تساؤلات
صلاح حميدة
دمه في رقبة من؟
تساؤل طرحته وكالة إخبارية على صدر صفحتها، وكان هذا تعقيباً على مقتل شرطي الحدود المصري، على حدود مصر مع قطاع غزة، لا أريد الخوض في نوايا من كتب هذا العنوان، ولا في المضمون الذي تلاه، ولكن ألا يحق للمتابع أن يتساءل عن دماء من أصيبوا من الفلسطينيين في نفس الحادث، و من أطلق النار عليهم ليس مجهولاً؟ ففي رقبة من هذا الدم؟ وفي رقبة من دماء ألف وأربعماية شهيد فلسطيني قتلوا بعد أن أطلق التهديد بقتلهم من القاهرة قبل حرب غزة بأيام؟ هل هي برقبة من قتلهم مباشرة؟ أم برقبة من اتصل بالفلسطينيين قبل الحرب بساعات وقال لن تحدث حرب واطمئنوا وستفتح المعابر؟ ألا يحق لنا أن نتساءل برقبة من أرواح من ماتوا وهم ينتظرون فتح أبواب معبر رفح؟ برقبة من أرواح مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة يأتيهم الموت من كل جانب؟ برقبة من آلاف الإعاقات والجوع والحرمان والقهر والإذلال؟ برقبة من هذه القائمة اللا منتهية من الدماء والأشلاء؟ هل هي برقبة السّجين؟ أم برقبة السّجان؟ برقبة القاتل والمساعد بالقتل؟ أم برقبة المقتول؟ برقبة من ضيّع البلاد والعباد، ويرفض أن يمنحهم حق الدفاع عن أنفسهم وأرضهم؟ أم في رقبة من يهبّون لهذه المهمة الانسانية؟
قيل قديماً:- ( عجبت لمن لا يجد قوت يومه، ولا يخرج شاهراً سيفه!)
فكيف بمن يمنع من الحصول على قوت يومه بكافّة الوسائل؟
قتال الأعاجم، واقتتال العرب؟!
يتداعى الأعاجم من كل الدنيا لنصرة المحاصرين في غزة، تجد النائب البريطاني جورج جالاوي يحمل همّهم، ويطوف العالم من أجلهم، يهبّ النواب الأتراك وخارجيتهم وسياسييهم وإعلامهم لهذه النصرة ، يتأهب هوجو تشافيز من أمريكا اللاتينية لقيادة قافلة أخرى، وكذلك يفعل رئيس جنوب افريقيا، ورئيس وزراء ماليزيا الأسبق، وغيرهم الكثير من المتضامنين بالآلاف، وحتى من ينضم إليهم من العرب، في أغلبهم من العرب الذين حازوا على جنسيات بلاد العجم التي لا صلة لها بالعرب، كل هؤلاء يعتبرون أن معركة كسر الحصار الاجرامي على الفلسطينيين في شعب غزة قضيتهم الأولى، بالرغم من أن الكثيرين منهم لن يلومه أحد إذا لم يتحرك، فآلاف الأميال تفصل بين هؤلاء وشعب غزة المحاصر.
الغريب أن هؤلاء الأعاجم يلاقون الصدود والنكران والعداء والحرب والاهانة والمضايقات لهم من قبل غالبية الرسميين العرب،وخاصة الأكثر التصاقاً جغرافياً من القطاع المحاصر؟! ويستجدي الأعاجم هؤلاء العربان بأن لا يجعلوا المشكلة معهم، وأن لا معركة بينهم وبين هؤلاء العربان، إلا أن هؤلاء العربان يصرّون على الاقتتال معهم، ويقولون بالفم الملآن أن معركتكم معنا، وأن دعم غزة والغزّيين لا يتحقق بقوافل كسر الحصار، ولكنه يتحقق بغلق كل منافذ الحياة عليهم حتى يمكن أن يرفعوا الراية البيضاء، أو يموتوا بلا ضجيج.
رعي الجمال ورعاية الخنازير؟!
حصار قطاع غزة استحكمت حلقاته، وسط دعم عربي رسمي شبه كامل، ووسط حرب إعلامية محمومة على المحاصرين المجوّعين هناك، ووسط صمت شعبي مخزي، ووسط عمليات تصعيدية للجبهة الغزّية بشكل متسارع، ووسط نكران وصدود عربي رسمي بقيادة أمين عام جامعة الدول العربية، والذي استحق بجدارة لقب موظف منخفض المستوى في وزارة الخارجية المصرية.
تعيش وستعيش غزة أسوأ حلقات الحصار العربي والاحتلالي والدولي عليها، وقد تكون الحرب عليها قاب قوسين أو أدنى، في ظل حرق أطراف دولية وإقليمية لصفقة تبادل الأسرى مع الجندي الاسرائيلي عن سبق إصرار، والمحاولات المحمومة لوضع طبخة حصى المفاوضات العبثية على موقد الفسفور الأبيض للمحرقة الجديدة في غزة.
لا شك أن العرب يعيشون في مرحلة تشابه مرحلة ملوك الطوائف في الأندلس، فهم يدفعون الجزية على تعدد مسمياتها وبأشكال مختلفة، قد تكون صفقات نفطية أوغازية أوتجارية أو على شكل منح وودائع وغيرها، ومنهم من احترف الدعارة والقمار، ومنهم من قرر أن يحترف رعي الخنازير والعبودية الكاملة لأسياده، ولم يظهر حتى الآن منهم من يتحلى ببعض الرجولة كالأندلسي المعتمد بن عبّاد، ويعتبر أن رعي الجمال أفضل وأعز عنده من رعي الخنازير.
إحترف النظام الرسمي العربي دفع الجزية، ورعي الخنازير، ويعمل حثيثاً للتحالف مع أعداء الأمة، بل يعتبر معركتهم معركته، ويتقدم الصفوف لحرب وحصار غزة، بل يفقد صوابه في مواجهة أي حالة تضامنية مع المحاصرين هناك، فهل نحن على موعد مع حرب قريبة؟ وهل نحن على موعد مع حرب بين أصالة الجمال، ورجس الخنازير؟ وهل نحن على موعد مع ( زلاقة) الأندلس، حيث ينتصر الجمل على الخنزير؟.