حصار غزة!.
هل يصل بمصر إلى حافة الهاوية؟
الطاهر إبراهيم *
قد نفهم دواعي الحصار -وإن كنا نرفض هذا الحصار- الذي تطبقه أجهزة الأمن المصرية على جماعة الإخوان المسلمين المصرية لتقييد نشاطاتها، لأن هذا الحصار يصب في خانة تحجيم هذه الجماعة ومنعها من مقاومة ملف التوريث الذي تسعى له مجموعة الشد العكسي في الحزب الوطني. أو أن الحصار يهدف لإضعاف الإخوان ومنعهم من أن يكونوا رقما صعبا في الشارع المصري. ما يتخوف منه كثيرون أن يكون الإخوان هم الوريث الحقيقي للنظام المصري الحالي كما يعتقد كثيرون في مصر وخارج مصر.
وإذا تفهمنا حصار النظام على الإخوان المسلمين باعتبارهم منافسين لمشروع "مبارك" في توريث ابنه "جمال"، فلا نستطيع تفهم حصار النظام لحركة "حماس" وهي ليست منافسة له، بل كل همّ حكومة حماس هو تأمين سد رمق سكان القطاع. ومع ذلك فمعبر رفح مغلق في وجه مرور حاجات الحياة اليومية الضرورية من علبة الكبريت إلى مختلف حاجات قطاع "غزة" الغذائية ومواد البناء، وصولا إلى النفط والغاز اللذين يقدمهما لإسرائيل بأسعار شبه رمزية، بينما يرفض تدفق النفط والغاز إلى "غزة" حتى بأسعار السوق العالمية، كل ذلك وهو ينتحل أسبابا واهية لا تقنع الطفل الصغير.
فمرة يزعم ناطق مصري رسمي بأن القاهرة سوف تبقي معبر رفح مغلقا إلى أن تصطلح حركة حماس مع حركة فتح. ومرة أخرى يؤكد ناطق آخر بأن بناء الجدار الفولاذي مع غزة هو حاجة أمنية مصرية. ومرة ثالثة يزعم وزير خارجية مصر "أبو الغيط" أن قافلة "شريان الحياة" التي يقودها النائب البريطاني "جورج غالاوي" قد حدد لها مسبقا العريش مكانا لدخولها غزة، وأن على القافلة أن تعود أدراجها من الأردن إلى سورية فتركيا بنفس الطريق الذي قدمت عبره، ومن ثم تركب البحر إلى مرفأ العريش، كي يسمح لها أن تدخل غزة. استطرادا، يفهم من كلام "أبو الغيط" أن شيئا ما يعتمل داخل قلوب قادة مصر، لأن القافلة لقيت ترحيبا سوريا رسميا وشعبيا ما عكر مزاج الرئيس "مبارك"، الذي يعتبر أن النظام السوري يحرض حركة حماس على عدم الانصياع للنفوذ المصري. وأن إعادة القافلة عبر سورية هو "فركة" أذن لحماس والنظام السوري.
حكومة مصر التي صدر عن وزير خارجيتها عبارات عنترية، بأنها لن تسمح للقافلة إلا عبر الطريق الذي حدد لها، ولا طريق آخر، هي نفسها الحكومة التي فتحت قناة السويس مرتين أمام الأسلحة الأمريكية لتشن هجومها على العراق، مرة عام 1991، ومرة أخرى في عام 2003، عندما أسقطت واشنطن النظام العراقي السابق.
ملابسات الحصار الذي يطبقه النظام المصري على "غزة" يكاد لا ينتهي الحديث عنها. فلا يكاد أحد يصدق النظام أن إغلاق معبر رفح سببه حرصه على مصالحة الفلسطينيين. فالكل يعلم أن قرار حصار غزة قرار إسرائيلي بالدرجة الأولى، أولا وأخيرا. فإسرائيل تحاول أن تنجز بالحصار ما لم تقدر على إنجازه بالحرب التي شنتها على قطاع غزة في كانون الثاني عام 2009. وليس هناك من يصدق أن الجدار الفولاذي أنشئ لحماية أمن مصر من العبث. فلم نسمع عن أي خروقات أمنية حدثت على مدى ثلاثة عقود وحتى الآن. ما يعرفه الكل أن هذا الجدار أنشئ لتشديد الحصار على غزة.
ما لا يدركه النظام المصري أن هذه القسوة بحق أهل غزة ومحاولة خنقهم عن طريق منع وصول ضروريات الحياة إليهم، إنما يشكل في ناحية جوهرية منه عدوانا صريحا لا هوادة فيه، تشنه إسرائيل على القطاع بنفسها، أو وكالة بالضغط على مصر لإغلاق معبر رفح. ويبقى الحصار –في أحد جوانبه- إعلان للحرب على الله تعالى الذي تكفل بأرزاق العباد.
ما لم يدخله النظام المصري في حسابه هو أن الحصار قد يجعل الشعب الفلسطيني في غزة ينفجر دفعة واحدة، كما انفجر قبل عامين في 24 كانون ثاني عام 2008 عندما حطم أهل غزة الجدار الفاصل مع مصر وتدفقوا بعشرات الألوف. لو حصل واجتاح "الغزيون" جدار الفصل هذه المرة، فقد يفقد النظام المصري صوابه ويأمر بإطلاق النار. ولا يدري أحد ما يكون رد فعل أهل غزة؟ فقد لا يرهبهم سقوط قتلى برصاص الجيش المصري. فالواحد منهم يعاين ما يشبه الموت يوميا من فقدان الأمور الضرورية. من جهة ثانية فإن الجندي المصري قد يرفض الأوامر بإطلاق الرصاص على أخيه الفلسطيني. وإذا رفض جندي
إطلاق النار على الفلسطينيين، فمن يدري؟ فقد يمتد العصيان إلى وحدات الجيش المصري. فعلينا أن لا ننسى ما يعتمل داخل الجيش المصري الذي يشعر بالانكسار. ففي أمور كثيرة تتحدى إسرائيل الجيش المصري عندما تقصف أنفاق غزة من جهة أرض مصر، والجيش المصري مكتوف الأيدي يتحسر ولا يقدر على الرد لأن هذا من المحرمات عليه. لا أحد يرغب أن يحصل اضطراب أمني في مصر. فقد نعرف بداية الحدث، لكننا أبدا لا نعرف كيف تكون الخاتمة؟
بعض المحللين السياسيين يذهبون أبعد مما قدمنا. فهم يعتقدون أن واشنطن أدركت أن نظام "حسني مبارك" استنفد ما هو مطلوب منه، وربما يكون أصبح عبئا على الأجندة الأمريكية، لأنه أصبح مكروها -بما يكفي- من الشعب المصري، وأن النظام أصبح عاجزا عن تنفيذ ما هو مطلوب منه، وأن عليه أن يرحل. ويجب أن يأتي نظام آخر بديل أقدر على تنفيذ ما هو مطلوب منه أمريكيا. نحن من جهتنا لا نستغرب ذلك. فقد حصل مثل ذلك مع الرئيس الراحل "أنور السادات" عندما أعطى سمعه لمقربين منه لهم علاقة بالمخابرات الأمريكية. فقد قام السادات بسياسات غير شعبية مثل زيارته إلى القدس وتوقيعه معاهدة "كمب ديفيد"، التي أخرجت مصر من الصف العربي المقاوم لإسرائيل، وقام باعتقال مجموعة كبيرة من المعارضين له، ما عجل في أمر اغتياله، وهكذا كان.
من جهتنا نتمنى على الرئيس المصري "حسني مبارك" أن يتحسس آلام الشعب المصري وآماله. وأن يقوم بإصلاحات سياسية تضع في حسبانها مشاركة الشعب المصري في إدارة شئون مصر. وألا يصل مع الشعب المصري إلى حافة الهاوية. وإلا فإن النظام والشعب سيخسران الكثير. في النهاية لاأحد يعرف شكل الحكم الذي سيخلف نظام "مبارك". فقد يأتي نظام آخر نترحم معه على "النباش الأول".
* كاتب سوري معارض يعيش في المنفى.