هل كان (الوعد الصادق) صادقاً

هل كان (الوعد الصادق) صادقاً؟!..

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

منذ وقوع النصر الإلهي (المجيد)، الذي أعلنه الأمين العام لحزب إيران في لبنان العام الماضي.. كنا نتوقّع أن تكونَ لذلك النصر (القسري) جولة ثانية، لاعتقادنا بأنّ هدف الحرب المشؤومة، التي فجّرتها أدوات إيران والنظام السوري في الثاني عشر من تموز 2006م.. هو جَني المكاسب لأصحاب المشروع الفارسيّ الصفويّ على الساحة اللبنانية، فضلاً عن هدف تعطيل تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة القتل العمد، التي أودت بحياة الرئيس (رفيق الحريري) ومرافقيه!..

بمعايير النصر والهزيمة، نلحظ أنّ حرب تموز 2006م المدمِّرة التي شنّها العدو الصهيوني على لبنان، وذلك بعد عملية الاستفزاز المريبة التي قام بها حزب خامنئي اللبناني.. نلحظ أنّ نتائجها كانت كارثيةً على لبنان، شعباً ووطناً وأرضاً ودولة، فالأهداف المعلَنة لاختطاف جنديَّيْن صهيونيَّيْن لم تتحقق، إذ لم يتم تحرير الأسرى اللبنانيين، ولا مزارع (شبعا)، ولا الجولان، ولا ذرةٍ من تراب فلسطين.. بل الذي تحقَّق هو تقتيل وإصابة آلاف الأطفال والنساء والرجال اللبنانيين، وتدمير لبنان، وتحميل الاقتصاد اللبناني أعباء إضافيةً ضخمة، تجسّدت بخسارة أكثر من ثلاثة عشر مليار دولار، وتهجير ثلث السكّان اللبنانيين بعد تدمير بيوتهم وقراهم وفقدانهم مصادر أرزاقهم، وتراجع الحركة الاقتصادية والصناعية والتجارية والسياحية والمالية إلى درجاتٍ مخيفة.. وفوق ذلك كله، استقدام قواتٍ دوليةٍ عازلةٍ بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل، وفوقَ.. فوقَ ذلك، احتلال إسرائيل بعض أجزاء جنوبيّ لبنان خلال الحرب.. أي بالمختصر المفيد، تراجَعَ لبنان إلى درجةٍ متخلِّفةٍ بحوالي ربع قرنٍ عما كان عليه قبل اندلاع الحرب!.. فاكتشف اللبنانيون أنّ (النصر الإلهيّ) لحزب خامنئي اللبناني كان ساحقاً عليهم وعلى لبنان كله وليس على العدوّ الصهيونيّ.. لكنّها كانت الجولة الأولى من جولات تحقيق كامل هدف المشروع الصفويّ الفارسيّ - السوريّ، لأنّ فعاليات إقامة المحكمة الدولية، التي ستُدين النظام السوريّ وأيتامه من اللبنانيين، وربما بعض هؤلاء الأيتام ينتمي إلى المنتصرين (إلهياً)..لأنّ هذه الفعاليات لم تقف، ولم تتعطّل، بل سارت قُدُماً لكشف القتلة الذين يتلاعبون بأمن لبنان ومصيره، فكان انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة، ثم اغتيال الوزير (بيير الجميّل) ومحاولة اغتيال غيره من الوزراء، لتجريد الحكومة من نصاب البقاء، ثم لإسقاطها!.. لكنّ الحكومةَ لم تسقط.. لذلك قرّر أيتام إيران والنظام السوري أن يجرّبوا حظّهم في إعلان التظاهر والاعتصام، تحت غطاءٍ كثيفٍ من الأكاذيب والمزاعم الدستورية الباطلة، وغطاءٍ آخر من الإعلام السوريّ والإيرانيّ الداعم لكل هذه التحرّكات المريبة!.. ونقول: المريبة، قياساً إلى أهدافها التي لم تعد خافيةً على كل ذي قلب: إنقاذ القتلة، والانقضاض على الدولة، والقيام بانقلابٍ سياسيٍ يتنكّر لاتفاق الطائف، ويوجِد واقعاً سياسياً وأمنياً وعسكرياً وديموغرافياً جديداً في لبنان، تمهيداً لتقديمه هديةً ثمينةً لصالح المشروع الصفويّ الفارسيّ، الذي يمتدّ عبر الساحتَيْن العراقية والسورية، ليصل إلى الشواطئ اللبنانية على البحر الأبيض المتوسط!..

بعد أشهر قليلةٍ من إعلان حزبه اللبنانيّ، افتتح (علي خامنئي) الإيراني (مزاد) النصر الإلهي لوكلائه في لبنان، ثم دعا إلى إسقاط الحكومة اللبنانية، وقبل ذلك هدّد أميركة بأنها ستُهزَم، ليس في إيران، ولا في العراق الذي يتحالف على أرضه (خامنئي) نفسه وحلفاؤه معها (أي مع أميركة).. بل سيهزمها في لبنان!.. وقبلَ.. قبلَ ذلك، أثناء حرب (النصر الإلهي).. أعلن المسؤولون الإيرانيون، بأنّهم سيقفون إلى جانب النظام السوريّ إذا امتدّت الحرب إلى سورية!.. أما لبنان، فهم ليسوا مَعنِيّين به ولا بالحرب العدوانية التي أشعلوها ضده، لأنّ أهدافهم من إشعالها كانت تسير قُدُماً على أرضه، وتتحقّق في مَفَاصِله كما رسموها تماماً!..

وخلال نفس الفترة أيضاً، أعلنها بشار أسد صريحةً: (هذه الحكومة اللبنانية يجب أن تسقط)!.. لأنه (كما قال) لا يتحمّل أن يسمع عبارة: محكمة دولية!..

حزب خامنئي اللبناني، يعرف تماماً بأنّ هذيانه بشأن نصره (الإلهيّ) مكشوف جداً، لدى اللبنانيين في الأقل، وأنه إن لم يتعرّض للمحاسبة على جريمة اغتيال الرئيس الحريري في المحكمة الدولية مع حلفائه، فإنه سيتعرّض للمساءلة لبنانياً وأخلاقياً على ما جنته يداه على البلاد والعباد بحربه (المظفَّرة).. ولم يستطع بتصريحات أمينه العام المتتالية التي أشاد فيها بالأموال الخامنئية التي منحها ولي أمره (علي خامنئي) للحزب وليس للبنان.. لم يستطع أن يوقفَ زخم الغضب الشعبيّ والرسميّ من الذي اقترفه واعترف به: (لو كنا نعلم أنّ خطف الجنديَّيْن الإسرائيليَّيْن سيؤدي إلى هذه الحرب المدمِّرة.. لما قمنا بعملية الخطف هذه).. لم يستطع، لأنّ الدماء والدمار والكارثة التي سبّبها للوطن والشعب، كانت أوضح من أن يتمكّن بهلواني مقامر مثله أن يُغطّيها أو يُزيحَ الأنظارَ عنها!..

من الملاحظ أيضاً، أنّ الجوقات الإعلامية للنظامَيْن السوريّ والإيراني، كانت قد بدأت تنفّذ خطة تغطيةٍ إعلاميةٍ وسياسيةٍ وأمنيةٍ كاملةٍ لجولة حزب خامنئي اللبناني الحربية في قلب بيروت.. وخلالها يظهر النظام السوريّ، وكأنه الرحم الذي وُلِدَت منه الثورة الفرنسية، أو استولِدَت منها انتصارات التحرير في كل العالَم العربيّ والإسلاميّ!.. فأبواق النظام تصرخ دون أن يرفّ لها جفن: التظاهر في لبنان مقدَّس، والاعتصام لإسقاط حكومته مبدأ ديمقراطي في غاية النـزاهة والالتزام بالقِيَم السياسية النظيفة.. وإسقاط حكومةٍ منتَخَبةٍ ما تزال تحتفظ بأكثريتها الوزارية والنيابية.. من أطهر الأساليب لتحرّر الشعوب، ومن أعظم مبادئ الحرية والتحرير والتعدّدية والديمقراطية!.. أما إذا تظاهر خمسة مواطنين سوريين عند مبنى ما يسمى بمجلس الشعب السوري، أو اعتصم عشرون محامياً أو قاضياً سورياً عند القصر العدليّ، أو احتفل بعضُ الرجال والفتيان بمناسبة ذكرى المولد النبويّ الشريف، أو انسلّت رائحة اجتماعٍ لمنتدىً مدنيٍّ أو لجنةٍ لحقوق الإنسان السوريّ.. فدون ذلك بحيرات الدم وأصفاد المخابرات العسكرية وزنازين السجون الصحراوية.. بل دبابات الحرس الجمهوريّ ومدافعه ورشاشاته وصواريخه.. كما حصل ويحصل منذ أكثر من ثلث قرن.. إذ أنّ بعض فتيان الثانويات السورية قُتِلوا وهم يحتفلون بمناسباتٍ دينيةٍ عامة، وبعضهم اختفوا منذ ربع قرنٍ بعد اعتقالهم أو اختطافهم خلال مسيرةٍ صامتةٍ سلمية!..

ليتظاهر أيتام النظام السوري وإيران في ساحات بيروت، وليعتصم بهلوانيو القرن الحادي والعشرين تحت دثار أهدافٍ معلَنَةٍ تُخفي الأهدافَ الحقيقية.. وليتفرّج الشعب السوريّ على المشهد كاملاً، فإذا كان الأيتام والبهلوانيون يستطيعون التظاهر والاعتصام لإسقاط حكومةٍ شرعيةٍ منتَخَبَة، فشعبنا الرازح تحت نير الاستبداد والدكتاتورية والاضطهاد منذ حوالي أربعين عاماً.. أحق.. ليس بالتظاهر والاعتصام، بل بالعصيان المدنيّ، الذي يمكن له وحده إنقاذ البلاد والعباد من أي تدخلٍ خارجيّ، ومن أي نموٍ لمخالب المشروع الصفويّ الاستعماريّ الاستئصاليّ على أرض الشام المباركة!..

حزب خامنئي اللبناني أعلن بلسان أمينه العام ندمَه (على انتصاره الإلهيّ) الأول، لأنه لو كان يعلم حجم الكارثة التي ستحلّ بلبنان كما زعم.. لما أشعل تلك الحرب الكارثية!.. وكذلك، فحزب خامنئي اللبناني نفسه، سيُعلن ندمه أيضاً هذه المرّة، وسيتمنى لو أنه لم يخض حربه الثانية ضد لبنان وشعبه، وضد دماء الأبرياء وأرواحهم في شوارع بيروت وساحاتها العامة!.. وإنها دعوة لكل المغفَّلين والمخدوعين من الذين نصّبوا زعيم ذلك الحزب على عرش المظفّر صلاح الدين الأيوبيّ.. لأن يُعيدوا حساباتهم، ويُعمِلوا عقولهم، ويشهدوا بالعين المجرّدة، أنّ الذي زعم أنه قاوم من أجل لبنان، إنما قاتل من أجل إنهاك لبنان، تمهيداً للانقضاض عليه، ثم للسيطرة على أرضه وإنسانه ودولته، لإلحاقه بمشروع سادته الإيرانيين!..

ما بين الاعتصام القائم في بيروت الآن، الآيل إلى الفشل.. وبين العصيان المدنيّ المثمر القادم في دمشق بإذن الله.. ستتحدّد هوية منطقتنا، بدءاً من الشام، وانتهاءً بالخط الجغرافيّ الإسلاميّ الممتد من طنجة إلى جاكرتا.. لأنّ ما يجب أن يجري شعبياً في دمشق من حراكٍ تحرّريّ، سيُسقِط أركانَ كل المشروعات الخطيرة المشبوهة، التي يُعِدّ طغاتُها العدّةَ لاجتياح أوطان العرب والمسلمين، سواء أكان ذلك الاجتياح متخفياً تحت ستارٍ دينيٍ مذهبيٍّ مسعور، أم متدثِّراً بشعارات الديمقراطية الزائفة، التي نشهدها على مدار الساعة في العراق وفلسطين.. وأفغانستان والصومال!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام