن أفعاله أفضل من أقواله بكثير ... 

فــوائــد :

وللمسلم المتابع أن يستخلص عدة فوائد من نجاح حزب التنمية والعدالة التركي :

1.  لا أظن أن ( أوردغان ) أو ( جول ) من الخطباء المفوهين ، ( وليسمح لي خطباؤنا الأفاضل مع بالغ احترامي لهم ) ،وإنما هما من التقنيين الذين تسبق أفعالهم أقوالهم ، وممن يقدمون الخدمات للشعب التركي ، الشعب ( أي شعب ) يحتاج خدمات أكثر مما يحتاج ( خطباً ) و ( تنظيراً ) . وقد أدرك الإخوان السوريون ذلك زمن الشيخ مصطفى السباعي يرحمه الله ، فكان يهتم كثيراً بالعمال والفلاحين ، ويخصص زيارات خاصة إلى القرى القريبة من دمشق مثل ( تل منين ) وغيرها ، وأثمرت تلك الزيارات خيراً كثيراً كما تعرفون ... وسلك الإخوان المصريون الطريق نفسه أيام الشهيد حسن البنا يرحمه الله ، واهتموا بنشر التعليم في الأرياف والقرى ، والطبابة وكثير غيرها ، ( ويراجع كتاب الإخوان المسلمون والمجتمع المصري لمحمد شوقي زكي ) ، ومما جدير ذكره أن الإخوان المصريين قدموا خدمات إغاثة للشعب المصري خلال زلزال الثمانينات أكثر مما قدمته الحكومة نفسها .... ولذلك أعتقد أن الإخوان المصريين متجذرين في الشعب المصري أكثر من غيرهم .... فماذا نقدم نحن معشر الإخوان السوريين للشعب الذي حوله النظام الأسدي إلى الفقر والبطالة والتشريد والسجون !!!؟

2.    يقول الأخ الأستاذ أحمد إسماعيل ( وهو متابع أكثر مني جزاه الله خيراً ) عن حزب العدالة والتنمية : 

((حزب العدالة والتنمية يصنف نفسه بأنه حزب (المحافظون الديمقراطيون)وهو حزب ائتلافي يضم تيارات متنوعة، أقواها والمبادرفيها هو التيار الإسلامي الذي يقوده أردوغان وغول، ويأتي بعده التيار القومي المنشق عن  حزب الحركة القومية إضافة لعدد من المنشقين عن أحزاب علمانية عديدة يشكلون تيارا ليبرالياً غير رمزي...

ركز الحزب على عملية الاصلاح السياسي والعمل علىتجذير  الديمقراطية و تحويلها إلى ثقافة شعبية ، و تفعيل مفهوم دولة المؤسسات و عدم التراجع عن مشروع تركيا للانضمام للاتحاد الأوربي.

شيء آخر يرتبط بإسلامية أردوغان وغول، وهما من مدرسة أستاذهم أربكان سابقاً.

فهذه المدرسة تتعامل ببراجماتية ومرونة مع الواقع التركي الشرس في علمانيته، والشرس في معاداته للأسلمة، وإذا كان أستاذهم( أوردغان )المتشدد نسبياً مضطراً  ليقف على قبر أتاتورك بعد تنصيبه رئيساً للحكومة كإجراء ثابت لايجوز لأحد تجاوزه، فما بالك بتلاميذه الشباب الأقدر على المرونة .

هذا الحزب يعتبر مدرسة جديدة في التفكير و الممارسة لدى بعض الإسلاميين الأتراك ، هذه المدرسة أو هذا التوجه لا زال يتشكّل و يحقّق ذاته، ويمتد أفقياً وعمودياً وهذا النجاح محسوب له .

نجحت العدالة ونجحت التنمية ورغيف الخبز والليرة التركية والتجارة الخارجية واحتياطي البنك المركزي نجحت الحرية الدينية التي كانت تحظر ظهور المحجبة في صالة المحاضرات بالجامعة، لتنشر نورها حتى يخترق مجالس الحكومة والبرلمان..

باختصار أقول: نجحت الواقعية والمرونة والاعتدال والاستقلال والحرية والنماء والعدالة

وخسرت الكمالية والجمود والارتهان للغرب والإقصاء والتهميش والقيود والفساد )) انتهى كلام الأستاذ أحمد وقد حذفت كثيراً منه مما لايخدم موضوعي هنا ...

3.  بعد هذه الفكرة المبسطة آمل أن نستفيد كإسلاميين من نجاح حزب العدالة والتنمية ، ونقبل ماجاء في مشروع جماعة الإخوان المسلمين السورية السياسي ؛ الذي نشر صيف عام (2004) أننا نريـد دولة حديثـة ، ذات مرجعية إسلامية ... وشُرحت الدولة الحديثة بأنها دولة ديموقراطية تعددية ، مؤسساتية ، لاتقصي أحداً من أبنائها ... وسامح الله بعض الأحباب الذين لم يقبلوا هذا الكلام ، ولم يقبلوا موافقة الأكثرية عليه ، وجمدوا أنفسهم لأن المشروع لايقول بصراحة نريد دولة إسلامية  ... وكلنا يتمنى اليوم لو نملك حكمة ومرونة سياسية كالتي يملكها ( أوردغان وجول ) ، الذين حكموا تركيا وسط أسنة مشرعة ضدهم من الجيش ، ومن تلاميذ أتاتورك ، ومن العلمانيين ، ومن أوربا ، ومن أمريكا ، ورغم ذلك كلـه ، وازنوا سـيرهم ومشوا باطمئنان ، دون أن تصلنا تلك الأسنة ، ودون أن تعطل سيرهم ...

4.  إذن لانريد أكثر من دولة ديموقراطية ، تسمح لنا بحرية الكلام ، وحرية الدعوة إلى الله لأنها جزء من حرية الرأي وحرية التعبير وحرية التدين ، وحرية تقديم الخدمات للشعب ، الخدمات التعليمية والصحية والاقتصاديةوالإعلامية، لانريد أكثر من ذلك ، نريد دولة تسمح لنا بذلك ، سواء كنا مشاركين بها أو لم نكن مشاركين ، وعند ذلك نؤدي ما نعتقده واجباً في أعناقنا من الدعوة إلى الله عزوجل ، وتربية الناس على دين الله ، وتكوين الفرد المسلم ، والأسرة المسلمة ، ثم المجتمع المسلم ، فالدولة المسلمة والأمة المسلمة، ولانعد السنوات ، أو القرون ، فالأرض لله يرثها لمن يشاء ، ومتى يشاء ، ونحن عبيده نعمل كما طلب منا ...وننتظر رضوانه ورحمتـه والفـوز بالآخرة .

              

* كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية